قصيدتان للشاعر غسّان الجباعي
الريح خلف النافذة
حطي يا ريح على راحتي، كي ألمس ريشك
حطي يا ريح..
قالوا إنك تسبقين شعرك عندما تركضين
تتجولين في السهول عارية
تقطعين رؤوس الورود بلا رحمة
وعندما تتعبين
يحملك الجبل على كتفيه
كما نحمل نحن الجريح..
حطي يا ريح على راحتي
حطي يا ريح..
***
النار تدّعي أنك دخان
والتربة تتهمك بغبارها
والأشجار تطالبك بأوراقها
وأكاد أسأل حقاً:
لماذا تسرقين الثياب عن حبل الغسيل!؟
لماذا تشاكسين الصبايا
وتفضحين ما خبأنه من أسرار
تحت الفساتين!؟
تنوحين فيضحك لك الجمر
تركضين فيركض معك الرماد
تغزلك الطواحين دون أن تراك
وتنتظرك الأشرعة الخاوية
كي تملأ بطونها
***
سمعتك الليلة تئنين خلف النافذة
فرقّ لكِ قلبي، وقلتُ:
ربما كانت جريحة
ربما كانت مليحة
وربما كانت مشردة
لم تجد بيتا تنام فيه..
إياكِ أن تكوني ساحرة
كما يزعمون..
***
الحق عليك
تلفحين وجوهنا دون إذن وتثيرين الغبار
تعبثين في الساحات بالبراميل والخيام
تصفعين الأبواب في وجوهنا
تدخلين من النوافذ مسرعة وتخرجين دون إذن
وفوق ذلك تلعبين بالتراب..
فماذا تريدين!!
هل أنت ساحرة حقا!!؟
لا أستطيع فتح النافذة، ولكن لو تعلمين
كم أتمنى أن تأتي خلسة إلى فراشي
وتنامي معي تحت سماء واحدة
لو تعلمين كم أتمنى:
أن تلفحي وجهي بزفيرك
أن ألمسك جسدك وأشم رائحة غبارك
أن أعانق ثيابك الممزقة
وأفرد شعرك فوق وسادتي
التي تكاد أن تختنق
داخل زنزانتي…
الكفن يليق بك يا صديقي
تلك القطعة القماشية العمياء
التي حولتك إلى زورق نحيل أبيض
مكلل بالورد والريحان
يرقص فوق السواعد المرفوعة
ليأخذك في رحلة إلى الأزل
لكن لا أحد غيرك يستطيع أن يعود من هناك
حاملا روحا جديدة على عاتقه..
إنه قميصك الأخير يا صاحبي
رقيق بعض الشيء
لكنه مثل جدران الزنازين
يفصل بين الموت والحياة
ليّن هو، ومطواع جداً
كما لو أنه صمم خصيصاً
ليكون قالباً لك
إنه يحضنك بين كمّيه
كما لم يحضنك أحد من قبل
لكنه هش كالندى المتجمد
فوق العشب
رعشة بسيطة منك تكفي لتمزيقه
إنه يكتّف جسدك بيديه الرخوتين مثل يديك
ويدير ظهره لروحك كما تفعل أنت
لكنه لا يعترف بها
تلك الروح التي لا تعرف الكفن
ولا تموت…