fbpx

النساء السوريات في تركيا وأدوارهن في الإعلام السوري البديل

0 100

لعبت النساء السوريات دوراً هاماً ورائداً في تأسيس وتطوير الإعلام السوري البديل منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، وقد برزن كصاحبات صحف ومواقع إلكترونية، ومذيعات، ومراسلات، وناشطات على وسائل التواصل الاجتماعي، ومقدّمات محتوى إعلامي غني ومتنوع، ومُساهمات في كسر حاجز الصمت ونقل الحقيقة للعالم.

بعد الحلم.. التقديم صار حقيقة.. بدايات الصحفية ديما شولار من اللغات لشاشة أورينت

بدأت ديما شولار ابنة حمص عملها في الإعلام مع بدايات الحراك السلمي عام 2011، بعد مشاركتها بالمظاهرات والاعتصامات التي شهدتها مدينتها، رغم أنها درست في كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية وكانت تعمل بالتدريس لغير الناطقين بها في أحد معاهد مدينة حمص.

دخلت شولار المجال الإعلامي عبر مجموعة تطلق على نفسها اسم (ميثاق سوري) تضم صحفيين وفنانين، كان عملهم يقتصر على توثيق الأخبار ونقلها بشكل مباشر وعاجل بصيغة صحفية سليمة، وهنا كانت البداية عندما تدربت ديما وأتقنت التحرير والنشر الصحفي على منصات هذه المجموعة.

انتقلت ديما إلى تركيا بعد عام من العمل السري داخل حمص، وفي ذلك الوقت كان مشروع إذاعة بلدنا في طور التأسيس، بدأت فيها رفقة آخرين كمتطوعين دون أي دعم لهذه الاذاعة، فكان العمل بسيطا يتم بوسائل شخصية من أجهزة موبايل و(لابتوبات) يملكها المتطوعون وهنا تسلّمت ديما إدارة البرامج على مدار ثلاث سنوات، حيث باتت المواد والأفكار تصل إليها وتقوم بتنسيقها وتشذيبها، وتجهيز قوائم العرض للبث اليومي وهو عمل شاق يحتاج المتابعة على مدار اليوم، وفي ذات الوقت استمرت ديما بتعليم اللغة الإنجليزية في إحدى المدارس التي تعلم أطفال اللاجئين.

تعتبر ديما أن بداية تعلمها الحقيقية من نقطة انطلاق عملها مع راديو ألوان الذي كان مقره في سراقب بريف إدلب وله مكتب في إسطنبول، حيث تعلمت من مدربيها ومدرائها السابقين، مثل أنس بخاري وجابر بكر ومحمد عرواني وغيرهم كثيرين، تحرير الأخبار السياسية وباتت محررة للنشرة الرئيسية بشكل يومي، تعمل على إعدادها أون لاين ويتم بثها من إسطنبول إلى أن انتقلت ديما بشكل فعلي إلى إسطنبول.

تغيّر شكل العمل ولونه في إسطنبول مع انتقال ديما، فباتت مسؤولة عن فترة أخبار محلية تحت اسم (ألوان محلية) كمعدة ومنتجة لها، ثم مقدمة لها أيضاً، مع عدم رغبتها الدخول بمضمار التقديم رغم أنه حلم الطفولة والصبا، حيث كانت تقلّد المذيعين بالجلوس أثناء الدراسة وتتظاهر بأنها مذيعة.

في مرحلة متقدمة قالت ديما إنها انتقلت لقناة الجسر الفضائية وعملت كمنتجة أفلام وثائقية وبرامج وبعدها انتقلت للعمل مع برنامج (حمص وود) الفني الناقد الذي كان يعرض على تلفزيون سوريا، وكتبت خلالها في عدد كبير من وسائل الإعلام والمواقع والإذاعات منها راديو (روزنة) ضمن مشاريع تتعلق بصحافة الجندر للمرأة والطفل.

راديو أورينت كانت فترة العمل المضغوط كمقدمة رئيسية ومعدة و(بروديوسر)، وهذه المهنة متعبة جداً لأن التواصل مع الناس يومياً والمراسلين على الأرض والناشطين بحاجة لطاقة كبيرة، خاصة وأن ديما من حملة بطاقة الحماية المؤقتة وتعيش نفس الظروف التي يعشيها السوريون في هذا الإطار وتحاول التواصل لإيجاد حلول لهؤلاء الأشخاص، كذلك قدمت ديما برنامج “نيوميديا” التابع لمنظومة عمل الإعلام الجديد على صفحات أورينت باسم (من عنّا) أوصلت فيه جزءاً من الذاكرة السورية للمهن والتراث السوري امتد لموسم كامل من البث.

سنوات العمل مع أورينت رغم ضغطها لم توقف سعي ديما لمحاولة تعزيز نجاح العمل بالحصول على شهادة أكاديمية في اختصاص الصحافة والإعلام، وهي الآن تتحضّر لمناقشة رسالة التخرج من مدرسة الصحافة الفرنسية، التي درست فيها على أيادي صحفيين كبار أمثال أكرم خزام وغيره ممن رسخ بذاكرة السوريين من كبار العاملين في المجال الإعلامي.

ديما تعتبر نفسها محظوظة لأن الظروف وقفت معها لتغيّر مهنتها وتعيد دراسة المجال الذي تعمل به لأنها صحفية بالفطرة وتحب هذا المجال وقادرة على الإبداع فيه، وتبرع في تقديم البرامج وإعدادها وإيصال الأفكار للناس بطريقتها الخاصة من خلال التواصل اليومي معهم عبر نافذة الراديو أو حتى التلفزيون.

مرحلة التأسيس للناشطة جهان الخلف من ريف ديرالزور

الناشطة الصحفية جهان الخلف من أهالي ديرالزور، تقيم حالياً في ولاية شانلي أورفا، تحدثت عن بدايات عملها الصحفي في درعا عام 1995 لمدة عامين وتوقفت بعدها وآنذاك كانت العائلة والمحيط يتقبلون العمل الصحفي ويشجعون عليه، لكن، بعد الثورة السورية وخاصة عام 2013 اضطرت جهان للانتقال إلى ريف ديرالزور وحاولت الالتحاق بعمل مع (شبكة سوريا مباشر) التي طلبت مراسلين لها في ديرالزور، وقُبلت فيها وبدأت العمل وأرسلت لها الشبكة كاميرا للتصوير، لكن نظرة المجتمع كانت غريبة تجاهها، واستنكرت على فتاة أن تخرج حاملة كاميرا لتصوير قصف أو اشتباك بين الرجال، وتفاجأت بطلب خالها من والدتها أن تمنعها من الخروج بالقول “ضبي بنتك فضحتنا”، وكانت هذه الحادثة فارقة بالنسبة لجهان التي اكتفت بالكتابة الصحفية خوفاً من ردة فعل المجتمع المحيط وخوفاً من تلقي أي تعليق مزعج.

حصلت الخلف على عدة تدريبات صحفية من صحفيين كبار فمثلاً عام 1995 تعلمت مبادئ العمل الصحفي على يد قاسم ياغي وأديب خضور مع حفظ الألقاب، وعاودت التدريب الصحفي عام 2013 على يد مدربي (شبكة سوريا مباشر)، ثم خضعت عام 2014 لدورات تدريب قناة الجزيرة بإعداد التقارير الإنسانية، وكذلك حصلت على تدريبات من عدة جهات دولية ولم تتوقف حتى هذه اللحظة عن حضور الدورات لتطوير نفسها.

الناشطات يدخلن الميدان مباشرة:

ترى جهان أن الصحفيات خريجات كليات الصحافة والإعلام يختلفن جداً عنهن من حيث الخبرة العملية، فالصحفيات الأكاديميات لديهن خبرة نظرية يصقلنها فيما بعد بالعمل، بينما الناشطات أو المواطنات الصحفيات يدخلن الميدان مباشرة، والناشطات يسعين دائماً لتطوير ذواتهن بالدورات والشهادات.

وتضيف الناشطة الخلف أن الأجور تختلف حتى بينهن وبين الصحفيات الأكاديميات، فمجرد وجود شهادة يعني وجود عقد ثابت وأجر واضح، بينما تتعامل الوسائل الصحفية مع الناشطين بشكل مختلف، ويتم النقاش حول مبالغ أقل لأسعار المواد والأجور بشكل عام.

التدريب المستمر لا يعني قلة الخبرة بالنسبة للناشطات أو حتى للأكاديميات وإنما يجب السعي دائماً لتطوير الذات والتعرف على كل ما هو جديد في المجال الذي يعمل به الإنسان وخاصة في مجال كالصحافة، لذلك يجب الإلمام بكل وجوه العمل ثم يتم التخصص بمجال معين منها.

التدريبات العملية والدخول لمضمار العمل الصحفي لا يغني عن الرغبة بالحصول على شهادة أكاديمية تثري الملف الشخصي والخلفية العملية للناشطة، وكان وصول جهان إلى تركيا ذو أثر كبير بالنسبة لها فتح لها أفق جديدة من الناحية الأكاديمية لمتابعة دراستها الجامعية، وحتى من الناحية العملية بالحصول على تدريبات من جهات دولية وعالمية وحضور ندوات تثري خبراتها، وهو ما كان غير ممكن لو بقيت في سوريا.

العمل الصحفي في تركيا:

وأشارت جهان إلى أن العمل في تركيا يعتمد على مجموعة عوامل منها الشهادة التي يحملها الصحفي والعلاقات والمعارف التي كونها خلال فترة عمله ونشاطه والخبرة التي شكلها خلال سنوات.

بعد أكثر من عشر سنوات على عودة جهان للعمل الصحفي باتت تلاقي تقبلاً أكثر من البيئة المحيط خاصة أنها ابنة منطقة عشائرية، تقبل شعب هذه المنطقة عمل الفتيات في المجال الصحفي وأعطاهم حرية السفر والتنقل دون الخوف من التعرض للتنمر أو حتى الهجوم.

مرحلة البدايات للناشطة والمراسلة الصحفية جهان الحاج بكري “ميس الحاج” من اللاذقية

بالنسبة لابنة اللاذقية جهان الحاج بكري أو المعروفة باسمها الحركي (ميس الحاج) فهي لم تواجه أي مشاكل من عائلتها أو عدم تقبل لدخولها مجال العمل الصحفي بل على العكس لاقت دعماً من والدها وتشجيعاً رغم أنها درست في كلية الآداب قسم اللغة العربية بجامعة تشرين بمدينة اللاذقية، لكن مجتمعها المحيط بعد الانتقال لريف اللاذقية كان يضيق الخناق على النساء العاملات بالصحافة ويضعهن ضمن قوالبه الخاصة، وتضيف ميس أنها آنذاك لم تكن على مستوى كبير من الوعي بحيث تدافع عن عمل المرأة وحقها في ممارسة دورها في المجتمع ما شكل عليها ضغطاً نفسياً كبيراً.

ميس فسّرت هذه الطريقة بالتعامل لسببين: الأول هو الغيرة من النساء الناجحات وعملهن من قبل المحيطين.

والثاني هو تخوف هؤلاء أن يصل وعي الرغبة بالعمل والحصول على الحقوق لنسائهم ويفقدوا سيطرتهم المطلقة عليهن، فتصبح طريقة التعاطي مع أهل الناشطة أو زوجها تحريضية لتنفيرهم من عملها وإعادتها تحت السيطرة بحسب اعتقادهم.

تضيف ميس أن ما شجعها على الكتابة والعمل الصحفي هو دراستها للغة العربية التي سهلت عليها كثيراً من الأمور، صعوبتها الوحيد هي عدم امتلاك أساسيات العمل الصحفي وذلك عام 2013، لكن عرض عليها آنذاك أحد أصدقائها العمل في جريدة محلية من الإعلام البديل لتتدرب على العمل الصحفي وذلك لأنه وجد فيها بذرة للعمل الصحفي من خلال ما تنقله له من أخبار وطريقة توصيلها للمعلومة، وهنا بدأت معهم ببرنامج تدريبي لمدة شهرين تلاه تدريب فيزيائي في غازي عينتاب التركية لمدة عشرة أيام، وانطلقت في مضمار العمل.

الدراسة الأكاديمية عامل مهم حتى لو كانت باختصاص آخر:

تعطي “الحاج” قيمة للدراسة الأكاديمية وترى أن الصحفيات اللواتي باشرن المهنة من باب الشهادة الجامعية في الاختصاص الصحفي لديهن ميزة عن نظيراتهن اللواتي بدأن من خلال الدورات التدريبية من ناحية إلمامهن بمبادئ العمل الصحفي وخطواته الأساسية، وتجد نفسها قد خُدمت بهذا المجال من خلال دراستها للغة العربية، لكنها تضيف أيضاً أن المؤسسات الإعلامية تولي حملة الشهادات من ذات الاختصاص أولوية في التوظيف حتى لو كانت هناك متقدمات يحملن خبرة دون شهادة، وأن السبب بدخول الناشطين والناشطات لمجال العمل هو نتيجة الحاجة السورية لعدد أكبر من العاملين في هذا المجال لإيصال صوت السوريين وقصصهم بعد ثورة 2011.

من ناحية الأجور لا علم لدى ميس عن الفروق بين المبالغ التي تتقاضاها الصحفيات ممن يحملن شهادة في الصحافة وبين نظيراتهن من الناشطات، لكنها وفقاً لخبرتها تعتقد أن الأجور واحدة عند الكتابة مع أي جهة.

وتجد الحاج في ذات الوقت أن كل من يعمل في الصافة بحاجة لتدريب دائم، لأنها مهنة متطورة ومتجددة بشكل مستمر ولا فرق بين حاملي الشهادات والناشطين في هذا النقطة، لمواكبة التطور بالأشكال الجديدة للإعلام المكتوب والمرئي.

فرص العمل بالنسبة لميس تراجعت بعد دخولها لتركيا لأنها تجد أن مضمار العمل بالداخل السوري أوسع وأكثر، والظروف القانونية في تركيا بالنسبة للصحفيين صعبة في ظل كمليك الحماية المؤقتة، وعدم منح إذن السفر للتنقل بشكل مريح، وأيضاً فيما يتعلق بإذن العمل، إضافة لعدم قدرتها كامرأة على الالتزام بعمل لساعات طويلة ولديها أطفال بحاجة لرعايتها، بالمقابل تجد أن وضع تركيا أفضل من ناحية سهولة الحصول على دورات تدريبية في المجال الصحفي، خاصة أن التنقل من الشمال لتركيا بات صعباً.

هل تقبل المجتمع عمل النساء في الصحافة؟

ميس لم تجد تغيراً في نظرة المجتمع لكنها تعتبر نفسها هي التي اعتادت الانتقاد والكلام ولم يعد يؤثر بها، لأنها تعرف نفسها وماذا قدمت بعملها الصحفي والرسالة التي نقلتها وأصوات الناس المهمشة التي أوصلتها للعالم لتحسين ظروفهم الحياتية.

بات للنساء السوريات دور واضح في الإعلام السوري البديل رغم الصعوبات التي واجهنا، من ظروف الهجرة واللجوء ونظرة المجتمع وغيرها، والنجاح الذي حققته الإعلاميات السوريات دليل واضح على قدراتهن المميزة في لعب هذا الدور الإيجابي الناجح في دفع عجلة الإعلام السوري البديل إلى الأمام.

تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR صحفيون من أجل حقوق الإنسان”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني