لمى عبّاس والضغط على آلام الجوع والفساد.. من يقف خلف احتجاجاتها؟
القبضة الأمنية الفظيعة لأجهزة أمن نظام أسد لعبت دوراً في سحق أي احتجاج سياسي كان أم اقتصادي أم غير ذلك. القبضة الأمنية هي من جعل الحياة في كنف نظام فاسدٍ صعبة وقاسية ومريرة، وتحوّل الناس في ظلّ هذا التحطيم المنظّم إلى مجرد قطيع بشري، مهمته تنفيذ سياسات يتخيّلها (ربّ البيت السوري) كما كان يصف نفسه الديكتاتور الأكبر حافظ الأسد المنحدر من أسرة كنيتها الوحش.
لمى عباس التي والت عداء بشار الأسد ونظامه الأقلوي، لم تتخيّل يوماً أن ما جرى للسوريين من تجويع سبقه إفقار مدروس سيلحق بها وبقطيع الموالين أمثالها، فحين تفجّرت الثورة السورية وقفت المذكورة ضدّ مطالب الإصلاح السياسي والدستوري في البلاد، كما أنها شاركت في عمليات ضرب المتظاهرات، حيث تهجّمت بالضرب على شهيدة الثورة مي اسكاف وعلى كثيرات من النساء اللائي خرجنا مع أبناء الشعب للمطالبة بتغيير الأوضاع البائسة، التي يفرضها أسد ونظام مخابراته على السوريين.
غسل الدماغ الذي فعله النظام الأسدي بحاضنته الأقلوية، كان يرتكز على مفهوم مضلل كاذبٍ، فهو وصف الحراك السلمي منذ البداية بأنه مؤامرة كونية على نظامه، وأن هؤلاء المتظاهرين ليسوا أكثر من أدوات بيد قوى خارجية، تريد تدمير سورية من الداخل، وأن هؤلاء مجرد إرهابيين سيقتلعون الطائفة العلوية ويقومون بطردها أو تصفيتها.
هذا الخطاب تختبئ خلفه الامتيازات التي يحصل عليها موالو النظام على كل الأصعدة، من حيث الدراسات العليا، وشغل المناصب الهامة في مؤسسات الدولة العليا، وسرقة فرص العمل، وكذلك في قطاعات الجيش والأمن، فهذه المفاصل الهامة لا يمكن أن يشغلها غير البطانة الطائفية التي يمنحها النظام سلطة تستمد قوتها من سلطته.
لمى عباس عاشت هذه الحالة، ولم تكن في أي يوم ذات خطاب إعلامي وطني منحاز لقضايا الشعب السوري وكرامته، الوطنية عندها، تعني الاستغراق بالولاء للنظام ورأسه بشار الأسد، وهي ترى القضية الوطنية بكليتها من خلال ما يعلنه النظام الأسدي.
هذه الحالة التي تمثلها لمى عباس، ليست حالة خاصة بشخصها، إنما يتبنى كثيرون من الحاضنة الأقلوية هذا الفهم والانتماء، ولكن حين بلغت الكارثة حدوداً لا تطاق، ظهرت المدعوة لمى لتحمّل حكومة عرنوس المسؤولية في ذلك، وكأن الفساد والقتل والتدمير ليست صناعةً أسدية، بل من شغل حكومة فاسدة.
هذا الاستهزاء بعقول الناس في الحاضنة الأقلوية يكشف عن أمرين اثنين، أولهما تنزيه آل الأسد عما وصلت إليه البلاد من تمزقٍ واحتلالات وفساد لا مثيل له في العالم، وثانيهما تحميل وزر الجرائم والجوع والفساد لبطانة النظام، وكأن هذه البطانة هابطة بمظلات من السماء لشغل مناصب الوزارات، وليست منتقاة من أجهزة الأمن المختلفة وبدقة شديدة، فنظام يقوم على سلطة أسرة من لصوص الثروات الوطنية وفي مقدمتها النفط والغاز والتجارة الخارجية وصانعي المخدرات بأنواعها، لا يمكنه أن يقود دولة كما تتوهم لمى عباس وأمثالها.
لمى عباس وجيش الموالين المدافعين عن نظام قاتلٍ للسوريين، ومدمرٍ للبنية التحتية في كثير من مدن وبلدات البلاد ما كانت لتظهر في تسجيل شخصي (فيديو)، لولا أن الجوع أنشب أنيابه في لحم بطنها، فهذا الصراخ حقيقي ويعبّر عن مستوى إذلال الجوع الممارس بحق جمهور حاضنة النظام الأسدي.
هل خدم ظهور المدعوة لمى عباس بتصوير فيديو شخصي وحديثها عن الأوضاع الاقتصادية التي لا تطاق النظام؟ وهل عملية اعتقالها محاولة من النظام وأجهزة الأمن على أن الأمر ليس أكثر من تحقيق حول صحة ما تناولته في حديثها من أوضاع؟.
يمكننا القول، إن الجوع البشري لا أب له ولا أم، والجائع قد يقتل من أجل تأمين طعام أطفاله وأسرته، هذا الجوع، يحتاج إلى فعلٍ لا يمكن أن يتساوى مع فعل تأييد نظام استبدادي، فالجوع هو موت بطيء، بينما موالاة نظامٍ ينبغي لها أن تساعد الناس في تحسين ظروف حياتها المعيشية.
هل أدركت لمى عبّاس الحقيقة متأخرة؟ وهل اكتشفت أن جوعها يرتبط كل الارتباط بجرائم نظام أسد قبل الثورة السورية وبعدها؟ وهل يمكنها أن يكون حديثها فاتحة ثورة الجوع في الساحل السوري وجباله؟.
لمى عباس قليلة الحيلة السياسية، لأنها أوكلت رأسها لغيرها، فمنذ البداية تشكّك قطيع الموالين والمدافعين عن نظام فاسد قاتل ليس للسوريين فحسب، بل لدول الجوار المختلفة، لهذا فهو يمثّل خطراً على الشعب السوري وخطراً على شعوب البلدان المجاورة.
لمى عباس تفكر برد الجوع عن نفسها وأمثالها وتتناسى أن ما آلت إليه أوضاع الناس المعيشية ليس مصدره كما يكذب نظام أسد ويقول إن الحصار الدولي عليه هو سبب الفاقة.
هل الحقيقة يمكن تغطيتها بغربال؟ لا يمكن ذلك أبداً. فالنظام الذي رمى بأكثر من ثمانين ألف برميل على الشعب السوري هو من دمّر اقتصاد البلاد، وهو من يجب اعتقال رأسه بشار أسد واعتقال بطانته وكل من ارتكب جرائم حرب ضد السوريين لتقديمهم إلى محاكم عادلة.
لمى عباس ومعها موالو الأسد يجوعون، وجوعهم يقف خلفه نظام فاجر حاقد مخادع، خدعهم وقادهم إلى ما هم عليه.
فهل نتوقع أن الجوع الذي صنعه نظام البراميل والسلاح الكيماوي وتصنيع وتهريب وتجارة المخدرات والكبتاجون للديكتاتور بشار أسد، المتلاعب بعقول وعواطف وأرواح ومستقبل حاضنته، قد بدأ يحفر في هذه الحاضنة طريق خلاصهم من هذا الموت الزؤام؟.
إن دائرة المحتجين تتسع باتساع فجوة جوعهم، وكما قيل “لا فلسفة لجائع” كذاك لا سكوت بعد اليوم على نظام لا يحترم سوى غرائزه وجيوبه ورفاهيته، وهو مؤمن كل الإيمان أن من يسمون أنفسهم شعباً ليسوا أكثر من عبيدٍ في مزرعة آل الأسد المنتنة.