التنمر (2-2)
التنمر والمدرسة
بداية لا بد من التأكيد أن من حق الطفل أن يتمتع ببيئة مدرسية آمنة وحانية تحترم كرامته وحريته، مع الضبط، بعيداً عن القسوة والعقاب الشخصي، أي الاعتماد على العقاب التربوي الهادف للإصلاح والمعالجة. فالطالب ليس خصمنا بل هو موضوعنا المشترك. وفي المدرسة نسعى لتوفير الرعاية والحماية وفرص النجاح والإبداع له، ونهتم بإعداد شخصية اجتماعية منتجة سليمة ومعافاة ومنسجمة ومتوازنة. وهذه الأهداف تقتضي مناهج تربوية حديثة وأنظمة وقوانين تربوية وإدارية تحقق آليات عمل منتجة وبيئة مدرسية وصفية تقوم على الاحترام والتفاعل العلمي والتعليم التفاعلي.
وتنص اتفاقية حقوق الطفل على أنه من حق جميع الأطفال الحصول على التعليم وعلى الحماية من جميع أشكال العنف البدني والعقلي ومن الإهانات والتعسّف، ولا يُستثنى التنمّر من ذلك.
تعريف ظاهرة التنمر المدرسي:
تعددت تعريفات ظاهرة التنمر بتعدد الثقافات والأنظمة التعليمية، وسأكتفي بالتعريف العام وتعريف الأب المؤسس لأبحاث حول التنمر في المدارس؛ النرويجي دان ألويس.
ويعرفه بأنه أفعال سلبية متعمدة من جانب تلميذ أو أكثر لإلحاق الأذى بتلميذ آخر، تتم بصورة متكررة وفي أي وقت، ويمكن أن تكون هذه الأفعال السلبية بالكلمات مثل: التهديد، التوبيخ، الإغاظة والشتائم، كما يمكن أن تكون بالاحتكاك الجسدي كالضرب والدفع والركل، ويمكن ان تكون باستخدام الكلمات أو الإيحاءات الجسدية مثل التكشير بالوجه أو الإشارات غير اللائقة، بقصد وتعمد عزله عن المجموعة أو رفض الاستجابة لرغبته. وحسب ألويس فلا يمكن الحديث عن التنمر إلا في حالة عدم التوازن في الطاقة أو القوة (علاقة قوة غير متماثلة) أي في حالة وجود صعوبة الدفاع عن النفس، أما حينما ينشأ خلاف بين طالبين متساويين تقريباً من ناحية القوة الجسدية والطاقة النفسية، فإن ذلك لا يسمى تنمراً، وكذلك الحال بالنسبة لحالات الإثارة والمزاح بين الأصدقاء، غير أن المزاح الثقيل المتكرر، مع سوء النية واستمراره بالرغم من ظهور علامات الضيق والاعتراض لدى الطالب الذي يتعرض له، يدخل ضمن دائرة التنمر.
كما يُعرف أيضاً على أنّه حالة يتعرّض فيها الطفل أو الطالب لمحاولات متكررة من الضرب أو الهجوم الجسدي والكلامي من قبل طفل أو طالبٍ آخر أو مجموعة من الطلاب، وعادةً ما تحدث هذهِ الظاهرة بين شخصٍ قوي يُهاجم شخصاً أضعف منه من الناحية البدنيّة، أو النفسيّة، أو كليهما، وهذا الهجوم يترك الكثير من العواقب النفسيّة السلبيّة بعيدة المدى لكلا الجانبين، أي الضحيّة والمعتدي.
التنمّر في المدارس من الظواهر الخطيرة والمؤثرة على التربية والتعليم بشكل عام، وإلى حد ما تعد ظاهرة شائعة تحتاج لمعالجة لأنها تُهدّد سلامة الطلاب وتعيق سير عملية التدريس بشكلٍ صحيح وسليم، وتؤثر على نفسية الطلاب فتجعلهم غير سعداء وتمنعهم من المثابرة والدراسة الجيدة وتحقيق التفوق، وتمنعهم من إقامة صداقات وعلاقات وثيقة ومتينة فيما بينهم،
نلاحظ واقعياً أن الحديث يتركز على ظاهرة التنمر بالتركيز على الطرف الضعيف أو المتنمر عليه، الذي يقع عليه الفعل الإكراهي المؤلم، والذي يؤدي إلى عواقب وخيمة على مساره الدراسي وصحته النفسية تصل في بعض الأحيان إلى درجة الانتحار. لكن من الضروري أن نولي الاهتمام أيضاً إلى الظاهرة من زاوية أخرى؛ زاوية المتنمر ذاته، وحينها، سنجد ضحية أخرى لا يُلتَفت إليها غالباً، تتمثل في الطفل أو مجموعة الطلاب المتنمرين الذين يتخذون صورة العنف سلوكاً ثابتاً في تعاملاتهم، إنهم ضحايا سوء التنشئة الأسرية والاجتماعية، وكلا الضحيتين تحتاجان للعلاج النفسي والسلوكي، فالمعتدِي والمعتدَى عليه عضوان أساسيان في المجتمع، ومن الواجب التربوي والعلمي – ولا ابالغ إذا قلت الوطني – أن نتابع هذه القضية حتى جذورها، لأنه إذا أهملنا الطفل المعتدِي المتنمر ولم نقومه – تربوياً وسلوكياً – نكون دفعنا به للانحراف والسلوك الخاطئ، ما يحرمنا عضو مجتمع يجب أن يكون مفيداً ومعطاء وصالحاً. وسنعرض أطفالاً آخرين للوقوع في المشكلة نفسها، وهكذا سنساهم في انتشار الظاهرة بصورة أكبر في المجتمع ما يتطلب مزيداً من استهلاك الرعاية واستهلاك مصاريف مادية للمعالجة، والأهم، فقدان المجتمع لطاقة إنتاجية وفاعلة.
أسباب ظاهرة التنمر في المدارس:
حسب بعض الدراسات الخاصة بالتنمر، تعود أسبابه في المدارس إلى عوامل عدة، وهذه العوامل والأسباب يمكن أن نُرجعها إلى المتغيّرات التي حدثت في المجتمعات الإنسانية، والمرتبطة أساساً بظهور العنف، كالحروب على اختلاف أشكالها، والتمييز بكل أنواعه، واختلال العلاقات الأسرية في المجتمع، وتأثير الإعلام على المراهقين في المراحل المتوسطة والثانوية، وكثرة المهاجرين الفقراء الذين يسكنون الأحياء الفقيرة، وعدم قدرة أهل هؤلاء الطلبة المتُنمّرين على ضبط سلوكهم، وانتشار وسائل التواصل المتنوعة للجميع.
وعموماً يمكن الإشارة لأهم الأسباب التي أدت إلى انتشار ظاهرة التنمر:
1- أسباب اجتماعية اقتصادية نفسية مؤثرة بعضها ببعض إلى حد التلازم، مثلاً: التنمر المتعلق بالطلاب المتنمرين المنحدرين من الأوساط الفقيرة ومن العائلات التي تعيش في المناطق المحرومة، أو ما يسمى أحزمة الفقر، وتعاني من مشاكل اقتصادية، في ظل وضع اجتماعي يتسم باتساع الهوة والفوارق بين الطبقات الاجتماعية. والبعض نفسيا يتمّيز بخاصية السيكو بائية (الاعتلال النفسي الاجتماعي) وخصوصاً القادة منهم، والسيكوباثية مضادة للمجتمع، فُيعَد الاعتلال النفسي الذي يُعتبر أحياناً مرادفاً للاعتلال الاجتماعي، اضطراباً في الشخصية يتسم بالاستمرار في السلوك المعادي للمجتمع وضعف التعاطف وعدم الشعور بالندم. ومن سماته الجرأة غير المقيدة والأنانية. وقد جرى التعبير عن هذا الاعتلال بمفاهيم مختلفة عبر التاريخ، وهي متداخلة جزئياً فقط، وقد تكون متناقضة في بعض الأحيان. ومن أهم أعراضها الجرأة ونقص التعاطف والميل إلى العنف والتلاعب والاندفاع.
تكمن خطورة هذا النوع في إمكانية تحوله خارج المدرسة إلى مشروع مجرم يهدد استقرار المجتمع وأمنه.
2- الأسباب الأسرية:
تميل الأسر في المجتمعات المعاصرة الأقل تطوراً إلى تلبية الاحتياجات المادية للأبناء من مسكن وملبس ومأكل وتعليم جيد وترفيه، على حساب الدور الأهم الواجب عليها، أي على الأسرة، بالنسبة للطفل أو الشاب، ألا وهو المتابعة التربوية وتقويم السلوك وتعديل الصفات السيئة والتربية الحسنة. وقد يحدث هذا نتيجة انشغال الأب أو الأم أو كليهما عن تربية أبنائهما ومتابعتهم، وقد يكون هذا الانشغال مفروضا عليهم بسبب الفقر ما يضطر أحد الأبوين أو كليهما للعمل الإضافي وقضاء معظم الوقت خارج المنزل، وعندما يكون أحدهما في المنزل يكون منهكاً ومتعباً، وهنا يميل لإلقاء المسؤولية على غيره وخصوصاً المدرسة والمدرسين.
تمتلك بعض الأسر الغنية القدرة على إلقاء مهمة رعاية الأطفال على المربيات والخادمات ومدرسي المواد العلمية بالبيوت، وهنا يقع الإهمال؛ إهمال متابعة الطفل بدقة واهتمام. وإلى جانب الإهمال، يعد العنف الأسري من أهم أسباب التنمر، فالطفل الذي ينشأ في جو أسري يطبعه العنف سواء بين الزوجين أو تجاه الأبناء أو الخدم، لابد أن يتأثر بما شاهده أو كان هو بذاته ضحية له. فيحاكي ويقلد هذا السلوك بشكل لا شعوري أو شعوري، وهكذا فإن الطفل الذي يتعرض للعنف في الأسرة، يميل إلى ممارسة العنف والتنمّر على الطلبة الأضعف في المدرسة. كذلك الحماية الزائدة عن الحد تعيق نضج الأطفال، وقد تظهر لديهم أنواعا من الفوبيا، كفوبيا المدرسة والأماكن المفتوحة لاعتمادهم الدائم على الوالدين، فالحماية الأبوية الزائدة تقلل من شأن الطفل وتضعف من ثقته بنفسه وتشعره بعدم الكفاءة.
3- الأسباب المرتبطة بالحياة المدرسية:
ازداد العنف في المدارس المعاصرة إلى مستويات غير مسبوقة. وصلت حد الاعتداء اللفظي والجسدي على المدرسين من طرف الطلاب وأولياء أمورهم، حيث انعدمت أو ضعفت جداً حدود الاحترام الواجب بين الطالب ومعلمه، ما أدى إلى تراجع هيبة المعلمين وتأثيرهم على الطلاب، الأمر الذي شجع بعضهم على التسلط والتنمر على بعضهم الآخر. إلى جانب ذلك يمكن أن يؤدي التدريس بالطرق التقليدية التي تعتمد مركزية المدرس كمصدر وحيد للمعرفة وكمالك للسلطة المطلقة داخل قاعة الدرس وخارجها، بينما الطالب سلبي متلق وليس فاعلاً، ما يدفع هذا الطالب إلى اعتماد العنف والإقصاء كمنهج لحل المشكلات داخل غرفة الدرس وفي باحة المدرسة اوفي تجمع الطلاب على أبواب المدارس صباحا وبعد انتهاء الدوام، ما يخلق بيئة مناسبة لنمو ظاهرة التنمر. هذا بالإضافة إلى غياب الأنشطة الموازية داخل المدارس، منها إهمال مواد ضرورية بل مهمة لنمو شخصية الطالب، كالرياضة والموسيقى والرسم والفنون الأخرى، والرحلات والنزهات الترفيهية الثقافية، مثلاً:
يتم التركيز على حصة الرياضيات والتربية الدينية على حساب المواد سابقة الذكر، واختزال الحياة المدرسية في الأنشطة الرسمية التي تمارس داخل غرفة الصف وربط تنزيل البرامج الدراسية بتلقين المعلومات مبتعدين عن مبدأ أن العملية التربوية والتعليمية تفاعلية ومتكاملة.
4- الأسباب المرتبطة بالإعلام والثورة التقنية والاتصالات:
أفلام الأطفال والألعاب الخاصة بهم وأفلام الكرتون غير المدروسة، وغير المناسبة لهم ولأعمارهم وعدم مراعاة ما إذا كانت مؤذية لهم، أو تشوه براءتهم، تأتي بعد مراعاة مصلحة المستثمر بالإنتاج الإعلامي التلفزيوني، أو السينمائي، وعبر وسائل الاتصال المختلفة يسعى هذا المستثمر او ذاك وتسعى هذه الشركة المنتجة أو تلك للربح وزيادة التوزيع ولا تكترث أخلاقياً للأثر السلبي والمشوه للنمو الطبيعي للطفل، ومع غياب الضمير وضعف الرقابة والفساد، يزداد اثرها السلبي والمشوه فنجدها مادة رائجة في البلدان الأقل تطوراً والتي ينتشر فيها الفساد والاستبداد والجهل، حيث تعتمد الألعاب الإلكترونية عادة على مفاهيم مثل القوة الخارقة وسحق الخصوم واستخدام كافة الأساليب لتحصيل أعلى النقاط والانتصار دون أي هدف تربوي، لذلك، نجد الأطفال المدمنين على هذا النوع من الألعاب، يحسبون الحياة اليومية – بما فيها الحياة المدرسية – امتداداً لهذه الألعاب، فيمارسون حياتهم في مدارسهم أو بين معارفهم والمحيطين بهم بالكيفية نفسها، حتى داخل الأسرة وبين الإخوة والأخوات. من هنا تأتي خطورة ترك الأبناء يدمنون ألعاب العنف دون مراقبة الأهل والمربين. والمراقبة هنا ليست متابعة شرطية، بل متابعة تربوية بكل ثقة واحترام خصوصية الأطفال وحسب المراحل العمرية المختلفة للطفل. وبالتأكيد، ينبغي على الأسرة عدم السماح بتقوقع الأبناء على هذه الألعاب والسعي للحد من وجودها، كما ينبغي على الدولة أن تتدخل وتمنع انتشار تلك الألعاب المخيفة ولو بسلطة القانون لأنها تدمر الأجيال وتفتك بهم.
وإلى جانب الألعاب الإلكترونية، وبتحليل بسيط لما يعرض في التلفاز من أفلام – سواء كانت موجهة للكبار أو الصغار – نلاحظ تزايد مشاهد العنف والقتل الهمجي والاستهانة بالنفس البشرية بشكل كبير في الآونة الأخيرة، ولا يخفى على أحد خطورة هذا الأمر خصوصاً إذا استحضرنا ميل الطفل إلى تصديق هذه الأمور وميله الفطري إلى التقليد وإعادة الإنتاج. ولا أستثني من ذلك الأخبار الإعلامية للقتل وصور الحرب و… وقسم من الأطفال بحسب ظروف بلادهم يعيشون الحالة مباشرة.
نعم، الأطفال وحياتهم، حاضرهم ومستقبلهم، أمانة في أعناقنا، ومسؤوليتنا تأمين المناخات المناسبة لنموهم نمواً طبيعياً.
علاج الظاهرة:
الخطوة الأولى لعلاج هذه المشكلة هي الاعتراف بوجودها. الخطوة الثانية تشخيص المشكلة من أجل الوقوف على حجم هذه الظاهرة في مدارسنا وتحديد المستويات الدراسية التي تنتشر فيها أكثر من غيرها، ومعرفة الأسباب التي تؤدي إلى انتشار التنمر. عندئذ يمكننا أن نعمل على إيجاد حلول لهذه المشكلة التي تنتشر في جميع الدول، لكن، قد تختلف بشكلها وحجمها وتأثيرها وبدائرة انتشارها من دولة لأخرى حسب الدولة ومستواها الاقتصادي والسياسي والديني والتربوي والعلمي والثقافي بشكل عام، ففي الدول الغربية مثلاً، وبسبب التغييرات التي تحدث في المجتمعات وتأثير الإعلام الذي غيّر كثيراً من سلوكيات الأطفال والمراهقين، وامتد تأثيره ليشمل حتى سلوكيات البالغين، لها شكل وحجم ومستوى تأثير مختلف عنه مما هو في الدول العربية والعالم الثالث بشكل عام. بينما في دول الخليج العربي، كانت الوقاية من التنمر في المدارس أحد برامج الخطة الجديدة لـ ”اليونيسف” في المنطقة للمرحلة: 2014-2017، والهدف الرئيسي لهذا البرنامج هو الوصول لمدارس خالية من التنمر لضمان بيئةٍ آمنةٍ للأطفال.
أ- العلاج الأسري
الأسرة هي البيئة الأولى التي تؤثر في سلوك الطفل، وهي بذلك تكتسي أهمية بالغة في تحديد المتدخلين في علاج ظاهرة التنمر، وحتى يكون التدخل الأسري فعالاً، لابد من التروي وعدم العجلة في الحكم على سلوك الطفل ووصفه بالمتنمر قبل أن تتضح الرؤية وتتم دراسة المشكلة من جميع الجوانب، واستشارة جميع المتدخلين في حياة الطفل، بما في ذلك بحث الصعوبات التي يمكن أن تواجه الطفل في المدرسة فيما يخص التحصيل الدراسي، والتي يمكن أن تكون وراء سلوكه العدواني. وفي حالة ثبوت تنمر الطفل، يجب مناقشته بهدوء وتعقل، والحديث معه باحترام وثقة وحنان حول الأسباب التي تجعله يسلك هذا المنحى تجاه أقرانه، وتوضيح مدى خطورة هذا السلوك، وآثاره المدمرة على الضحية وعليه شخصياً. وفي جميع الأحوال، يجب تفادي وصف الطفل بالمعتدي أو المتنمر أو أي نعت مؤذ أمام زملائه، لأن ذلك يمكن أن يأتي بنتائج عكسية وخيمة، كما يجب على الآباء والأمهات عدم اختلاق الأعذار للطفل والتبرير لأفعاله وبخاصة أمام المعلمين والزملاء. من جهة أخرى، ينبغي التحكم فيما يشاهده الطفل في التلفاز، وتذكير الأطفال بوجوب احترام مشاعر الآخرين، وإقناعهم أن مشاعر الآخرين وكرامتهم ليست موضوعاً للتسلية، وشرح شعور الآخرين إذا ما كانوا ضحايا لمثل هذه التصرفات. وبشكل عام، ينبغي على الوالدين التعامل مع موضوع التنمر وما يتعلق به بجدية لأن الأطفال الذين يتنمرون على الآخرين عادة ما يواجهون مشاكل خطيرة في حياتهم المستقبلية، وقد يواجهون اتهامات جنائية، وقد تستمر المشاكل في علاقاتهم مع الآخرين. أما في حالة كان الابن ضحية للتنمر، فيجب على الوالدين إبلاغ الإدارة، والشروع في تعليم الطفل مهارات تأكيد الذات ومساعدته على تقدير ذاته من خلال تقدير مساهماته وإنجازاته، وفي حال كان منعزلاً اجتماعياً بالمدرسة فيجب إشراكه بنشاطات اجتماعية تسمح له بالاندماج مع الآخرين وبناء ثقته بنفسه.
ب- العلاج المدرسي:
إن التعامل الأمثل مع التنمر المدرسي يتم من خلال تطوير برنامج مدرسي واسع بالتعاون بين الإدارة التربوية والطلبة والمعلمين وأولياء الأمور والمجتمع المدني، بحيث يكون هدف هذا البرنامج هو تغيير ثقافة المدرسة، وتأكيد الاحترام المتبادل، والقضاء على التنمر ومنع ظهوره. ومن المفيد جداً في هذه الحالة الانطلاق من برنامج دان ألويس لمكافحة التنمر الذي تم تطويره في الثمانينيات من قبله. ويهدف برنامجه هذا لمكافحة التنمر ومساعدة الأطفال على العيش بشكل أفضل وجعل البيئة المدرسية أكثر ايجابية. وقد استخدم برنامج ألويس في أكثر من اثنتي عشرة دولة على نطاق العالم، وقد أظهرت الدراسات أن حالات التنمر في المدارس التي استخدمت هذا النظام قد تراجعت بنسبة 50% خلال عامين.
والبرنامج من مستويات عدة، ومكونات لمكافحة التنمر، ومجال تطبيقه الرئيسي المدرسة، ولكل الأطراف المعنية بالتنمر دور فعال في تطبيقه. طُبق في العديد من المجتمعات حول العالم في مراحل دراسية مختلفة، وكانت النتائج إيجابية.
يقدم برنامج “ألويس” إطاراً واضحاً للأطراف المعنية كلها، من إداريين ومعلمين وأولياء أمور، وقد نتج عن التزامهم به جميعاً على مدار العام تراجع التنمر وانخفاض حدّته.
ويعود نجاحه في دول عدة متباينة، مثل ألمانيا والنرويج والولايات المتحدة الأمريكية، إلى تحديده لإطار العمل فقط وإفساحه المجال للمنظومة في وضع القواعد والعقوبات؛ ما يعني مشاركة المعلمين والأهل والطلاب أنفسهم في وضعها والانتماء إليها. ويعزز هذا البرنامج دور المعلمين بإخضاعهم لدورات تدريبية في إدارة الحوار وفض النزاعات وكيفية تحويل الاستراحة إلى فسحة إبداعية تفرغ طاقات الطلاب فيما يفيد.
ونتيجة لتطبيق هذا البرنامج تحققت العديد من الفوائد، منها تحفيز النقاش وتبادل الآراء والمعلومات بين المعلمين والإدارة، زيادة التفاهم والمصارحة بين المعلمين وطلابهم، وتطوير برامج فترات الاستراحة.
وانخفضت مشاكل التنمر في الصفوف المطبقة للنظام مقارنة بالصفوف التي لم تطبقه.
أهداف برنامج “ألويس” لمكافحة التنمر:
للبرنامج ثلاثة أهداف رئيسية يقاس بها نجاحه من فشله:
1- القضاء على مشكلة التنمر بين الطلاب داخل وخارج المدرسة.
2- الحد من وقوع مشاكل جديدة بين المتنمر والضحية.
3- تحسين العلاقات بين الأقران في المدرسة.
المبادئ الأساسية لبرنامج “ألويس” لمكافحة التنمر:
العمل على تأسيس بيئة مدرسية ومنزلية تستند على المبادئ الأساسية الآتية:
1- العلاقة بين الكبار والصغار يجب أن تكون إيجابية وحميمة.
2- لابد من رفض أي سلوك غير مقبول حتى إن لم يكن عدوانيّاً.
3- على الكبار أن يكونوا قدوة في ممارسة السلطة على الصغار.
لذلك، يبدأ البرنامج بمبادرة يقودها الكبار لخلق بيئة مدرسية أفضل، تتطور فيها مشاركة الطلاب تدريجياً.
الفئة المستهدفة من برنامج “ألويس” لمكافحة التنمر:
يشمل البرنامج مكافحة أولية يستهدف فيها جميع طلاب المدرسة، ومكافحة ثانوية يستهدف فيها الطلاب المعرضين للخطر كمتنمرين أو متنمر عليهم.
والبرنامج موجه للفرد والبيئة معاً، ويعمل على وضع التدخلات المناسبة لبعض الطلاب ممن يملكون القابلية للدخول في سلوكيات التنمر.
وقد صمم البرنامج في الأصل للطلبة ما بين الصف الأول والتاسع، في ثاني أكبر مدينة في النرويج (بيرجين)، ثم طبق في دول أخرى حول العالم، ما يدل على ملائمته لمختلف الثقافات والبيئات المدنية والريفية، ومختلف الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية؛ إذا طُبق على النحو الصحيح.
ويعتبر أهم جزء في برنامج ألويس هو تشجيع شهادة الشهود أو ”الغالبية المهتمة” من الطلبة الذين لم يتعرضوا للتنمر ولم يقوموا بالتنمر على أحد، ويتم تطبيق هذا البرنامج على مدى سنوات عدة، تتخللها وقفات لتقويم النتائج ولقياس مدى فعاليته في التقليل من انتشار ظاهرة التنمر والتخفيف من حدة آثارها.
وليكون البرنامج العلاجي فعالاً، لابد أن يشمل الأمور التالية:
- توعية المعلمين والأهالي والطلبة بماهية سلوك التنمر وخطورته.
- إشراك المجتمع المدني والشركاء المؤسساتيين للمدرسة في محاربة الظاهرة.
- إدراج التربية على المواطنة والسلوك المدني في المناهج الدراسية.
- تشديد المراقبة واليقظة التربوية للرصد المبكر لحالات التنمر.
- وضع برامج علاجية للمتنمرين بالشراكة مع المختصين في علم النفس.
- وضع ميثاق للفصل يوضح حقوق جميع الأطراف وواجباتهم على شكل التزام يشارك الجميع في صياغته والتوقيع عليه.
- تنظيم أنشطة موازية تهتم بتنمية الثقة بالنفس وتأكيد واحترام الذات.
- تشجيع الضحايا على التواصل مع المختصين في حالة تعرضهم لسلوكيات التنمر.
- إثارة النقاشات في الفصل واستغلال اللعب البيداغوجي من خلال لعب دور الضحية للإحساس بشعورها في موقف التنمر.