fbpx

قراءة قانونيّة لمشروع صندوق الثقة للتعافي المبكر في دمشق

0 349

التعافي المبكر هو الوجه الآخر لإعادة الاعمار وربّما هو بادرة حسن نيّة من قبل المجتمع الدولي تجاه نظام أسد وخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الذين كانوا أكثر تشدّداً في موقفهما ضد النظام من خلال استخدام العقوبات الاقتصادية كأداة من أدوات الضغط عليه للانصياع للإرادة الدولية في تعديل سلوكه إذ لا يمكن وصف الخطوات المتصالحة مع نظام أسد في غير هذا السياق في ظل تعنّت النظام وعدم استجابته للمطالب الدولية وفي تعديل سلوكه ولا في تحقيق الأمن والاستقرار في البلاد والاستجابة لمطالب الشعب السوري بل إن هذه الضغوط زادته فجوراً واجراماً، مع تهاون المجتمع الدولي تجاه جرائمه وتمكينه من الإفلات من العقاب وعدم تحمّل المجتمع الدولي مسؤولياته القانونيّة في حفظ السلم والأمن الدوليين وحماية الشعب السوري من جرائم الحر والجرائم ضد الإنسانيّة التي يتعرّض لها منذ ثلاثة عشرة سنة.

كشفت الأمم المتحدة في العاشر من شهر آذار 2024 عن وثيقة استراتيجية لما يسمى “صندوق الثقة للإنعاش المبكر للأعوام 2024-2028”. هذا الصندوق المالي يراد له أن يكون مقره في دمشق، ويعمل تحت قيادة مباشرة من منسق الأمم المتحدة المقيم للشؤون الإنسانية السيد مارتن غريفيث وهو وسيط دولي بريطاني سابق كان يعمل مديراً للمعهد الأوربي للسلام يشغل الآن منصب رئيس لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، وتنتهي مهامه في شهر حزيران القادم بعد أن قدّم استقالته.

إنّ إحداث “صندوق الثقة للإنعاش المبكر” في دمشق في غير محله القانوني ويتناقض مع المبادئ الأساسية التي تقوم عليها المنظمة الدوليّة ’’الأمم المتحدة‘‘ للأسباب التالية:

  • إن دور الأمم المتحدة في القضيّة السورية محدّد بموجب قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن بأنّه دور وساطة وتوفيق بين ’’أطراف النزاع‘‘ ينطلق من مبدأ ’’الرعاية‘‘ وليس من مبدأ ’’الحماية‘‘ اللذان يختلفان من حيث المبدأ والأدوات والغايات، فدور الرعاية يستند إلى نصوص الفصل السادس الذي يوجب على أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدولي للخطر أن يلتمسوا حله بادئ ذي بدء بطريق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية، أو أن يلجؤوا إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارها.

أمّا مبدأ الحماية فيستند إلى الفصل السابع للحفاظ على السلم والأمن الدوليّين وفقاً للفصل السابع عبر فرض تدابير قسريّة ملزمة ويمكن اللجوء إلى القوة العسكرية لفرض هذه التدابير بقصد الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.

وعليه فإن دور الرعاية يقتضي من الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها الحياديّة في التعاطي مع السوريين وأن تُعامِلهم على قدم المساواة في الحقوق والواجبات وعدم تفضيل أي طرف على طرف آخر بأي امتياز، مما يجعل طرح فكرة انشاء صندوق الثقة للإنعاش المبكر في دمشق خروج على مبدأ الحياديّة وانحياز واضح إلى نظام الاستبداد والإجرام.

  • إن قرارات الجمعيّة العامة ومجلس الأمن الدولي وبيان جنيف تقوم على وجوب تشكيل هيئة حكم انتقالي ونقل السلطة لها لتقوم بمعالجة اثار الحرب والانتقال بسورية إلى مستقبل جديد يقوم على احترام الحريات الأساسية واحترام حقوق الإنسان وتطبيق العدالة الانتقالية، وبالتالي فإن أي مشروع للتعافي المبكر يساهم بطريقة مباشرة بإعادة إنتاج مؤسسات الاستبداد وتمكين النظام من استخدامها في قمع الشعب السوري وبالتالي استمرار الصراع، ما يجعل مشروع صندوق الثقة يتناقض مع مضمون وغايات قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالصراع في سورية والمتعلقة بالحل السياسي لهذا الصراع مثل بيان جنيف1 والقرار 2118 لعام 2013 والقرار 2254 لعام 2015.

•       لم يعد خافياً على أحد أن نظام أسد استطاع تجيير كل المساعدات الإنسانيّة الدوليّة التي تقدّمها المنظمات الدوليّة أو التي تقدّمها المنظمات الإقليميّة، عن طريق حصر استقبالها وتسلّمها وصرفها وتوزيعها بالأمانة السوريّة للتنميّة التي ترأسها أسماء أسد والتي استخدمت هذه المساعدات في تعزيز ولاء أفراد الميليشيات الطائفيّة تحت غطاء الأعمال الخيريّة عبر جمعيات ومؤسسات أنشأت لهذا الغرض مثل مؤسسة البستان التي أنشأها رامي مخلوف والتي تحوّلت بعد الاستيلاء عليها من قبل أسماء الأسد إلى مؤسسة العرين، ومؤسسة ’’الشهيد‘‘ ومؤسسة سوريّون التي أنشأتها زوجة اللواء وليد أباظة ذو السجل الاجرامي الحافل ’’جانسيت قازان‘‘ عضو مجلس الشعب التي أنشأها قائد ميليشيا ما يسمى الدفاع الوطني المجرم صقر رستم وغيرها من الجمعيات والمؤسسات التي تموّل هذه الميلشيات الاجرامية سواء عن طريق تأمين الرواتب والاجوار أو التعويضات عن الإصابات أو رعاية أسر قتلى الشبيحة، والضغط على بقيّة السوريين للبقاء تحت سلطة النظام وعدم تمكينهم من أي تحرّك للخلاص الوطني، وهذا ما أثبتته تقارير العديد من المنظمات الحقوقيّة ومراكز البحوث المحترمة والتي أكّدت استغلال النظام للمساعدات الإنسانية في تعزيز ولاء ميليشياته بما قيمته 13 مليار دولار أمريكي طوال سنوات الحرب الماضيّة وإن المفترض أنّ الأمم المتحدة على علم بكل هذه المعلومات التي تضمّنتها تقارير لجان التحقيق الدوليّة الخاصة بسورية، وهذا العلم المفترض يضعها موضع المسؤولية الجنائية عن جريمة التواطؤ بارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها أفراد هذه الميليشيات بحق الشعب السوري.

  • وكما هو معلوم أن الأمانة السورية هي إحدى الكيانات الموضوعة على قائمة العقوبات الامريكيّة والأوروبيّة وبالتالي فإن مشروع صندوق الثقة هو تجاوز لمنظومة العقوبات الدوليّة المفروضة على الأمانة السورية للتنمية وباقي الكيانات المرتبطة بها.
  • إن استغلال كارثة الزلزال لرفع العقوبات عن نظام أسد هو محاولة مفضوحة للتحايل على حقوق الشعب السوري الحرّ وتمكين هذا النظام من البقاء وإعادة تأهيله وانتاجه من خلال تضخيم اثار الزلزال في مناطق النظام إذ إن الإحصائيات الرسمية تشير إلى ذلك وفق المعطيات التالية:
    • بيانات فريق “منسقو الاستجابة” في الشمال السوري: بلغ عدد النازحين من المناطق المتضررة في شمال غرب سوريا حتى الآن “153,893” شخصا و30,796 “أسرة”، مع استمرار أعمال التعداد. وبلغ عدد المنازل المدمرة كليا “1,123” منزلا و”3,484″ منزلا آخر عرضة للانهيار، إضافة إلى “13,733” منزلا غير صالح للسكن، فيما ظهرت شروخ على “9,637” منزلا آخر. وبلغ عدد المتضررين حتى الآن من الزلزال في شمال غرب سوريا “853,849 شخصا”، يتركز معظمهم في المناطق المتضررة “حارم، جنديرس، سلقين، أرمناز، عزمارين، والأتارب.
    • عدد السوريين المقيمين والمتضررين من الزلزال في المناطق المتضررة من تركيا:

غازي عنتاب: 462,697 شخصاً. هاتاي: 433,875 شخصاً. شانلي اورفا: 430,124 شخصاً،عدد الضحايا هو “4267” شخصاً.

•       إحصائيات الأضرار الناجمة عن الزلزال بحسب اللجنة العليا لإغاثة النظام السوري:

بلغ عدد الأسر المتضررة المسجلة 91,794 أسرة، منها 414,304 أفراد.

ويبلغ عدد الناجين الذين تم إنقاذهم من تحت الأنقاض 1553 ناجيا، وعدد المفقودين 6 أشخاص.

عدد المباني غير الأمنة للعودة والتي لا يمكن دعمها هو 4,444 مبنى.

عدد المباني التي تحتاج إلى تعزيز لجعلها أمنة للعودة هو 29,751 مبنى.

عدد المباني الأمنة التي تحتاج إلى صيانة: 30,113 مبنى.

عدد المباني المنهارة التي تم هدمها هو 292.

اغلب المباني المتضررة في شمال سورية في مناطق سيطرة النظام الحاليّة كانت بسبب القصف العشوائي الذي كانت تتبعه ميليشيات أسد والروس والإيرانيين وليس من الزلزال.

  • وللعلم أن اغلب مشاريع التعافي المبكر السابقة صُرِفت اعتماداتها الماليّة على إعادة مؤسسات مدنيّة ذات علاقة إمّا في جريمة التهجير القسري والتغيير الديموغرافي، أو عمليات نهب أموال وارزاق السوريين مثال: تمويل مشروع تنظيف خطوط الري في منطقة الغاب التي سيطرت عليها الميليشيات الطائفيّة بعد تهجير أصحابها من اهل السنة وحرمانهم من أراضيهم والانتفاع منها، وتمويل مشروع إعادة تأهيل مديريّة المصالح العقارية في دير الزور التي تلعب دوراً مهما في عمليات شرعنة مصادرة عقارات السوريين ونقلها إلى ملكية افراد الميليشيات الطائفية والميليشيات والشركات الإيرانية.

بناءً على ما سبق فإن الدعوة إلى إنشاء صندوق الثقة للتعافي المبكر مركزه في دمشق وخضوعه لسلطات نظام أسد هي دعوة مشبوهة لتعارضها مع دور الأمم المتحدة في الملف السوري، وتعارضها مع أحكام قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن الدوليّ ذات الصلة بالملف السوري، وهي انحياز فاضح إلى نظام أسد المجرم ليس له هدف سوى تمكينه من البقاء والاستمرار في جرائمه وشراكة بها والتواطؤ معه على ارتكابها وتمكينه من مقاومة الضغوط الدولية عليه لتنفيذ خارطة الطريق الدوليّة للحل السياسي في سورية، وتمكينه من تجاوز آثار العقوبات الأمريكية والأوروبية الهادفة إلى الضغط عليه لتعديل سلوكه، وبالتالي إطالة أمد الصراع على حساب الشعب السوري الذي تشتّت شمله بين النزوح والتشريد الداخلي وبين المنافي ومخيمات التهجير القسري، الأمر الذي يقتضي على السوريين الاحرار التعبير عن رفض هذا المشروع والضغط على الأمم المتحدة للالتزام بالحياديّة والشفافية ومعاملة السوريين على قدم المساواة انطلاقاً من مبادئ الأمم المتحدة وتنفيذاً لنصوص الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني