الواقع التعليمي شمال شرق سورية.. ازدواجية في المناهج، مستقبل مجهول
أولاً: الواقع التعليمي وفق مناهج النظام:
مع قيام الثورة السورية، قامت معها القيامة السورية لإخمادها. تهجير وقتل وتدمير طال الحياة وكل مناحيها. ولم يسلم القطاع التعليمي مما حدث. فعلى مدى سنوات الحرب مدن كاملة بمدارسها وأطفالها اختفوا، قتلوا هجروا ونزحوا، ومنهم من بقي ليكون أسير أيديولوجيات وسياسات عدة بحسب السلطة صاحبة الأمر على الأرض فيها، واختلفت من منطقة لأخرى. ففي شمال شرق سوريا، التي انتقلت فيها السلطة من النظام إلى الإدارة الذاتية التي يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي هناك. سارعت الأخيرة إلى بناء إدارات ومؤسسات ووزارات تتولى إدارة شؤون المنطقة والتحكم بكل مفاصل الحياة فيها، إلى جانب بقاء الدوائر الحكومية في بعض مناطقها.
فأصبحت المنطقة مسرحاً لصراع بين سلطتين تحاول كل منهما بسط سلطتها وفرض مناهجها التعليمية. حيث بدأت الإدارة الذاتية بفرض إدخال عدد من الحصص الدراسية للغة الكردية، ما لبثت أن قامت بإعداد مناهج دراسية كاملة بدءاً من الصفوف الأولى ووصولاً للصف الثالث الثانوي الذي سيبدأ تطبيقه السنة الدراسية القادمة 2020-2021. كل هذا مع الرفض المتواصل من قبل النظام لهذه المناهج، وحصول مواجهات بين الطرفين عدة مرات تم خلالها إغلاق المدارس ليعاد فتحها بعد تسوية واتفاقات بين الطرفين.
وكما هو معروف فالمناطق الشمالية الشرقية من سوريا تعتبر من المناطق النامية التي عانت طويلاً من الإهمال المتعمد في المجالات كافةً. فلا منشآت صناعية حتى تلك التي تعتمد على موارد المنطقة من موادها الأولية الزراعية والحيوانية، ولا حقولها النفطية حظيت بمصافي النفط وتكريره، وكذلك قطاعها التعليمي كان له من الإهمال النصيب الكبير فقد واجه أبناؤها صعوبات كبيرة في متابعة تعليمهم وتحصيلهم العلمي، خاصة بعد المرحلة الثانوية. فكانت الدراسة الجامعية حلماً حُرم الكثيرون منه لعدم وجود جامعات وكليات في المنطقة. ما منع متابعة تعليمهم. إن كان لفقر الحال أو نتيجة العادات الاجتماعية التي تمنع الأهل من إرسال أبنائهم إلى المحافظات الأخرى لاستكمال دراستهم وخاصة الإناث منهم.
في العام 2006 صدر القانون رقم 33 الذي تم بموجبه إحداث جامعة الفرات في المنطقة الشرقية. وافتتحت فيها 25 كلية وافتتح فرع لها في محافظة الحسكة تضم ثماني كليات وهي (كلية الهندسة المدنية، كلية الاقتصاد، كلية الهندسة الزراعية، كلية الحقوق، كلية طب الاسنان، كلية العلوم، كلية الآداب) وذلك ضمن مدارس عادية تم استخدامها للدراسة الجامعية تفتقر للبناء الجامعي المطلوب بتجهيزاته وقاعاته ومستلزماته، ونقص في الكوادر التدريسية من حملة شهادة الدكتوراه المؤهلين للتدريس فيها ونقص الكفاءات وبنظام إداري لا يخلو من الفساد والسمسرة.
(س.أ) طالبة في كلية الآداب: “خلال سنوات الحرب واجه الطلاب صعوبات كبيرة في الوصول إلى الجامعة نتيجة الخوف وقطع الطرقات، كما أن الكليات تعاني من النقص في المجالات كافة، وانتشار نظام السمسرة والفساد حيث يتم استصدار وثائق تخرج غير نظامية أو ترفيع مواد مقابل مبالغ مالية. لكن رغم كل ذلك تحقق حلمنا بمتابعة الدراسة في مناطقنا”.
التعليم ما قبل الجامعي:
مع سيطرة الإدارة الذاتية على المنطقة، وفرض مناهجها عليها، بدأت المدارس تخرج تباعاً من تحت سيطرة النظام حتى انحصر التعليم وفق مناهجها على بعض المدارس كما في المربع الأمني وحي الطي بالقامشلي وقرى (حامو والقصير وخربة عمو وبعض القرى على طريق تل حميس) في ريف القامشلي وبعض المدارس في مركز مدينة الحسكة حيث بقي ما دون 400 مدرسة يتم التعليم فيها وفق مناهج النظام من أصل 2423 مدرسة يدرس فيها 108362 طالباً وطالبة وازدياد عدد المتسربين إلى ما يقارب 161600 طالباً وطالبة بحسب إحصائيات مديرية التربية بالحسكة. بالإضافة للمدارس الخاصة المسيحية التابعة للكنيسة، والتي تم إغلاقها عدة مرات لمنع تدريس مناهج النظام فيها، إلى أن أُعيد فتحها بعد الاتفاق مع الكنيسة على عدم قبول الطلاب الكرد فيها. ويعانى طلابها من صعوبات كثيرة، منها كيفية الوصول إليها بعد أن أصدرت إدارة المرور قانوناً بمخالفة العربات التي تنقل الطلاب إليها.
(أ.ع) 32 عاماً أم لثلاثة اطفال “أرسلت ابنتي إلى مدرسة الأمل الخاصة في القامشلي التي تُدرس مناهج النظام فيها رغم رغبتي في تعلمها لغتها الكردية التي يتم التدريس بها في مدارس الإدارة الذاتية، لكن عدم الاعتراف بشهاداتها منعني من ذلك”.
وتتابع: “واجهنا صعوبة كبيرة في قبولها في المدرسة بسبب عدم قبول الطلاب الكرد فيها بناءً على طلب الإدارة الذاتية. كما أنني أصطحبها يومياً لمسافة طويلة سيراً على الأقدام لعدم تأمين سيارة تنقلها للمدرسة خوفاً من المخالفة والعقوبة من قبل إدارة المرور التابعة للإدارة الذاتية”.
التغيرات التي طرأت على مناهج النظام:
تم إجراء تعديلات على المناهج الحكومية للعام الدراسي 2017-2018 حيث تم إنجاز وطباعة 50 كتاباً مدرسياً للمراحل كافةً ما قبل الجامعي دفعة واحدة وهي عملية تغيير كبيرة لم تشهدها العملية التعليمية من قبل، وتغير مختلف عما اعتاده السوريون. فلم تعد اللغة العربية المادة التي يشترط النجاح فيها للانتقال للصف التالي، وتم إدخال نصوص وقصائد بلهجات شعبية ومحلية. وفي مادة التاريخ تمت العودة إلى التاريخ القديم ما قبل الديانات السماوية اليهودية والمسيحية والإسلامية.
وأضحت محتويات هذه المناهج تخدم فكرة النظام ومواقفه من الدول والقوى الموجودة وتبرير وجهة نظرها والترويج لها. كما وقعت وزراة التربية مذكرة تفاهم مع وزارة التربية الإيرانية بتاريخ 23 كانون الثاني 2020 بحيث تتولى تعديل وطباعة المناهج الدراسية السورية في إيران.
الصعوبات والعقبات التي تواجه التعليم وفق مناهج النظام:
يواجه التعليم شمال شرق سوريا وفق مناهج النظام مشكلات وصعوبات تطال الطلاب والمعلمين على حد سواء، نتيجة لرفض الكثيرين متابعة الدراسة في مدارسهم التي وضعت الإدارة الذاتية يدها عليها. انتقل الطلاب إلى المدارس التي بقيت تابعة للنظام. ما تسبب في زيادة كبيرة لأعداد الطلاب في الصف الواحد، حيث تراوحت بين 60 و100 طالباً في بعض الصفوف ما أثر سلباً على سوية العملية التعليمية، واستفادة الطالب من المعلومات التي يتلقاها، وعدم قدرته على المشاركة والتفاعل مع الدرس وخاصة في المواد العلمية لحاجتها إلى المشاركة والتفاعل المتواصل. لذا يلجأ معظم الطلاب إلى الدورات الخصوصية بمبالغ كبيرة أملاً في تلافي النقص في المدرسة بغية تحصيل علامات عالية تؤهلهم لدراسة فروع جامعية يطمحون إليها.
(منال علي) معلمة “بعد تطبيق مناهج الإدارة الذاتية على معظم المدارس في المدينة وريفها شهدت المدارس المتبقية تحت سيطرة النظام ازدحاماً شديداً وتجاوز عدد الطلاب في الكثير من الصفوف 70 طالباً وطالبة في غرف صفية مجهزة لاستيعاب 30 طالباً وطالبة يجلس ربعهم على الأرض و بدوامين صباحي ومسائي. لذا لجأت إلى الاستفادة من الغرف الإدارية وتحويلها إلى صفوف لتخفيف الضغط”.
وتضيف علي: “هذه الزيادة سببت ضغطاً وإرهاقاً للمعلمين، وصعوبة في ضبط الصف وإيصال المعلومة، ومعرفة مستويات الطلاب لعدم القدرة على اشتراكهم جميعا بشكل مستمر في الدرس والتعرف على الفروقات الفردية بينهم والمشاكل النفسية والصحية للكثيرين منهم”.
وتتابع ” بعض المعلمين لهم نصاب كامل من الحصص الدرسية. وفي بعض المناطق يراجع المعلم المجمع التربوي ليوقع على حضوره اليومي ليعود إلى البيت دون دوام. وبعضهم تم تعيينهم في القرى التي بقيت تدرس مناهج النظام فيها، وهؤلاء يجدون صعوبة في تأمين سيارة لنقلهم وبأجرة عالية ما يشكل عبئاً مادياً عليهم مع تدني الرواتب. فأنا مثلاً أتقاضى راتباً شهرياً قدره 61 ألف ل.س بعد خدمة 19 عاماً في التدريس وهي لا تساوي شيئاً في ظل تدهور الليرة السورية والغلاء الفاحش وارتفاع الأسعار الكبير”.
وبذلك يبقى التعليم في شمال شرق سوريا وفق مناهج النظام يتأرجح بين تدني مستواه وصعوبة التحصيل العلمي الجيد وفق مناهجه المعدلة، وبين الحصول على شهادة معترف بها من قبل النظام يسعى إليها أبناء المنطقة.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”