حديث بشار الأسد لقناة SKY NEWS عربية.. نكران واقع و”فزلكة” كلامية
لم يخف الأسد في حديثه لقناة سكاي نيوز عربية انزعاجه من الأنظمة العربية التي دعته لحضور القمة العربية في السعودية، فهو كعادته، يقرأ الأحداث كما يشتهي، وليس كما تحدث في الواقع، وهذا فصام يعيش فيه منذ زمن بعيد، وعلى مبدأ وزير الدعاية الهتلري “غوبلز” الذي يتلخص بالقول ” أُكذب ثم أكذب فسيصدقك الآخرون”، مارس بشار الأسد هذا المبدأ حتى بات لا يقرأ الواقع كما هو بل كما يريده أن يكون.
فبعد حضوره القمة العربية، وعدم التزام نظامه بمخرجات قمة عمان الخماسية، اكتشف أن دعوته لحضور القمة والانفتاح العربي عليه يتطلب منه تنفيذ تعهداته للعرب، وفي مقدمة هذه التعهدات، التوقف عن إنتاج الكبتاغون، وعدم محاولة تهريبه نحو دول الخليج العربية، والالتزام وفق برنامج زمني محدّد بعودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم، دون أي إجراءات تُلحق الأذى بهم، والعمل على دفع عملية التفاوض على قاعدة القرار 2254، التي ترعاها الأمم المتحدة، للتوصل إلى حل سياسي يضمن السلام المستدام في البلاد، وتغيير بنية الدولة من وضعها الحالي كدولةٍ أمنية شمولية لتصير دولة دستور ومؤسسات قانونية ومواطنة.
الأسد في حديثه لقناة “سكاي نيوز عربية” قال: “إن العلاقة مع الدول العربية ستبقى شكلية، والجامعة العربية لم تتحول إلى مؤسسة بالمعنى الحقيقي”.
هذا الكلام، يكشف أن أسد لم يستطع فرض رؤيته للتطبيع مع الدول العربية، وملخصه، أني جئتكم منتصراً على شعبي، ويجب أن تعترفوا لي بهذا الانتصار.
الأسد بهذا الحديث رفض الانخراط بتنفيذ المبادرة العربية، والتي تقود إلى حلٍ سياسي، يُنهي الكارثة السورية، التي سببتها سياسة نظامه القمعية والمدمرة بحق الشغب السوري.
الأسد اعتقد أن بإمكانه إخضاع دول الخليج العربية الغنية بضخ الأموال لنظامه تحت مسمى “إعادة الإعمار” من خلال تهريبه للكبتاغون إلى هذه الدول، هذه الأموال ستساعده على إعادة تأهيل نظامه إقليمياً ودولياً وكأنه لم يرتكب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حربٍ موثّقة. فهو يستخدم خطر الكبتاجون تصنيع وتجاره وتهريب المخدرات والكبتاجون كسلاح تهديد وابتزاز ضد خصومه ومن يطالبه بالإصلاح السياسي او تطبيق المبادرات السياسية او التنحي عن السلطة.
وهذا يذكرنا بما فعله في السنوات الأولى للثورة بدعم ومؤازرة حلفائه في تأسيس وإنشاء ودعم تنظيم داعش الإرهابي وتسيير سيطرته ونفوذه لتهديد الدول الإقليمية والغرب وابتزازهم في معادلة إما أنا أو الإرهاب (والذي صنعه وأنتجه مخابراتياً).
الأسد يقوم بإلقاء اللوم على غيرة لخلط الأوراق. فهو لم يوفّر تركيا من الهجوم الكلامي عليها، فهو قال بالحرف الواحد: “الإرهاب الموجود في سورية هو صناعة تركية، جبهة النصرة، أحرار الشام، هي تسميات مختلفة لجهة واحدة كلها صناعة تركية وتموّل حتى هذه اللحظة من تركيا، إذن عن أي إرهاب يتحدث”.
الأسد لا يريد أن يعترف أنه بقصفه للمدن السورية والبلدات والقرى دفع ملايين السوريين للجوء إلى تركيا، ولا يريد أن يعترف بأن هذا القصف المدمّر هو إرهاب نظام متسلّط على الشعب بقوة أجهزة مخابرات تكره هذا الشعب، وتنظر إليه على أنه ملحق بمزرعة الأسد، ولهذا فهو لا يريد الحوار مع الحكومة التركية، مدعياً أنها تحتلّ أراضٍ سورية، في وقت تعيش فيه سورية فلتاناً أمنيّاً.
الأسد لا يريد الحوار مع تركيا، لأنه يعرف أن عودة اللاجئين السوريين الهاربين من بطشه منها ستغيّر من مخططه المسمّى “سورية المفيدة”، وأن عودة اللاجئين ستكون بضمانات دولية، وهذا يعني كفّ يد القمع عن السوريين، ويعني أيضاً أنه سينفّذ مضمون القرار 2254/2015.
الأسد الذي أتى بكل الميليشيات الأجنبية ذات البنية الطائفية الكريهة، لا يهمه سوى أمرٍ واحدٍ، وهو احتفاظه بالسلطة المتوارثة حتى أبد الآبدين، ولهذا لا يرى أنه خرّب النسيج الوطني السوري، ويحاول تخريب تعايش المكونات الوطنية السورية المختلفة، كل ذلك من أجل أن يبقى محتفظاً بسلطة غير شرعية، بل سلطة انتهكت كل قوانين البلاد والقوانين الدولية، من خلال ارتكابها لجرائم كبرة وثّقتها منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية.
حديث الأسد لقناة سكاي نيوز عربية هو حديث من لا يرى الأحداث في الواقع، وإنما يمكن اعتباره حديثاً مليئاً بالأوهام السياسية، والاقتصادية، محليّاً وإقليمياً ودولياً. فهو، وكأنه قد صدّق كذبته بأنه انتصر على الثورة السورية، التي سمّاها منذ بداية المظاهرات السلمية بأنها (مؤامرة كونية على نظام حكمه)، متناسياً عن عمدٍ بأن بقاءه في كرسي الحكم حتى اللحظة يقف خلفه الدعمين الكبيرين للنظامين الروسي والإيراني. ومتناسياً أن قوى الثورة السورية كانت تقف على مشارف قصر حكمه في دمشق.
الأسد في هذا الحديث المكشوف للجميع، لا يريد تنفيذ القرارات الدولية بشأن الحل السياسي في سورية، ولا سيّما القرار 2254. لأنه ببساطة يدرك أن الحل السياسي لن يبقيه في السلطة أبداً، ولذلك يزيد من إيهام ذاته بأنه انتصر على قوى الثورة والمعارضة والشعب السوري معهما، ومن حقه في هذه الحالة أن يفرض شروطه على المهزومين وفي مقدمتهم دول الخليج العربية التي ساندت التغيير في سورية.
الأسد ظهر في حديثه لقناة سكاي نيوز عربية على أنه في قطيعة مع كل رؤية سياسية تطالب بتنفيذ القرار 2254، وأنه يجب أن ينظر إليه على أنه كافح الإرهاب بقتله للمدنيين الذين هتفوا مطالبين بالحرية ودولة القانون والمؤسسات الدستورية.
هذا الحديث، يجب أن يُقرأ بعناية من الدول العربية، التي راهنت على تطبيع علاقاتها معه، فهو انكشف بصورة نهائية على أنه نظام مافيوي يعيش خارج الواقع ولا يرى العالم إلا من خلال مصالحه الضيّقة، وبالتالي فهو نظام يشكّل خطراً ليس على السوريين المكتوين بناره فحسب، بل خطراً على استقرار إقليم الشرق الأوسط برمته، وخطراً على الاستقرار العالمي.
فهل ستضع دول العالم الحرّة خطة لاستئصال هذه المافيا التي باتت جرائمها تهدد السلام العالمي، وهل ستدرك الأنظمة العربية أن نظام أسد بات عالة على حليفيه الروسي والإيراني، وأن اجتثاثه سيكون أقل كلفة من محاولة واهمة لإصلاحه.
الأمر يتعلق بتغيير التوازنات العسكرية والاقتصادية والسياسية في سورية، فهل ستذهب دول العالم الحرة إلى خيار هزيمة حليفي النظام روسيا وإيران في حلقة الصراع السورية؟
الصيرورة التاريخية والبدهيات والثوابت الإنسانية والحقائق لا يمكن محاربتها ومجابهتها والانتصار عليها، فنهاية المجرمين بشار وماهر وأسماء محتمة وإمامهم أما الانتحار كما فعلها هتلر وزوجته وغيرهم من المجرمين السلطويين أو القتل على يد شعبه أو حبل العدالة أو الهروب. ويشك بأن هؤلاء يسعون للموت ليصبحوا أبطالاً.
الواقع الحالي يشير إلى اقتراب النهاية لإسقاط نظام فاشلٍ مجرم، وتهيئة قوى سورية شريفة من كل المكونات لتكون البديل الانتقالي في سورية الذاهبة إلى بنيتها المؤسساتية المطلوبة داخلياً وإقليمياً ودولياً. فهل اقتربت ساعة الصفر لإسقاط نظام الخطر الأسدي في سورية؟.