fbpx

مقتل قائد وأركان حزب الله بيد إسرائيل هو بدء حرب واسعة ضد المشروع الإيراني

0 60

كثيرون فرحوا لمقتل الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله وأركان قيادته، هذا الفرح مصدره فكري/نفسي، يرتكز على قاعدة فكرية نفسية تقول إن الله ينتقم من الظالمين.

ولكن مقتل حسن نصر الله وأغلب قيادة حزبه ليست مجرد فعل انتقامي فحسب، قامت به إسرائيل ضد من يطلق من حينٍ إلى آخر صواريخ إيرانية على شمال فلسطين، حيث تقبع فيه مستوطنات إسرائيلية، وإنما هو فعل حربي يريد تغيير قواعد اللعبة السياسية في المنطقة، ويستهدف مشروع الهيمنة الإيرانية، الذي بدأ منذ عام 1979 مع استيلاء الخمينية على السلطة في إيران.

الخميني الذي صاغ مقولة الولي الفقيه، أي القائم بأعمال “الإمام المهدي المنتظر” وهي أعمال لا يجوز لأحد من أتباع المذهب الشيعي الاعتراض عليها وعدم تنفيذها، لم يكتف بهذه المرتبة، بل طرح منذ البداية ما أُطلق عليه تسمية “تصدير الثورة” إلى المحيط الديمغرافي العربي، الذي يرى فيه حديقة خلفية لمشروع الدولة الفارسية العظمى المضمرة.

وجد الخميني بالمكونات الشيعية أرضاً خصبة لحمل مشروعه، لذا عمل منذ البداية على تحويلها إلى أذرع سياسية وعسكرية، تعمل على تنفيذ استراتيجيته في السيطرة على الجغرافية العربية.

وفق هذه الاستراتيجية تمّ تشكيل حزب الله اللبناني، ودعم المجموعات السياسية الشيعية في البحرين والسعودية والعراق أمثال جماعة عمار عبد العزيز محسن الحكيم الذي ورث عن أبيه زعامة “المجلس الأعلى الإسلامي العراقي”، وجماعة مقتدى الصدر، وغيرهم.

حزب الله في لبنان ارتدى منذ بداية تأسيسه لبوس “المقاومة الإسلامية”، وطرح شعارات تحرير الأراضي اللبنانية، التي كانت تحتلها إسرائيل في عدوان 1982، نتيجة حربها على المقاومة الفلسطينية آنذاك، وتحرير فلسطين، مستخدماً هذه الشعارات لتبرير حمله للسلاح، واكتساب الشرعية الشعبية في لبنان وفي البلدان العربية. لكن هذا الحزب عمل منذ البداية على إغفال دوره الحقيقي كأداةٍ عسكرية وسياسية وإيديولوجية خلقتها إيران من أجل تنفيذ استراتيجيتها في المنطقة العربية.

أول نتائج تصدير “الثورة الإيرانية” كانت تأليب شيعة العراق على نظام البعث في بغداد، واتهام هذا النظام بأنه كافر ويجب اجتثاثه، مما جعل هذا النظام يشعر بخطر على الوجود القومي العربي، هذا الخطر دفع إلى نشوب حربٍ بين العراق ونظام الخميني عام 1980.

نتائج ما تمّ تسميته “تصدير الثورة الإيرانية” واضحة هذه الأيام بصورة جليّة، عبّر عنها كثير من المسؤولين الإيرانيين بتبجح علني، حيث صرّحوا مراراً على أن عواصم أربع دول عربية باتت تتبع لإيران، وهذه الدول هي “سورية، العراق، اليمن، لبنان”.

الاستراتيجية الخمينية كانت تهدف منذ البداية إلى منع أي تنمية عربية شاملة، ولمنع تبنّي سياسة تنموية يجب إشغال البلدان العربية بصراعات داخلية أو إقليمية، وهذا يحدث الآن في كل البلدان التي يشملها النفوذ الإيراني.

التمدّد السياسي والعسكري “الميليشياوي” الإيراني في البلدان العربية له هدفان رئيسيان، الهدف الأول إخضاع البلدان العربية للهيمنة الإيرانية، لجعل هذه البلدان في خدمة مشروع الدولة الفارسية العظمى” والهدف الثاني هو مواجهة مشروع إسرائيل التنموي الكبير الذي تحدّث عنه رئيس إسرائيل السابق شمعون بيريس، ونقصد مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد.

مشروع شمعون بيريس يقوم على مبدأ أن إسرائيل التي تمتلك العقل التكنولوجي الكبير تستطيع خلق تنمية في الشرق الأوسط كله من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي، وأن العالم العربي دوره توفير الأموال الناتجة من الثروات الطبيعية كالبترول، وتوفير يد عاملة عربية رخيصة الأجر.

هذان المشروعان هما من يقفا خلف كل هذه الكوارث، التي تصيب المنطقة العربية، سيما وأن مشروعاً للتنمية العربية الشاملة لم تدرجه الدول القادرة على ذلك ضمن خططها الملموسة والواضح، وان إسرائيل وإيران تشتركان في مربع واحد هو منع أي تغيير عميق في البنى الاقتصادية والسياسية والمجتمعية العربية.

إسرائيل تدرك أن يد إيران عملت على دعم أكثر من فصيل سياسي وعسكري فلسطيني مقاوم لها، وغاية ذلك توظيف هذه الفصائل في إشغال إسرائيل واستنزافها عسكرياً واقتصادياً، بهدف إضعاف قدرتها على تنفيذ استراتيجيتها الشرق أوسطية، تحت شعار تحرير فلسطين من النهر إلى البحر.

إن الثورة السورية التي تفجّرت عام 2011 خلقت لدى إيران وإسرائيل قلقاً كبيراً من نجاحها وإزاحة نظام الاستبداد عن كاهل الشعب السوري، مما دفع كليهما إلى منع انتصار هذه الثورة، كلّ طرف حسب حجم مصالحة وطبيعة هذه المصالح والقدرة على إدارتها، سواء كانت مصالح سياسية أم أكثر من ذلك.

إيران التي رعت وغذّت أذرعها الطائفية في المنطقة، دفعت بهذه الأذرع إلى ساحة الحرب ضدّ ثورة الشعب السوري، لإدراكها أن هذه الثورة ستطيح بكل مشروعها في الهيمنة على المنطقة العربية، وهذا ما دفعها إلى استخدام هذه الأذرع الطائفية بصورة مباشرة ومنحازة لصالح نظام الاستبداد الأسدي. وقد لعب ذراعها اللبناني “حزب الله” الدور الأكبر في محاولة سحق الثورة، طارحاً شعار تحرير القدس يمر من حمص ودير الزور وغيرها من مدن سورية الثائرة على نظام الأسد.

إسرائيل كانت تراقب بخوف نمو النفوذ الإيراني في سورية، سيما أن هذا النفوذ يستخدم الإيديولوجية الدينية الشيعية التي تؤمن بولاية الفقيه، أي الإيديولوجية التي تستخدم في تمكين ولاية الفقيه من الهيمنة على سورية، وجعل سورية ساحة صراع إيرانية ضد إسرائيل.

كما أنها “أي إسرائيل” كانت تراقب امتداد النفوذ الإيراني في المنطقة، سواءً في العراق ولبنان واليمن، مدركةً خطر ذلك على مشروعها الاستراتيجي بقيادة “الشرق الأوسط الكبير أو الجديد”، لذلك ومع إحساسها بالحصار الإيراني الجغرافي التدريجي (نفوذها في لبنان وسورية والعراق واليمن ومحاولة اختراق الأردن)، إضافة إلى تنامي قوة فصائل المقاومة الإسلامية الفلسطينية “حركتا الجهاد وحماس” في غزة وباقي مناطق السلطة الفلسطينية، فإنها تبنّت استراتيجية سحق هذا النفوذ وقطع أذرعه تدريجياً، وهذه المهمة مهمة اليمين الإسرائيلي المتطرف، ومهمة نتنياهو الذي يريد أن يكون بطلاً اسرائيلياً، يرغب بالهرب من استحقاق قضايا فساد تنتظره في المحاكم الإسرائيلية.

إننا أمام صراعٍ مفتوح بين مشروعي الهيمنة على المنطقة العربية (الإسرائيلي والإيراني)، وما قتل قيادة حزب الله وزعيم هذا الحزب إلا إشارة على البدء بلعبة تغيير المعادلات السياسية في الشرق الأوسط كله. هذه اللعبة تقودها إسرائيل، وتباركها أنظمة عربية عاجزة حتى اللحظة عن طرح مشروع تنمية عربية شاملة.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني