fbpx

اتفاقية الهدنة، تساؤلات واستنتاجات!

0 90

تتحدّث اخبار الأربعاء، 22 نوفمبر، عن توصّل إسرائيل وحماس إلى اتفاق رهائن وهدنة بعد أسابيع من المفاوضات المضنية. أيّدت إسرائيل وحماس اتفاق إطلاق سراح الرهائن والهدنة التي ستشهد إطلاق سراح 50 رهينة إسرائيلية في غزة، جميعهم من النساء والأطفال، مقابل إطلاق سراح 150 فلسطينياً. ويتضمن الاتفاق وقفا للأعمال القتالية لمدة أربعة أيام، ويأتي في الوقت الذي لم تبدأ فيه إسرائيل بعد حملتها العسكرية في جنوب غزة، حيث تعتقد أن قيادة حماس تختبئ هناك.

ومع بدء الهدنة، والتي قد تكون يوم الخميس، ستتعرض إسرائيل لضغوط دولية متزايدة لعدم استئناف القتال، كما أنها ستمنح بلا شك مقاتلي حماس مجالاً للتنفس لإعادة تسليح أنفسهم وإعادة تجميع صفوفهم. وستكون قيادة حماس في حاجة ماسة إلى تحويل الهدنة إلى وقف دائم لإطلاق النار.

تساؤلات من أجواء الاتفاق:

– ألا يؤشّر سيناريو الهدن إلى مصلحة إسرائيلية/ حمساوية في استمرار لعبة الاشتباك والتخادم المتواصلة منذ وصول حماس إلى السلطة خلال 2007، على حساب وحدة الفلسطينيين الشعبية والسياسية، وعلى حساب شروط قيام تسوية سياسية، وثمن هائل من التضحيات والخسائر المادية والبشرية؟

– ألا يكشف عدم جدّية واشنطن في تبنيها لهدف قيام حل سياسي، وتوافق الجميع على استمرار لعبة تدمير مقوّمات الحياة الإنسانية لملايين الفلسطينيين، وشروط قيام الحد الأدنى من الدولة الفلسطينية؟

لنتابع بعض الملاحظات، استنادا الى ما ورد في تعقيبات بعض مصادر الصحافة الإسرائيلية:

1- كان لقطر شرف الإعلان عن الأخبار السارة المتمثلة في استكمال المفاوضات من أجل إتمام صفقة إطلاق سراح الرهائن الذين تحتجزهم حماس.

2- يتضمن الاتفاق شروطاً حاولت الحكومة إسرائيلية تغييبها عن الرأي العام في إحاطة يوم الثلاثاء 21.

البند الأكثر إثارة للاهتمام في الاتفاقية والذي تم تجاهله في الإحاطة الإعلامية من قبل المسؤولين الإسرائيليين كان الموافقة على سحب قواتها من طريق صلاح الدين، الشريان الرئيسي بين شمال وجنوب غزة والطريق الوحيد لآلاف النازحين من غزة، كما وافقت حكومة الحرب على عدم منع المدنيين من السفر على متنه حتى لو كانوا يتجهون شمالاً، بما يعني عمليا أنّه سيكون أمام مقاتلي حماس خمسة أيام متواصلة للتنقل ذهاباً وإياباً بين شطري القطاع.

ألا تُدرك القيادة الإسرائيلية جيداً أنها ستمنح حماس وقتاً حرجاً لإعادة تنظيم قواتها؟.

3- تؤكّد حيثيات الاتفاقية ونتائجها أنّ حماس هي الطرف الرئيسي المحاور للحكومة الإسرائيلية، وستبقى كذلك على الأرجح في اليوم التالي.

في تفاصيل الاتفاق، ثمّة إدراك واعتراف بمنح قيادة حماس العسكرية وقتاً حرجاً لإعادة تنظيم قواتها، إضافة إلى ضرورة إجراء مزيد من المحادثات مع القيادة السياسية بشأن إطلاق سراح المزيد من الرهائن، بما في ذلك الجنود الذين تحتجزهم حماس والمدنيون الذين تحتجزهم جماعات أخرى.

رغم أن قطر ومصر والولايات المتحدة (وغيرهم) عملوا كوسطاء، إلا أن الاتفاق تم بين إسرائيل وحماس.

من نافل القول أنّ متطلّبات المفاوضات مع قيادات حماس في الخارج، مثل إسماعيل هنية وخالد مشعل، وكذلك مع يحيى السنوار في غزة، وجّبت على الراعي القطري/الأمريكي حصول ضمانات إسرائيلية بالحفاظ على حياة وأدوار المفاوضين. فهل نستطيع أن نتخيل ما كان يمكن أن يكون عليه مصير الرهائن أو فرص التوصل إلى أي اتفاق، إذا ما قامت إسرائيل بالقضاء على السنوار أو تحييد القادة خارج غزة؟!.

المنطق يقول أنّه إذا كانت إسرائيل لا تنوي التخلّي عن أهداف إعادة كل الرهائن إلى وطنهم، فإنها والدول الوسيطة سوف تحتاج إلى شريك في غزة قادر على تنفيذ الاتفاق. أليس من المعقول الافتراض أن مسألة الاغتيالات المستهدفة لقادة حماس، سواء في غزة أو في الخارج، قد أثيرت في المحادثات بين إسرائيل وقطر والولايات المتحدة، كما أنّه من المعقول الافتراض أن قادة حماس أصرّوا على ضمانات لحياتهم الشخصية والسياسية: البقاء مقابل الرهائن واستعدادهم للدخول في مزيد من المفاوضات!.

4- من المفيد توضيح طبيعة وأبعاد دور الحكومة القطرية، يبدو جلياً أنّها كانت الوسيط الرئيسي بما تملكه من وسائل الضغط على حماس، ومن المرجح أن تكون هي التي تحدّد ما إذا كان يمكن لقيادتها البقاء سياسياً إذا أصبحت غزة تحت الاحتلال الإسرائيلي.

بالمقارنة مع دور مصر، التي تميّزت بدورها التكتيكي كوسيط بين حماس وإسرائيل (ويرجع ذلك أساساً إلى سيطرتها على معبر رفح الذي كان بمثابة أنبوب إمداد لقطاع غزة ونظام حماس)، فإن لحكومة قطر دوراً استراتيجياً، بما يشكّله دعمها المالي كـ ماكينة صرّاف آلي، توفّر الأموال لحكم حماس في غزة وقيادتها في الخارج، وليس فقط الأموال في الحقائب التي سمحت إسرائيل بدخولها إلى غزة، فالمساعدة الهائلة التي قدمتها للمنظمة على مدى عقود، واللجوء السياسي الذي منحته لقيادة حماس في الخارج، منحتها حرية العمل السياسية، وخاصة الاقتصادية، في هذا الصَّدد، المثير للاهتمام هو طبيعة العلاقات القطرية – الأمريكية.

قطر هي الشريك الاستراتيجي الأقرب للولايات المتحدة، وهي التي تحتضن مقرّ القيادة المركزية الوسطى للجيش الأمريكي، ومن أكبر المستثمرين في الشركات والمؤسسات الأمريكية، ومن غير الموضوعي تخيّل أن تقوم بأدوار سياسية تتعارض مع مصالح وسياسات واشنطن، ومن المؤكّد أنّ الشيخ تميم آل ثاني، الذي وصل إلى السلطة في أعقاب حادث اغتيال السفير الأميركي في ليبيا عام 2013، كان يستمع بعناية لمطالب بايدن إلى الكونغرس بفرض عقوبات على الدولة الصغيرة والغنية، عند الحاجة.

ضمن هذا السياق العام، نفهم طبيعة ما يبدو من ازدواجية في سياسات قطر:

في حين لم يدينوا هجوم حماس واتّهموا إسرائيل بارتكاب جرائم حرب خلال حرب غزة، عقدوا اجتماعات عمل في الدوحة مع رئيس الموساد ومسؤولين إسرائيليين آخرين لإنهاء محادثات الرهائن، ومن غير المستبعد أن تكون قد رتّبت لقاءات مباشرة!

وما دامت لعبة الحرب مستمرة، فإن قيادة حماس تدرك أن وجودها كمنظمة داخل غزة وخارجها سوف يعتمد على الدعم المستمر من قطر التي لا تملك قيادتها ترف الاجتهاد في قضايا تمسّ سياسات واشنطن.

في موافقة الولايات المتّحدة الضمنية على بقاء دور سياسي لحماس يجعلنا نفترض أنّها تغضّ النظر عن واقع عدم موضوعية أن تتخلى حماس عن أنشطتها العسكرية، بما فيها الاحتفاظ بقواعد لها في لبنان، وتطوير معاقل لها في سوريا، وتوسيع أنشطتها في الضفة الغربية، وتكون لاعباً في اليوم التالي.

في خلاصة القول، ألا تدلّل تلك الاستنتاجات إلى عدم جدّية ما تعلنه واشنطن من حرصها على أن تنتهي الحرب بما يعزز شروط السلام وفقا لحل الدولتين تلبية لشروط التطبيع السعودي/الإسرائيلي، وبالتالي انحيازها لمصالح إسرائيل وتقاطع سياساتها في الجوهر مع سياسات إسرائيل وحماس، الساعية إلى استمرار قواعد لعبة الاشتباك التي تُنهك الفلسطينيين وتقوّض شروط التسوية السياسية؟.

ألا تبيّن حيثيات لعبة الحروب والهدن، الإسرائيلية/الحمساوية وأهدافها وأدواتها الفلسطينية، حرص قوى خَيار مسار الحرب والتهجير والتدمير – اليمين الإسرائيلي واشنطن، وبالتالي طهران – على تعزيز دور حماس – قطر، على حساب أدور أخرى، داعمة لمسار الحل السياسي – السلطة الفلسطينية ومصر والسعودية؟.

أليس من واجب النخب السياسية الوطنية الديمقراطية، الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، والرافضة لاستمرار حمّام الدم الفلسطيني، أن تكشف خفايا العلاقات الجدلية بين شركاء خَيارات الحرب وما نتج عنها، وتعمل على تكريسه؟.

هل يكفي أن نوصّف ما نتج عن سياسات إسرائيلية يمينيّة واعية منذ 1995، بعد قتل رابين، من تهميش عوامل التسوية، خاصة على صعيد إضعاف السلطة الفلسطينية، والانحياز إلى أخطر نتائجها – لعبة الاشتباك بين حماس واليمين الإسرائيلي؟.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني