fbpx

سوريا: حكاية الأدوية والمخابرات

0 472

جديد أزمة الأدوية في سوريا هي أنها ظهرت (إعلامياً) قبيل توقيت قانون قيصر الذي أعد لمعاقبة رموز النظام ومن سانده في حربه على الشعب السوري، لكن الأزمة أخذت بعداً مختلفاً عندما انهارت العملة السورية، ولم تعد معامل الأدوية قادرة على تحديد سعر الدواء، نظراً لأن المواد الخام للأدوية يتم شراؤها بالعملة الأجنبية، وهذه العملة امتنع النظام عن تقديمها لمعامل الأدوية، ما وضع المعامل أمام خيارين، الأول التوجه إلى السوق السوداء والحصول على العملة الصعبة بأضعاف السعر الذي يحدده النظام، أو أن على النظام أن يعيد تسعيرة الأدوية بما يعادل انهيار العملة، إذ إن سعر العملة الحقيقي هو ما يظهر أثناء التداول وليس في بيانات النظام المفروضة على سوق الصرافة، لكن ذلك ليس كل شيء.

سوق سوداء للأدوية:

الجديد هو أن الأدوية المصنوعة في سوريا باتت كغيرها من المنتجات الوطنية السورية، من المحروقات، والسجائر، والعديد من المواد الأولية، وصولاً إلى رغيف الخبز، والتي دخلت في أزمنة سابقة إلى السوق السوداء، التي تدار في الخلفية، حيث هناك مافيا تدير لعبة (المهربات المنتجة وطنياً) والتي طالت في الماضي قبل الحرب العديد من المواد الغذائية الأساسية، والمواد الأساسية لبعض الصناعات، وليس بالضرورة أن تكون هناك أزمة متعلقة في استيراد المواد الخام، فمثلاً مسألة رغيف الخبز، وطوال عقود من حكم آل الأسد في سوريا، لم يتم حل هذه الأزمة، وبقيت طوابير المواطنين تقف على الأفران وقتاً طويلاً للحصول على الخبز، مع أن الخبز متوفر بنفس اللحظة وبجوار جميع الأفران على بسطات يديرها عساكر يرتدون الملابس المدنية، غالباً هم موظفون لدى أحد الضباط، حيث كانت تقتضي الآلية المتعامل بها في الأفران أن يتم بيع الخبز أولاً لمن يحمل بطاقة عسكرية، وبعد ذلك يحصل المواطن على الرغيف، وهكذا كانت مافيا الخبز تسرق الخبز وتبيعه بسعر أعلى بجانب الأفران، ولا يملك المواطن الذي يحتاج لعامل الزمن في عمله، لا يملك إلا أن يدفع ثمناً إضافياً للخبز بدلاً من الوقوف على طابور المواطنين الطويل الذي يتم افتعال الأزمة فيه عن قصد.

المعادلة إذاً باتت بسيطة، فقد أصبحت علبة الدواء (المنتجة وطنياً) مثل ربطة الخبز، أو مثل جرة الغاز، فهي متوفرة لمن يدفع أكثر، ولمن يراعي هذه المعادلة التي تحكمها المافيا بين المنتج والمستهلك.

أزمات تاريخية:

النوع الثاني من الأدوية في سوريا هو الدواء المستورد، وهي الأدوية التي لا يتم إنتاجها محلياً لأسباب عديدة، بعضها بسبب عدم قدرة معامل الأدوية المحلية على تصنيعها، وهو ما يستوجب عملياً حصول هذه المعامل على مستوى تقني معين حتى تتمكن من تصنيعها. وبالتالي تبقى هذه الأدوية هي مسؤولية الدولة، التي يتوجب عليها توفيرها في الوقت المناسب. 

وبما أن نظام الدولة تاريخياً يقوم على الرشاوى والفساد وغير ذلك، فقد كانت هذه الأدوية غير متوفرة كما يجب، ما فتح سوقاً للدواء المهرب، فأصبحت الأدوية المهربة هي المادة اليومية التي تعاملت فيها مختلف الصيدليات، وهذا كان يحدث ما قبل الحرب في سوريا، حيث تحولت سوريا بسبب الإدارة الفاسدة إلى سوق مفتوحة لاستيراد الأدوية المهربة، وهو أمر سكت عنه النظام، لمصلحة مافيا التهريب، لأن كثيراً من الأدوية التي كان النظام ملزماً باستيرادها بشكل رسمي،  باتت تجارة كغيرها من المهربات التي تعمل مافيا النظام على إدخالها بشكل غير رسمي، ويتم بيعها لصالح هذه الطبقة من المهربين، والذين هم جزء أساسي من بنية النظام الأمنية وتكوينه.

خاتمة:

قد يكون لإغلاق عدد من معامل الأدوية وقعاً خاصاً على الأزمة في سوريا، ولكن، حتى لو أصبح عدد معامل الأدوية في سوريا بعدد أفران الخبز، فيد النظام عندما تريد العبث فهي قادرة على ذلك، ومافيا النظام عبر التاريخ ظلت تعمل في المجالات كافة، ولم تترك منفذاً لكسب المال غير المشروع إلا ولجأت إليه، بما في ذلك فتح الأبواب للأدوية الإيرانية، التي اجتاحت الصيدليات المحلية، ثم اختفى بعضها ليزيد من الأزمة الدوائية، هذا على الرغم من أن جودة الدواء الإيراني مشكك فيها، خصوصاً تلك الأدوية التي تدخل إلى سوريا.

لا علاقة لقانون قيصر بالأزمة الدوائية في سوريا، ولا علاقة للحرب بمجملها بهذه الأزمة، فالنظام الذي يرفض منح موظفيه في الدوائر الحكومية الأجور الطبيعية وفقاً لأسعار الصرف المتعارف عليها، هو ذاته ومن خلال رأس النظام يستطيع أن يمنح أسماء الأسد لوحة فنية كـ هدية بقيمة 30 مليون دولار، ناهيك عن المليارات المنهوبة على شاكلة ما فعله رفعت الأسد، وغيره من العائلة التي نهبت سوريا ولا تزال.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني