fbpx

التسوية السياسية الأمريكية الجزئية في سوريا

0 69

في صيرورة الخَيار الامني العسكري الميليشياوي بين ربيع 2011 ونهاية 2019، المرحلة الثالثة والأخيرة هي مرحلة التسوية السياسية، وقد انطلقت صيرورتها بعد توقيع اتفاقيات 5 آذار بين الرئيسين التركي والروسي وإعلان واشنطن الانتصار التاريخي على داعش، وقد واجهت مساراتها في مصالح وسياسات القوى التي تورّطت في حروب المرحلة الثانية من الخَيار العسكري خيارين متناقضين:

1- المسار الأمريكي، الذي يرتكز سياسياً على رؤى واستنتاجات مشروع (RAND) الأمريكي، ويسعى في هدفه الرئيسي إلى الوصول بسلطات الأمر الواقع الى حالة اعتراف متبادل وتهدئة مستدامة، تشرعن وجودها سورياً، وتفتح أبواب التطبيع الإقليمي والدولي بما يمكّن كانتون قسد بمقومات الكيان السياسي المستقل، ويجعل منه قاعدة ارتكاز أمريكية دائمة.

2- المسار التركي والروسي والسعودي، الذي يقوم على آليات مسار جنيف ومخرجات اللجنة الدستورية للوصول إلى تسوية شاملة، تعترف بمصالح الجميع في ضوء وقائع السيطرة الجيوسياسية. تناقض أهداف وإجراءات هذا المسار مع هدف الولايات المتحدة الاستراتيجي تأتي في كونه يتضمن في الإجراءات، ويؤدّي في النتيجة، إلى تفكيك سلطات الأمر الواقع وفي مقدمتها قسد، لصالح سلطة مركزية موحّدة.

تؤكّد جميع التطورات اللاحقة في مرحلة منذ نهاية 2019 حقيقة أنّ ما حصل ويحصل طوال السنوات الثلاث التالية، سواء على صعيد المعارك الكبيرة أو الصغيرة بهدف تثقيل موازين القوى السياسية، وتحسين الشروط التفاوضية، وانتزاع أفضل الحصص ووسائل التأهيل الممكنة، أو على مستوى خطوات وإجراءات تأهيل سلطات الأمر الواقع، وإعادة تأهيل سلطة النظام، أو تعثّر إجراءات تأهيل ميليشات مناطق السيطرة التركية بفعل العامل الأمريكي المسيطر، والمتحكّم في المآلات، الذي يرتبط مباشرة بأهداف وبآليات تنفيذ التسوية السياسية الأمريكية.

في أبرز سمات التسوية السياسية الجارية

1- هي “تسوية سياسية أمريكية”، لأنها تعمل في هدفها المركزي على تأهيل سلطة قسد، وتحويلها إلى إقليم يملك جميع مقوّمات الاستقلال.

2- هي تسوية سياسية أمريكية لأنها تتوافق مع هدف الولايات المتّحدة المركزي تجاه عواقب الصراع على سوريا الذي تفجّر في أعقاب حراك ربيع 2011، الساعي إلى بناء قاعدة ارتكاز وتحكّم أمريكية، تعزز قواعد السيطرة الإقليمية.

3- هي تسوية سياسية أمريكية لأنها تقوم على أرضية رؤى واستنتاجات ومسارات مشروع سياسي أمريكي خاص، وتتعارض مع مقاصد وخطوات وإجراءات مسار جنيف، ومحطّة اللجنة الدستورية، وما تسعى إليه من توافق بين حكومة النظام والمعارضات على إقامة حكومة “تشاركية” وتقاسم للسلطة والنفوذ.

4- إذاً، يبيّن الهدف الرئيسي والقاعدة النظرية للتسوية طابعها الأمريكي، فإن آليات التنفيذ تكشف طبيعتها “الجزئية”!

هي تسوية سياسية جزئية في طبيعة آليات التنفيذ، التي يتطلّب نجاحها تقاطع المصالح بالدرجة الأولى مع سلطة النظام السوري الإيراني، رغم تعارضها مع مصالح تركيا وروسيا (وإسرائيل) والسعودية!!.

فخطوات وإجراءات وأدوات شرعنه وجود سلطة قسد وتأهيلها، وتمكينها استراتيجياً لايمكن أن تحصل في مواجهة مع سلطة النظام السوري، بل ودون توافقات مع سلطة النظام بالدرجة الأولى (وهذا ما أكّده السفير فورد في نصائحه لقيادة قسد)، وهو العامل الذي حدد طبيعة معادلة التأهيل المتزامن للسلطتين:

مقايضة خطوات وإجراءات تأهيل قسد بما يوازيها لإعادة تأهيل سلطة النظام، بما يؤدّي عملياً إلى علاقة طردية بين تقدّم إجراءات التأهيل على المسارين. بمعنى، اشتراط دعم الولايات المتّحدة لإجراءات إعادة تأهيل سلطة النظام بما تقدّمه من تسهيلات ودعم لتقدّم إجراءات تأهيل قسد؛ وهذه الآلية الأمريكية تكشف طبيعة أوراق الضغط التي يقدّمها الكونغرس للإدارة، قانون قيصر وغيره.

وإذا كانت قد تتقاطع آليات تنفيذ التسوية السياسية الأمريكية مع مصلحة سلطة النظام، فقد تعارضت مع مسارات وسياسات وأهداف روسيا وتركيا بالدرجة الأولى، لأنها تؤدّي في السياق والصيرورة إلى تجاهل المصالح الحيوية التركية في تفكيك قسد، ولأنها تؤدّي في السياق والصيرورة إلى تثبيت وشرعنة الوجود الإيراني في مناطق سيطرة سلطتي النظام وقسد، على حساب مصالح أنظمة روسيا وإسرائيل والسعودية.

مما لاشك فيه أن الطابع الجزئي للتسوية الأمريكية يضعها في تناقض مع أهداف وإجراءات مسار جنيف، ويكشف طبيعة التحدّيات التي واجهتها في سياسات ومصالح تركيا وروسيا و”إسرائيل”!.

جميع تلك العوامل تفسّر ما حققته إجراءات التأهيل المتزامن من نجاحات – حوّلت كانتون قسد إلى “إقليم شمال وشرق سوريا” الديمقراطي، وأوصلت سلطة النظام إلى مرحلة “الأمن الاستراتيجي” وما واجهته من عقبات في سياسات الدول المتضررة – تركيا و”إسرائيل” و”روسيا”، كما تفسّر بشكل خاص ما تواجهه سياسات النظام التركي السورية من تحدّيات، يسعى لمواجهتها عبر محاولات الوصول إلى صفقة تسوية شاملة مع النظام السوري، برعاية روسية.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني