fbpx

خطوات روسية حذرة على طريق الحل السياسي في سورية

0 141

تزامناً مع بدء تطبيق قانون “قيصر”، نشطت الدبلوماسية الروسية لـ “جس نبض” بعض المعارضين واستمزاج آرائهم حول آفاق الحل السياسي، وكان الملفت، حتى الآن، الاجتماع مع شخصيات أقرب إلى التمثيل الديني والطائفي. فقد عقد نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، اجتماعاً مع الشيخ معاذ الخطيب، الرئيس السابق للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، في الدوحة بتاريخ 23 حزيران/ يونيو 2020، وكانت البعثة الدبلوماسية الروسية إلى الأمم المتحدة في جنيف قد عقدت لقاءً مع شخصيات علوية مقيمة في الخارج بتاريخ 15 حزيران/يونيو 2020. 

ما تسرب عن اجتماع الدوحة يشير إلى أن الروس جادون في البحث عن مخرج سياسي للمسألة السورية، وقد شجعهم الأميركيون على ذلك، خاصة بعد تصريح مبعوثهم إلى سورية، جيمس جيفري، بأن الإدارة الأميركية والمجتمع الدولي يساعدون الروس على تهيئة الحل السياسي (13 نيسان/أبريل 2020). وفي التفاصيل أن الروس طرحوا تشكيل حكومة ذات صلاحيات واسعة وبقاء بشار الأسد وترشحه لدورة واحدة مع الإبقاء على الأجهزة الأمنية، وأن معاذ الخطيب لم يوافق على ذلك، وطرح عدة مطالب، منها وجود إرادة وطنية للتغيير وإلغاء “العلوية السياسية”. وما لم ينكره الشيخ معاذ الخطيب هو اجتماعه أكثر من مرة في الفترة الأخيرة مع مسؤولين روس وأميركيين حول الموضوع السوري، ما يشي بوجود تنسيق بين الدولتين الأهم الممسكتين بالملف السوري، وربما وجود تفويض أميركي للروس لاستكشاف وجهات نظر بعض أطراف المعارضة فيما يتعلق بالحل السياسي ومرجعيته القرار الأممي 2254.

بالنسبة للقاء جنيف، وعلى الرغم من السرية التي أُحيط بها، فقد تسربت وثيقتان منه؛ واحدة من الجهة الميسرة للقاء، وهي منظمة غير حكومية تساعد في إنهاء الصراعات المسلحة وتدعى “مركز الحوار الإنساني”، وأخرى من مجموعة الشخصيات العلوية التي فوضت المحامي عيسى إبراهيم بالرد على الوثيقة الأولى وتفنيد ما جاء فيها وعرض ما جرى في أثناء اللقاء مع الروس. أول ما يخطر في الذهن هو لماذا اختلفت الوثيقتان، وما هي مصلحة الجهة الميسرة في تسريب معلومات مغلوطة، بحسب وثيقة الشخصيات العلوية؟

أغلب الظن أن الأمر يعود إلى سوء فهم من الجهة الميسرة، ورغبة الشخصيات العلوية في إبراز انتمائها الوطني أساساً وعلويتها كانتماء فرعي، كما جاء في وثيقتهم، وبأن النظام ليس نظام الطائفة، وأنهم لا يؤيدون نظام المحاصصة الطائفية صعب التحقق؛ بسبب اختلاف وجهات النظر داخل الطائفة العلوية وعدم وجود مرجعية لها، وقد فرض النظام نفسه مرجعيتها الوحيدة. لكن ذلك لا ينفي حصول بعض التفاهمات التي ليس من مصلحة المتحاورين إماطة اللثام عنها في هذه المرحلة على الأقل.

تنسجم الوثيقة “العلوية” مع التوجه الوطني السوري للحل السياسي المرتقب، بما تضمنته من الدعوة لعقد وطني جديد والحوار مع الجماعات السورية واقتراح لا مركزية الدولة ونظام علماني ديمقراطي لها. اللافت أيضاً هو ما جاء في الوثيقة حول تفضيل العلويين للروس بالمقارنة مع الإيرانيين، وهذا صحيح على نطاق واسع، إذ إن أكثر ما أزعج العلويين خلال تاريخهم هو محاولات تسنينهم أو تشييعهم، وهم يميلون إلى أي جهة تقبلهم على حالهم، وهذا هو سبب انحياز معظمهم إلى الفرنسيين من قبل وإلى الروس حالياً، بغض النظر عن مساوئ التعامل مع الأجنبي.

من الواضح، ومن خلال الاجتماعين المشار إليهما أعلاه، بأن البحث جارٍ عن شخصيات معارضة من خارج إطار المعارضة الرسمية أو أن هذه الشخصيات كانت قد خرجت منها في وقت ما، فالشخصيات التي يتم الحوار معها حتى الآن لها صفة مرجعية تاريخية دينية، وهذا ينطبق على معاذ الخطيب، حفيد الشيخ تاج الدين الحسيني، مثلما ينطبق على حفيد الشيخ صالح العلي، عيسى إبراهيم. من الصعب تقييم هذه الاختيارات السياسية للبدء بنزع فتيل الأزمة، لكن من الخطأ الوقوف ضدها، ولا سيما أنه ليس ثمة جهة وطنية سورية تحوز على التمثيل الضروري في هذه المرحلة، وما يجري مجرد محاولة لرأب حالة التشظي السورية، ريثما يتم وضع دستور وإجراء انتخابات نيابية ورئاسية. 

تبرز ثلاث مشاكل جدية في مستهل العملية السياسية، ومن الصعب العبور بنجاح من دون معالجتها؛ مشكلة وحدة الأراضي السورية، ومشكلة المحاصصة الطائفية والقومية، ومشكلة الأجهزة الأمنية. المشكلة الأولى مرهونة بالضغط على الطرفين الإقليميين الفاعلين، تركيا وإيران، لإخلاء الأراضي السورية المحتلة من قبل الدولة الأولى والمتغلغل فيها من قبل الثانية. المسألة الثانية، المحاصصة، والتي تعدُّ مشروعاً خطيراً على المدى المتوسط والبعيد، فضلاً عن صعوبة تحقيقها وسط الفسيفساء السورية القومية والدينية، ومن حسن الحظ أن لا جهات فاعلة تدعو إليها، ولكنها قد تصبح واقعاً من خلال عمليات التهجير السكاني واستحضار البدائل، كما حدث في أكثر من منطقة، مع العلم أنه من المهام الملحة للحل السياسي إتاحة الفرصة للمهجرين من أجل العودة إلى مناطقهم الأصلية. أما المشكلة الثالثة، الأجهزة الأمنية، فقد كانت، وما زالت، المشكلة الأساس في سورية، وإن سطوة هذه الأجهزة وتسيدها على المجتمع والأفراد كبّل السوريين وأرهقهم لعقود خلت، وبقاؤها يجعل من أي تغييرات سياسية مجرد هياكل شكلية وهشة، فيما يمنح الشروع في إعادة هيكلتها المزيد من الأمل، ويعطي مصداقيةً وجدية للإجراءات المتخذة في إطار العملية السياسية في المرحلة الانتقالية. كما أن مسألة العدالة الانتقالية ستكون حاضرةً في لحظة ما من تحضيرات الحل السياسي، ولن تستقيم الأمور من دون محاكمة مجرمي الحرب من الأطراف كافة.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني