إضاءة على صندوق التعافي المبكر.. ماله وما عليه
أعلنت الأمم المتحدة ومنذ فترة عن عزمها إطلاق مشاريع تعاف مبكر في سوريا عن طريق آلية أممية بمسمى (صندوق التعافي المبكر) وذلك باستقطاب داعمين وممولين سواء تقليديين من دول وجهات معنية ممن قاموا أو يقومون بتقديم مساعدات إنسانية أو داعمين غير تقليديين وخاصة دول الخليج.
وباعتبار أن هذه الرغبة الأممية أثارت موجة من الجدل سواء ما تعلق بالأهداف والتحديات والخشية من جنوح الأهداف الإنسانية للصندوق واستثمارها لغايات سياسية أو تحكمية أو كيانية وخاصة أن بوصلة الصندوق هو القيام بالمشاريع البنيوية والبشرية الإنسانية بغض النظر عن السلطة المهيمنة الحاكمة. لذلك سنتناول بإحاطة مبسطة بعض النقاط الجدلية لمفهوم صندوق التعافي المبكر والآراء الأكثر شيوعاً حوله.
مفهوم التعافي المبكر وهدفه الإنساني
هو نهج يتناول احتياجات الإنعاش التي تبرز خلال مرحلة الاستجابة الإنسانية من خلال استخدام الآليات الإنسانية التي تتوافق مع مبادئ التنمية وهذا النهج يمكن الناس من الاستفادة من العمل الإنساني لاغتنام الفرص الإنمائية وبناء القدرة على التكيف وإنشاء عملية مستدامة للتعافي من الأزمة.
وإذا أسقطنا مدلول هذا التعريف على صندوق التعافي المبكر في سوريا فسنجد أن الأهداف الإنسانية تتمحور حول إعادة تأهيل البنى التحتية الخاصة بالقطاعات ذات البعد الإنساني وتلبية الاحتياجات الضرورية لمتطلبات الحياة البشرية من صحة وتعليم وغذاء ومياه وصرف صحي وطاقة.
إضافة لتأهيل وتنمية الموارد البشرية لتكتسب خبرة إدارية واقتصادية تستطيع استثمارها في فترة التعافي ومن ثم في مرحلة التنمية المستدامة.
دواعي إنشاء صندوق التعافي المبكر بحسب مخرجات الحوارات المتعلقة به
يرى المؤيدون لإنشاء الصندوق بأنه يسهل تحقيق عدة جوانب إنسانية وضرورية وفق رؤية تنسجم وطبيعة السياق السوري ومنها:
1- توفير مناخ حواري تعاوني مشترك بين الجهات الإنسانية لتوحيد جهودها وبالتالي يكون تأثيرها الإنساني أكثر من القيام بمشاريع منفردة قد لا تحقق الهدف المرجو منها.
2- السماح للمانحين والداعمين بوضع استراتيجية توافقية في تحديد المشاريع التأهيلية والتنموية الإنسانية الضرورية اللازمة للحياة.
3- إيجاد آلية قانونية أممية تساعد الجهات المانحة ومنها الداعمين غير التقليدين كدول الخليج على إيصال المساعدات الإنسانية والمساهمة بمشاريع التعافي المبكر دون الخشية من خرق العقوبات المفروضة على النظام او السلطات المهيمنة على الجغرافيا السورية.
4- المبررات الإنسانية المعيشية
حيث أن هناك قرابة 16 مليون سوري يحتاجون للمساعدات الإنسانية ومنهم قرابة 12 مليون يعانون من ضعف أو حتى انعدام الأمن الغذائي.
المحاذير
هناك عدة محاذير تتعلق بإنشاء صندوق التعافي المبكر ومن أبرزها:
1- الخشية من ان تكون مشاريع صندوق التعافي المبكر بديل عن عملية إعادة الإعمار المنصوص عليها في القرار 2254 والتي يشترط للقيام بها أن يسبقها الانتقال السياسي وبالتالي النيل من تراتبية تطبيق القرار الأممي.
2- التشكيك المستمر بمصداقية وشفافية النظام فيما يتعلق بحزم المساعدات الإنسانية التي تكون في متناوله وخاصة اختلاسه للمساعدات وتوزيعها بمحسوبية وتوظيف موالين له في آليات التوزيع والإيصال والأرشفة. كما أن هناك ريبة ولو بدرجة أقل من قيام بقية السلطات المسيطرة على إدارة عدة مناطق في سوريا من أن تقوم بمثيل ما يقوم به النظام.
3- الخوف من الاستثمار السياسي للصندوق سواء ما تعلق بالنظام من حيث إعادة ترويج شرعنته الدولية والداخلية أو حتى ما تعلق بالداعمين الذين قد يفرضون شروط مؤجندة للتمويل تتعارض مع الهدف الإنساني الأساسي لصندوق التعافي المبكر.
الضوابط
إذا كان ولابد من إنشاء صندوق التعافي فيجب ان تكون هناك ضوابط ومعايير لابد من التقيد بها، ومنها على سبيل المثال:
1- تعهدات رسمية من الداعمين دول أو منظمات أو بنوك بألا يكون لهم أي تدخل قد يجنح بالهدف الإنساني للصندوق نحو المصالح السياسية والاقتصادية.
2- أن يكون هناك إشراف ورقابة أممية من بداية الحصول على الدعم، مروراً بتمويل المشاريع الإنسانية ومتابعة مراحل تنفيذها وإتمامها والتأكد من تقديم الخدمة والمنفعة والمساعدة.
3- إيجاد منصة إعلامية وإدارية لتلقي الشكاوى أو حتى المقترحات حال البدء بالمشاريع الإنسانية.
4- إشراك منظمات المجتمع المدني غير المؤدلجة في اختيار الآليات والسبل الكفيلة بتحقيق الأهداف الإنسانية، والقيام بدور وسيط إرشادي بين الصندوق والناس.
وفي نهاية المطاف فإن الهدف الإنساني لصندوق التعافي المبكر والمتجسد بإطلاق مشاريع تعافي مبكر في سوريا تعمل على تحقيق ولو مستوى مقبول يلبي الاحتياجات المعيشية والمرفقية الضرورية للناس بغض النظر عن السلطة القائمة، يبقى مرهوناً بجدية الأمم المتحدة وشركائها ومدى قدرتهم في إدارة الصندوق بشكل يتناسب والسياق السوري وإبعاد الصندوق عن التسييس.