حرب بالوكالة في الجنوب السوري.. فما رأي الأهالي وموقفهم من ذلك؟
حرب غير معلنة بالوكالة في الجنوب السوري بين الإيرانيين والروس، أشبه بمواجهة كسر عظم مفتوحة، وكل طرف يسعى سواء جغرافياً أو عسكرياً للسيطرة والانفراد بالموقف في المنطقة، ولكن من الواضح أن الكفة الآن تميل باتجاه الروس لما يملكونه من قوة عسكرية وموقف دولي مناصر لكل تحركاتهم في سوريا وخاصة درعا والقنيطرة.
وقد بدأت روسيا فعلياً باستثمار هذا الرضا والرغبة الدولية والإقليمية بضرورة التخلص من الوجود الإيراني في الجنوب السوري، ولعل السبب الرئيس في هذا يدور في فلك الأمن القومي الإسرائيلي، لذلك تسعى روسيا لضمان استقرار المنطقة، خاصة بعد أن طالبتها أمريكا وإسرائيل بجمح توسّع النفوذ الإيراني وخاصة على الشريط الحدودي مع الجولان السوري المحتل.
وهو ما جعل إيران تشعر بأنها أصبحت مستهدفة من كل هذه القوى، فأصبحت تحاول فرض وجودها والتعريف بأنها مازالت لاعباً أساسياً في القضية السورية، وهنا بدأت بإرسال رسائل لروسيا ولغيرها من الدول التي رسمت حدودها داخل الجغرافيا السورية، باتباع سياسة الاغتيالات للموالين لروسيا والرافضين للوجود الإيراني في المنطقة، بينهم قياديين سابقين في الجيش الحر انضموا للقوات الروسية لاحقاً كان آخرها حادثة تفجير حافلة للفيلق الخامس التابع لروسيا، وكل هذه الرسائل من دم السوريين.
ولكن من الملاحظ أن هذا الوضع من عدم الاستقرار يخدم الروس أيضا فهم ليس لديهم إشكالية فيما تفعله إيران، لأنهم سيحصلون بذلك على أوراق قوة جديدة وحصص كبيرة تمكنهم من طرحها في أي تسوية سياسية مستقبلية لسوريا وأهمها التفاوض مع إسرائيل وملف إعادة الإعمار، إضافة لتجاوز أي عقوبات يمكن أن تطبق عليهم في المحافل والهيئات الدولية لاحقاً منها الحصول على استثناءات بما يخص العقوبات التي ستطال الداعمين لنظام الأسد ضمن قانون قيصر.
أما بالنسبة للنظام فهو لا يمتلك قرار تحريك عنصر واحد من قواته ولمسافة متر واحد ليس في الجنوب السوري فحسب بل على كامل مساحة سوريا بسبب هيمنة روسيا وإيران على مفاصل الدولة بما فيها الجيش والأمن، وتبعية هؤلاء وانقسامهم ما بين روسيا وإيران.
وهنا لا نريد أن نذكر اسم القوات العسكرية التابعة سواء لروسيا أو إيران لأنها تحتاج إلى ملف كبير وكامل، ولكن يسعى فرع الأمن العسكري في درعا وبالتنسيق مع المليشيات الإيرانية للعمل على تنفيذ عمليات اغتيال لبعض الناشطين والقياديين السابقين وعناصر من الجيش الحر أغلبهم قام بعملية التسوية التي ابتدعها النظام ليمارس من خلفها كل هذه العمليات التي نشاهدها يوميا في الجنوب ومن خلال بعض العملاء والمرتزقة التابعين لهم.
كيف ينظر أهالي درعا للتطورات في منطقتهم من ناحية سلوك النظام والروس والإيرانيين؟
أهالي درعا وخاصة شريحة الشباب أدركوا خفايا هذه اللعبة وما يحصل في الجنوب وبأنهم هم من يدفع الثمن في كل هذه الصراعات، لذلك اتخذوا قرار المواجهة السلمية من خلال المظاهرات، وتنامي شعور الغضب الذي أصبح يتملّك كل واحد منهم وليس سراً إذا قلنا في حال حدثت أي مواجهة بين النظام وأهل درعا سيدفع النظام ثمناً كبيراً فيها وفي أي منطقة كانت، والملاحظ أن عودة روح الثورة والتلاحم بين القرى والبلدات تنامت بشكل قوي وكبير (الفزعات) ولذلك النظام الآن يعيد حسابات كبيرة جداً عند اتخاذ أي قرار عسكري.
ولعل الدليل على إحجام النظام في الفترة الأخيرة هو إلغاء عدة عمليات عسكرية كان يخطط لها لاقتحام مناطق درعا التي لا تزال حتى اليوم وبعد عامين من سيطرته على المحافظة خارجة عن إرادته وغير قادر على ضبطها، وهو بالأصل لا يمتلك قرار القيام بأي عمل.
وأثبت الجنوب السوري اليوم أنه بيضة القبان والرقم الصعب والمعادلة المستحيل حلّها ومن الجنوب ابتدأت ومن الجنوب ستنتهي هذه ليست عواطف إنما هو واقع ولا أحد يستطيع تجاهله بناء على ما سبق من أحداث سواء ميدانية أو ثورية، وأصبح اليوم أفضل بكثير من ذي قبل.
ويرى عامر الحوراني عضو تجمع أحرار حوران أن النظرة المطلقة بالنسبة لمعظم أهالي محافظة درعا حول سلوك النظام وروسيا وإيران في المنطقة، هي أن هذه الجهات الثلاثة (ومن خلفها ميليشيات حزب الله وأخرى أجنبية جلبها النظام لسوريا للمساعدة في قتل الشعب وتهجيره) هي متاجرة بالشعب السوري وعدوّة لمطالبه وحقوقه.
وأضاف “الحوراني”: بعد سيطرة النظام على محافظة درعا فإن الأهالي أصبحوا أقرب للجانب الروسي، نظراً للدور الذي يقوم به في المنطقة، كالضغط على النظام والإفراج عن معتقلين ومحاسبة من يقوم بالتعدي على المدنيين إذا اشتكى المدنيون للشرطة العسكرية الروسية وقد تم توثيق ذلك أكثر من مرة.
وبحسب “الحوراني” فإن هذا لا يلغي نظرة أهالي درعا لحليف النظام الروسي ولكن في ذات الوقت حالياً لا يوجد سبيل غيره لتحصيل أقل الحقوق مع محاولته التقرب من الناس، أما بالنسبة للنظام والإيرانيين فهم كانوا وما زالوا ميليشيات حاقدة وهمّها فقط قتل وتدمير الشعب وتنفيذ المشاريع الطائفية الحاقدة على سكان المحافظة، وفق قوله.
وهنا لابدّ أن نذكر بأن أبناء حوران منقسمين لـثلاثة أقسام، القسم الأول التحق بالفرقة الرابعة ومخابرات النظام وميليشياته وهؤلاء أصبحوا أذرع وجواسيس داخل مناطقهم وضد أبناء جلدتهم، والقسم الثاني التحق بالفيلق الخامس باعتباره أهون الشرور وذلك بهدف حماية نفسه من الملاحقات الأمنية والسوق للخدمة العسكرية والقتال في الشمال السوري ضد المعارضة، أما القسم الثالث فهو الذي رفض التسوية والانضمام للفيلق الخامس والفرقة الرابعة، وهذا القسم ملاحق من الجميع ومعرض للاعتقال والاغتيال وخاصة من الفرقة الرابعة كونها المسؤولة عن ملف الاغتيالات والخطف في الجنوب السوري لصالح إيران وحزب الله، ويبدو أن أهالي حوران بحاجة للتخلص من الخطر الإيراني بأي شكل، وذلك بسبب نشر التشيع والاغتيال والاعتقال وغيرها، ليتفرغوا لاحقاً لإكمال ثورتهم التي بدأوها.
الصّحفية لجين مليحان قالت لموقع نينار برس، إن النظام لا يملك من أمره شيئاً، فأذرع إيران هي التي تسيطر على الجنوب وتديره عن طريق أفرع النظام الأمنية والفرقة الرابعة، ولا يزال سلوك النظام قذر وحاقد على الأهالي، وهو لا يوفر أي فرصة لإلحاق الأذى بهم، فمن جهة إيران، فهي مستمرة بالتغلغل والتوسع وتحقيق مطامعها بالمنطقة من تعزيز قوتها العسكرية من خلال قوات وقواعد عسكرية ونشرها التشيع، كما أنها تعتبر الجنوب طريقها لتصدير المخدرات وأمور أخرى، بينما روسيا مطامعها في كل سوريا هو أن تجعلها مقاطعة تابعة لها وليس فقط الجنوب، لكنها تظهر نفسها على أنها الحمل الوديع في درعا بسبب الصراع على النفوذ مع إيران.
ويبدو أن رأي العقيد أبو كفاح الحريري القيادي السابق في الجيش الحر مختلف قليلاً، فهو يرى أن الأهالي في درعا ممتعضين لأن الضامن الروسي لم يفي بوعوده التي قطعها إبان اتفاق المصالحة الموقع عقب سيطرة النظام على درعا تموز 2018 (إطلاق سراح المعتقلين وعدم ملاحقة المنشقين والمطلوبين وعناصر الجيش الحر سابقاً و..)، مشيراً إلى أن الرّوس كاذبين وهم من يثبّت النظام بالحكم، وأن ما نشاهده على الأرض هو احتلال إيراني بتعاون روسي لإنهاء الثورة بحوران، ولهذا السبب عاد الحراك الشعبي للمطالبة بخروج المحتل الإيراني.
كلام الحريري توافق مع كلام أبو محمود الحوراني الناطق باسم تجمع أحرار حوران والذي قال: إن المظاهرات التي خرجت في الآونة الأخيرة أظهرت غضب الشارع في درعا من (النظام وإيران وروسيا) وندد فيها الأهالي بسياسة الأجهزة الأمنية التابعة لنظام الأسد والميليشيات الإيرانية إضافة لسلوك الروس وتململهم تجاه قضية المعتقلين ووعودهم الكاذبة حول ذلك، مضيفاً أن الأهالي مستمرون في تنظيم المظاهرات والوقفات الاحتجاجية وهي في تزايد مستمر حتى تنفيذ المطالب وإخراج المليشيات من درعا.
هذا ولم يهدأ الحراك ضد النظام في درعا بشقيه السلمي والعسكري، منذ سيطرته على المحافظة تموز 2018، إلا أنه خلال الفترة الأخيرة لوحظ توسع الحراك على أكثر من جبهة وفي أكثر من وجهة، ففي حين خرجت مظاهرات في عدة مناطق بدرعا أعادت للمحافظة سيرتها الأولى، هاجم عناصر المصالحات في الفيلق الخامس عدة حواجز عسكرية للنظام وسيطروا عليها، وقام شبان بتمزيق صور رئيس النظام بشار الأسد، وأظهر فيديو مجموعة شبان على دراجات نارية يهتفون ضد النظام ويطالبون بإسقاط حكومة الأسد من قلب أحد الحواجز الأمنية.
الاشتباكات توسعت لتطال القنيطرة، حيث اندلعت اشتباكات بالرشاشات بين عناصر الفيلق الخامس وميليشيا حزب الله اللبناني دون أن تخلف جرحى، فيما يبدو وفق وجهة نظر بعض الأهالي بأن روسيا هي من تقف خلفها وهي من أوعزت للفيلق الخامس بتوحيد صفوفه وإنهاء دور إيران في الجنوب السوري.
واعتبر ناشطون أن الحوادث المتتابعة في درعا ليست بأوامر روسية كما يعتقد بعضهم بل هي بسبب أحداث آنية، كما حدث في هجوم الفيلق الخامس على حواجز النظام في المنطقة الشرقية وسيطر عليها وجاء ذلك بسبب استهداف عناصر من الفيلق ومقتل 9 منهم، في حين جاء الهجوم على حاجز محجة بسبب ضرب عناصر الحاجز لرئيس المجلس المحلي السابق للبلدة ما أثار غضب عناصر الفيلق الخامس من أبناء البلدة ودفعهم للهجوم على الحاجز والاشتباك معه.
ولكن بعد سيطرة النظام على الجنوب السوري تموز 2018، أصبح الأهالي يرون أن اللاعب الروسي أهون الشرور لديهم، فهو أحد الضامنين والدّافعين لاتفاق التسوية وفي ذات الوقت يسعى دوماً لاستقرار المنطقة وضمان أمنها سيما لما تتمتع به من موقع جيو سياسي محاذ للحدود مع الجولان السوري المحتل، ولعل هذا أبرز سبب يدفع روسيا لتهدئة الأوضاع والوقوف في أحيان كثيرة مع الأهالي ومحاولة تنفيذ مطالبهم ودعمهم.
وقد لعبت روسيا دوراً بارزاً تمثل بالضغط على النظام للإفراج عن معتقلين ومحاسبة من يقوم بالتعدي على المدنيين (إذا اشتكى المدنيون للشرطة العسكرية الروسية) وقد تم توثيق ذلك أكثر من مرة، وهذه لا يعني بالمجمل أن أهالي درعا “منبطحين” أمام الروس ويتمنون بقاءهم ووصايتهم عليهم و يمتثلون لأوامرهم، بيد أن الجانب الروسي هو الوحيد حالياً القادر على تغيير المعادلة والوقوف مع الأهالي ضد النظام وإيران.
وفي الحقيقة فإن الثورة في درعا لم تسكن ولم تنطفئ نارها وما يحدث فيها من حراك سلمي وعسكري ناتج عن إرادة الشعب وتوقه للحرية، في ظل عدم تطبيق النظام لاتفاق التسوية واستمرار عمليات الاعتقال والخطف والاغتيال ما يشكل انفلاتاً أمنياً واضحاً وكبيراً في المحافظة إلى جانب انتشار البطالة وغلاء المعيشة والانتهاكات المستمرة على الحواجز الأمنية ضد الأهالي.
إلا أنه وفي الآونة الأخيرة تداول ناشطون من درعا خبراً عن تعيين روسيا المدعو جامل البلعاس “أبوصخر” مندوباً لها في الجنوب السوري ومسؤولاً عن ملف العلاقات الروسية في السويداء، والمعروف عن “البلعاس” تورطه بقضايا تهريب للمخدرات ودعم عناصر لتنظيم الدولة في الجنوب السوري، كما يعرف عنه أنه يعمل مع فرع الأمن العسكري بالسويداء، وله علاقات وثيقة مع حزب الله اللبناني وإيران، ولديه مجموعات تقوم بنقل وتهريب المخدرات مع الحزب إلى الأردن عبر الجنوب السوري، وهذا يناقض ما تدعيه روسيا عن رغبتها بإخراج إيران من الجنوب السوري ويؤكد أنها تتحالف معها بشكل يضر بمصلحة الأهالي.
يذكر أن جامل البلعاس ينحدر من منطقة المزرعة بريف السويداء ويسكن حالياً بمنطقة “سكاكا” وتربطه علاقة مصاهرة مع رجل إيران في الجنوب السوري “العميد وفيق ناصر”، كما أن له شقيقان يعملان مع الحزب وهما جلال المختص بعمليات تهريب المخدرات، وجراح اختصاص عمليات اغتيال.
مصدر يعمل مع القوات الروسية نفى لنينار برس، الشائعات المتداولة عن تعيين مندوب لروسيا في المنطقة الجنوبية، مؤكداً أن البلعاس ليس له صفة رسمية مع القوات الروسيّة، وإنما يعمل كمنسق للعلاقات بين بعض عشائر البدو في السويداء، ومركز المصالحة الروسية، فيما لم يعلق على الاتهامات التي تطال جامل البلعاس، من إشرافه على عمليات تهريب مخدرات، وعلاقات مشبوهة تربطه مع مليشيات طائفية وأجهزة استخباراتية في الجنوب.
وأشار المصدر إلى أن مركز المصالحة الروسية في المنطقة الجنوبية، يترأسه الادميرال “تشيربيسكي ألكسندر فاديمفتش”، وهذا المركز هو المسؤول عن التنسيق بين روسيا والسلطات السورية، والمكونات الشعبية في محافظات السويداء ودرعا والقنيطرة.
الجدير بالذكر أن إسرائيل وجهت خطاباً على لسان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للأسد في 30 حزيران 2020 وقال فيه نتنياهو: “أقول لبشار الأسد، أنت تخاطر بنظامك إذا سمحت لإيران بتثبيت وجودها في سوريا وعلى الحدود مع إسرائيل”، الأمر لم يقف عند هذا الحد فقد وجه نتنياهو خلال خطابه في مؤتمر صحفي مع المبعوث الأميركي لإيران “براين هوك” رسالة للمرشد الأعلى في إيران “علي خامنئي” قائلاً له: “أقول لآية الله في طهران، إن إسرائيل ستواصل اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنعك من إنشاء جبهة إرهابية وعسكرية جديدة ضد إسرائيل في سوريا”، موضحاً أن حكومته عازمة على منع إيران من ترسيخ وجودها على الحدود المباشرة مع إسرائيل.
ويبقى وضع الجنوب السوري الذي يشهد تطورات لافتة خاصة في الآونة الأخيرة محط أنظار السوريين، الذي ينظرون للمنطقة بعين الأمل والتفاؤل لعودة الثورة من شرارتها الأولى.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”