fbpx

التنمر (1-2)

0 117

لمحة عن ظهور مصطلح التنمر

ظهر مصطلح التنمر في عام 1978 عندما استيقظ المجتمع النرويجي على خبر انتحار تلاميذ من المرحلة الدراسية المتوسطة بسبب تعرضهم للتنمر.

وبعد الفاجعة المأساوية، عقد مؤتمر “ستافنجر” تحت عنوان “سلوك التنمر في البيئات المدرسية”، وإثر هذا المؤتمر، تنبه الكثير من الدول لوجود مثل هذا السلوك المنتشر في المدارس، حيث تبين أن التنمر يؤدي إلى مشاكل نفسية وعاطفية وسلوكية على المدى الطويل، كالاكتئاب، والشعور بالوحدة، والانطوائية والقلق. وقد يلجأ الفرد للسلوك العدواني نتيجة تعرضه للتنمر، إذ يتحول هو نفسه مع الوقت إلى متنمر، أو إلى إنسان عنيف. كما يزداد انسحاب الفرد من الأنشطة الاجتماعية في العائلة أو المدرسة، حتى يصبح إنسانا صامتا ومنعزلا.

وقد انصب اهتمام الباحثين على مجتمعات الناشئين وبدأت الدراسات تبحث عن الأسباب والدوافع واقتراح الحلول لهذه المشكلة.

تعريف التنمر ومعناه:

تُشتق كلمة التنمّر لغوياً من اللفظ نَمِرَ بمعنى غضِب وساء خُلقه وأصبح يُشبه النمر الغاضب.

 التنمّر هو ظاهرة عدوانيّة وغير مرغوب بها، وتنطوي على مُمارسة العنف والسلوك العدواني من قبل فردٍ أو مجموعة أفراد نحو غيرهم، وتنتشر هذه الظاهرة بشكلٍ أكبر بين طلّاب المدارس، والأحياء الشعبية المهمشة، وبتقييم وضع هذه الظاهرة يتبيّن أن سلوكيّاتها تتّصف بالتّكرار، بمعنى أنها قد تحدث أكثر من مرة، كما أنها تعبّر عن وجود اختلال في ميزان القوة والسّلطة بين الأشخاص؛ حيث إن الأفراد الذين يمارسون التنمّر يلجؤون إلى استخدام القوّة البدنيّة للوصول إلى مبتغاهم من الأفراد الآخرين، وفي كلتا الحالتين، سواءً أكان الفرد من المتنمرين أو من المتعرضين للتنمّر، فإنه معرّض لمشاكل نفسيّة خطيرة ودائمة.

إذاً، التنمّر هو نمط سلوكيّ متكرّر، وليس حادثاً منفرداً. وعادة ما ينطلق الأطفال الذين يمارسون التنمّر من تصورهم بأنهم في وضع اجتماعي أرفع أو في موقع قوة، كالأطفال الأكبر حجماً، أو الأكثر قوة بدنيّاً، أو ممن يسود تصور عنهم بأنهم يتمتعون بالشعبية بين أقرانهم.

ملاحظة: إن كنت تظن أن التنمر يحدث فقط للأطفال الصغار، فأنت مخطئ في ذلك. حيث إن الصفات التي يمتلكها كل من الشخص المتنمر والضحية تساعد في انتشارانواع التنمر المختلفة بين جميع الفئات العمرية.

ويكون الصِّبية عادةً أكثر عرضة للتنمر البدني، في حين تكون البناتُ أكثر عرضة للتنمر النفسي.

ويواجه الأطفال الأشد ضعفاً خطراً أكبر بالتعرض للتنمر. وغالباً ما يكونون من أحياءٍ مهمشة، أو من عائلات فقيرة، أو ذوي هوية جنسانية مختلفة، أو من ذوي الإعاقات أو مهاجرين أو لاجئين.

ولمعرفة المزيد عن التنمر بدقة يجب معرفة الفرق بين العنف (العدوان) والتنمر.

فالتنمر سلوك يركز على التسبب بالألم النفسي والمضايقات وقد يحتوي على العنف الجسدي بقصد إيقاع الألم النفسي. أي سلوك قصدي هدفه الأذى النفسي.

العدوان أو العنف قد ينشأ بشكل مفاجئ من الشخص المعتدي نتيجة انفعال وعدم السيطرة على السلوك، ويترك في المعتدى عليه آثاراً جسدية أو نفسية أو كليهما معاً.

بينما يكون التنمر عادة فعلاً قصدياً ومخططاً مسبقاً، والميل للعنف والعدوان من أبرز صفات الشخص المتنمر.

قد يندم الشخص المتسبب بالعدوان والعنف غالباً بعد سلوكه العنيف، أما المتنمر فإنه يشعر بالراحة والسرور بعد ما يسببه للآخرين بسلوك التنمر.

إن سلوك العنف والعدوان قد لا يكون متكرراً، أما سلوك التنمر فيكون متكرراً وبفترات متقاربة،

قد يكون العنف والعدوان من قبل المعتدي طريقة لفض النزاع وحل المشكلات، أو حتى الانتقام، أما التنمر، فلا يقصد به حل المشكلات ولا فض النزاعات، إنما يقصد به الإذلال وإلحاق الأذى النفسي ودفع الشخص المتنمَر عليه للشعور بالقلة والنقص.

وإذا كان العنف والعدوان يحمل هذه المقاصد فإنه يتحول حينها إلى تنمر.

يتسم سلوك المتنمر بتكرار استخدام السلوكيات السلبية مع شخص واحد أو مع أشخاص عدة.

لسلوكيّات المتنمر أنواع وأشكال متعددة أهمها:

– الإساءة اللّفظيّة أو الخطيّة: مثل استخدام أسماء أو ألقاب الأفراد كنكات، أو عرض ملصقات مسيئة للآخرين.

– التهديد بالعنف أو التّحرش الجنسي، وهذا ما يعد سلوكاً غير مرحب به ومزعجا جداً، ويُسبب الخوف والإهانة للضحيّة، وقد ينتج عنه جريمة ما.

– التمييز العنصري: الذي ينطوي على معاملة الناس بشكل مختلف حسب هويّتهم.

– التسلّط الإلكتروني: وذلك باستخدام الإنترنت أو الهاتف للتهديد أو الإجبار أو الابتزاز.

أنواع التنمر:

– بدني: مثل الضرب، أو اللكم، أو الركل، أو سرقة الأغراض وإتلافها.

– لفظي: مثل الشتائم، والتحقير، والسخرية، وإطلاق الألقاب، والتهديد.

– اجتماعي: مثل: تجاهل وإهمال بطريقة متعمدة، أو استبعاد، أو نشر شائعات تخص الشخص المتنمَر عليه

– نفسي: مثل: النظرات السيئة، والتربص، التلاعب بمشاعر الاخرين.

– ويمكن أن يحدث التنمّر بصفة شخصية أو عبر شبكة الإنترنت. وغالباً ما يحدث التنمّر عبر الإنترنت من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، أو الرسائل النصية أو الفورية، أو البريد الإلكتروني، أو أي منصة أخرى للتفاعل.

عوامل وأسباب لظهور سلوك التنمر وخصوصاَ عند الاطفال واليافعين.

– النمو في أسرة مفككة أو عند والدين منفصلين وعدم أخذ التقبل والحب الكافي من الوالدين. ويمكن ان نقول الفراغ العاطفي او عدم الإشباع العاطفي.

– التعرض للعنف الجسدي أو النفسي من الوالدين. ويمكن أن يكتسب الطفل التنمر من أحد والديه، وهذا موجود في كثير من الأسر.

– التربية المتساهلة والتي تحيط الطفل بالدلال وتلبية رغباته جزافا، وتزرع فيه نزعة التعالي وتفضيله على الغير.

– الانضباط المفرط المترافق مع التشدد والقسوة وعدم السماح للطفل في التعبير عن نفسه، وتعريضه المستمر للإحباط والانكسار أمام رغبة الوالدين.

– تعرض الطفل لمواقف جلبت له العار والفضيحة فيلجأ إلى سلوك التنمر كإلهاء للآخرين عن فضيحته، وليشعرهم بعدم التأثر واللامبالاة. أو تعويض عن الشعور بالنقص وشكل من اشكال اللاشعوري للدفاع عن الذات.

– وجود جروح وصدمات من مرحلة الطفولة كأن يكون هو نفسه ضحية تنمر وعنف وعدوان أو ضحية تحرش واعتداء جنسي.

– قد يكون سلوك التنمر رد فعل لموقف تعرض له الشخص المتنمر وشعر أثناءه بالضعف والإذلال وعدم القدرة على التصرف أو الدفاع عن نفسه.

– الشعور بالفشل بأنواعه؛ الدراسي والأسري والعاطفي وملازمة هذا الشعور له بحيث يجد سلوك التنمر مصدرا يستمد منه القوة.

وليس بالضرورة أن تجتمع كل سمات التنمر في شخص واحد.

أهم هذه السمات:

– العدوانية: الميل إلى استخدام العنف اللفظي أو الجسدي كوسيلة للسيطرة على الآخرين.

– الاستغلال: استغلال القوة أو النفوذ لتحقيق أهدافهم على حساب الضحايا.

– عدم القدرة على فهم عواطف ومشاعر الاخرين وعدم القدرة على التعاطف ومشاركة الآخرين بمشاعرهم.

– الاستهتار بالحقوق الأخرى: عدم احترام حقوق الآخرين واحتياجاتهم.

– الرغبة في إيذاء الآخرين، حيث يكون هدف الشخص المتنمر هو جعل الضحية تشعر بالأذى النفسي والجسدي.

– التخويف والتهديد: يتبع المتنمر دائماً سلوك التخويف والتهديد حيث يكون التهديد لفظيا أو إيحائيا.

– إلقاء اللوم على الضحية ودفعها للشعور بالذنب والخيبة وعدم الثقة بالنفس.

– التمرد وإظهار عدم احترامه للسلطة والقوانين، بل قد يتقصد المتنمر مخالفة القوانين.

– الشعور الداخلي بالإحباط والفشل والانكسار وقلة الحيلة.

– وجود مشاعر الخوف من المستقبل.

– لا يثق بالآخرين ويصعب عليه إقامة علاقات اجتماعية أو عاطفية طويلة الأمد.

– شعور بالنقص إما بالشكل أو بالوضع العائلي أو بالحالة المادية.

– الشعور بعدم الأمان وعدم الاستقرار.

-النظر للعنف بطريقة إيجابية والتشجيع على العنف والقسوة.

– الرغبة بالسيطرة والتسلط وهي تختلف عن النزعة القيادية والقدرة على المبادرة.

– تكرار الأعمال الضارة مع معرفته بآثارها السلبية على الضحية.

– استهداف الأشخاص الضعفاء والذين من بيئة مختلفة او وضع مادي متدن.

الأسرة والتنمر

التنمر يبدأ بالأسرة، فالأسرة عامل من عوامل التنمر، وايضا يمارس المتنمر سلوكه التنمري بالأسرة وعلى أفراد أسرته بشكل عام.

ثم المدرسة حيث المدرسة عامل وسبب للتنمر. ثم الدائرة الاجتماعية الأوسع، أي المجتمع ومؤسساته بشكل عام بما فيها الدوائر الرسمية ومكان العمل.

والأسرة هي المناخ الأول لسلوك التنمر، لذلك يترتب عليها مهمات وواجبات كي تضمن سلامة الاطفال ونموهم نموا صحيا سليما بعيدا عن التنمر، وتترتب عليها مجموعة خطوات ومبادئ تربوية أساسية هامة. اي المطلوب من الأسرة، وخصوصاً الامهات والآباء والمعلمات والمعلمين وكل من يعمل بمجال التربية والتعليم منطلقين من الخطوة الأولى في سبيل المحافظة على سلامة الأطفال، سواءً على الصعيد الشخصي أم عبر الإنترنت، هي التأكد من أن الطفل مُدركٌ لهذه القضية. كي يكون عملنا منتجا ومفيدا ويحقق المطلوب.

تزويد الطفل بالمعرفة المتعلقة بالتنمّر. فعندما يعرف الطفل ما هو التنمّر، سيصبح قادراً على تمييزه بسهولة أكبر، سواء أكان يحدث له أم لشخص آخر ونشجعه على تجنبه ورفضه.

من المفيد ان نتحدَّث مع أطفالنا بصراحة وبود وبانفتاح وباستمرار. فكلما تحدثنا مع اطفالنا أكثر بشأن التنمّر، كلما اطمأن الطفل أكثر لإخبارنا فيما إذا شهِد تنمراً أو تعرض له. من باب الاهتمام يجب أن نسأل أطفالنا يومياً عن أوقاتهم في المدرسة وأنشطتهم على شبكة الإنترنت، ونستفسر منهم ونسألهم لا عن دروسهم وأنشطتهم فقط، وإنما عن مشاعرهم أيضاً.

أن نساعِد اطفالنا كي يكونوا قدوةً إيجابية. لأن هناك دائماً ثلاثة أطراف منخرطةٍ في التنمّر؛

الضحية أو الشخص المتنَمر عليه.

مرتكب السلوك التنمري أي المتنمّر.

المتفرجون، أي الاشخاص الحياديون.

لذلك لو لم يكن أطفالك ضحايا للتنمر، فبوسعهم منعه من خلال تقبّل الجميع واحترامهم والتصرف إزاءهم بلطف. وإذا شهِدوا تنمرا، فبوسعهم الدفاع عن الضحية وتقديم الدعم له أو على الأقل رفض السلوك التنمّري.

نعمل على بناء شعور الثقة بالنفس عند أطفالنا من خلال وضع الطفل في تجارب الحياة كأن نشجّعه على التسجيل في دروس جماعية، أو الانضمام إلى أنشطة يحبها، وكل ما يساعده على بناء ثقته بنفسه وعلى التعرف على مجموعة من الأصدقاء الذين يشاطرونه اهتماماته.

أن نكون قدوةً لهم سلوكاً ومعرفة وأخلاقاً وقيماً ومنطقاً. نوضح للطفل كيفية التعامل مع الأطفال والبالغين الآخرين بلطف واحترام من خلال قيامنا بالشيء نفسه إزاء الأشخاص المحيطين بنا، بما في ذلك الدفاع عن الآخرين فيما إذا تعرضوا لسوء معاملة. إذ يتطلّع الأطفال إلى والديهم كقدوة على كيفية التصرف.

أخي الأب، أختي الأم، أيها المربي الفاضل؛ كُنْ جزءاً من تجربة طفلك على شبكة الإنترنت. تعرّف على المنصات التي يستخدمها طفلك، واشرح لطفلك طبيعة الترابط بين العالم الرقمي والعالم الفعلي، وحذّره من المخاطر المختلفة التي سيواجهها على شبكة الإنترنت.

انظر بتمعّن، راقب الحالة العاطفية لأطفالك، إذ قد يمتنع بعض الأطفال عن التحدث عن شواغلهم.

بعض العلامات التي يجب الانتباه إليها عند الطفل ضحية التنمر:

●      العلامات الجسدية مثل الكدمات أو الخدوش أو الكسور أو الندوب غير واضحة المصدر.

●      الخوف والتردد من التوجه إلى المدرسة أو المشاركة في أنشطة مدرسية، التغيب عن المدرسة، أو عودته من المدرسة إلى البيت اثناء الدوام، يترافق ذلك مع ضعف الأداء المدرسي

●      الشعور بالقلق أو العصبية أو الاحتراس الزائد، أو التردد.

●      أن يكون للطفل عدد قليل من الأصدقاء في المدرسة أو خارجها أو عدم وجود الأصدقاء.

●      ضياع الملابس، أو الأدوات الإلكترونية، أو غير ذلك من المقتنيات الشخصية، أو تعرضها للخراب أو التمزّق مع امتناعه عن قول السبب.

●      طلب المال بصفة متكررة.

●      محاولة البقاء بقرب البالغين.

●      عدم التمكن من النوم جيداً أو المعاناة من الكوابيس.

●      الشكوى من الصداع أو المغص أو غير ذلك من الأعراض البدنية.

●      الشعور بالكرب عادةً بعد قضاء الوقت على شبكة الإنترنت أو الهاتف (دون تفسير معقول).

●      أن يتصرف الطفل على نحو سرّيّ وعلى غير العادة، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالنشاط على شبكة الإنترنت.

●      التصرف بعدوانية أو إظهار نوبات غضب.

يجب أن نتحدث مع أطفالنا باهتمام وثقة واحترام خصوصياتهم حول كل ما يرون أنه سلوك جيد أو سلوك سيء في المدرسة وفي الحيّ وعلى شبكة الإنترنت. من المهم أن يكون هناك تواصلٌ منفتحٌ كي يشعر الطفل بالاطمئنان لإخبارك عمّا يحدث في حياته.

من المحزن جداً أن نشاهد طفلاً يعاني من الألم البدني والعاطفي الناجم عن التنمّر الشخصي أو التنمّر عبر الإنترنت.

يحتارُ بعض الآباء والأمهات فيما يفعلونه للمساعدة في حماية أطفالهم من التنمّر والعنف، في حين لا يعرف آخرون ما إذا كان أطفالهم ضحايا للسلوكيات المؤذية، أو كانوا يشهدونها، أو يقترفونها حتّى.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني