fbpx

الاقتصاد السوري والنزوح نحو الدولرة

0 614

ما تزال الليرة السورية تواصل وبقوة مسيرتها نحو الانهيار وفقدان القيمة في اقتصاد منهك ومدمر و يعاني من ويلات الحروب وتسلط العصابة المستبدة حيث وصل سعر صرف الليرة السورية إلى تاريخ كتابة المقال إلى حوالي 1800 ليرة سورية مقابل كل دولار أمريكي بعد أن كان يساوي تقريبا 47 ليرة مقابل كل دولار أمريكي قبل بداية اندلاع الانتفاضة السورية أي أنها هبطت بنسبة 29 ضعف ما دفع بالكثير من السوريين ومنذ نهاية عام 2012 وفي شتى المناطق للتحوّل إلى استعمال عملات بديلة في تعاملاتهم اليومية لفقدان الثقة بالليرة وعدم قبولها في كثير من التعاملات والتبادلات ما بدا أنه بداية النهاية لما يسمى العملة الوطنية.

التسلسل الزمني لانخفاض سعر صرف الليرة السورية

أهم أسباب انهيار الليرة السورية خلال العقد الماضي:

1- حرمان النظام من 5.5 مليار دولار من عائدات النفط والغاز كان يجنيها قبل الثورة وذلك بسبب دمار البنى التحتية لهذا القطاع وخروج القسم الأكبر منه عن سيطرته.

2- توقف شبه كامل لعائدات السياحة التي كانت تقدر بحوالي 8 مليار دولار. عام 2010

3- توقف الاستثمارات الأجنبية الخارجية والتي كانت تقدر بحوالي 8 مليار دولار حتى عام 2011

4- انخفاض الصادرات السورية لدول الجوار والعالم من 12 مليار دولار إلى 500 مليون دولار.

5- دمار هائل في البنية التحتية الصناعية والزراعية.

6- زيادة عجز الميزان التجاري إلى 6 مليار دولار تقريبا حتى عام 2019

7- انخفاض إيرادات الضرائب والرسوم من حوالي 7 مليار دولار سنوياً قبل الثورة إلى أقل من مليار دولار 

8- تسرب أموال إلى خارج سوريا وتشير التقديرات إلى وجود 30 مليار دولار تم تهريبها وإيداعها في المصارف اللبنانية.

9- انعدام استقلالية المصرف المركزي وتبعيته المباشرة لأوامر القصر الجمهوري والجهات الأمنية. وتخبط قراراته النقدية ما أدى إلى اضمحلال الاحتياطي النقدي وتحوله إلى جيوب المتنفذين من النظام وأعوانه وبالتالي عدم قدرة الجهاز النقدي على تمويل المستوردات الخارجية.

10- التكلفة الباهظة للحملة العسكرية التي يشنها النظام على الشعب والتي قدرت بعشرات المليارات من الدولارات 

11- توقف خط الائتمان الإيراني الذي كان يمد النظام بين عامي 2013 و2017 بما يقدر بـ 8 مليار دولار 

12- الأزمة الاقتصادية والنقدية في لبنان والتي أدت إلى شح القطع الأجنبي في لبنان وبالتالي عدم قدرة المصارف اللبنانية لعب دور الوسيط بين التجار السوريين والمصدرين من العالم.

13- وأخيرا الصراع الحاصل بين نظام الأسد وكبار داعميه من رجال الأعمال وعلى رأسهم رامي مخلوف.

بعض تداعيات انهيار الليرة على الاقتصاد السوري

1- ارتفاع هائل في معدل التضخم وبالتالي الفقر بين السوريين حيث بينت آخر إحصائية تم نشرها أن 85 % من الشعب السوري يرزح تحت خط الفقر وبذلك يكون قد تخطى زمبابوي ومدغشقر.

2- ارتفاع أسعار الأدوية والمستلزمات الطبية ما أدى إلى تدهور في الخدمات الطبية وتأثير كبير على صحة المواطنين

3- زيادة معدلات الفساد بشكل كبير وكارثي.

4- انخفاض جودة البنى التحتية والخدمات من كهرباء وماء وغيرها لعدم القدرة على استيراد قطع الغيار والمواد الأولية المشغلة.

5- زيادة التفاوت الطبقي بين أفراد المجتمع السوري وظهور ما يعرف بأثرياء الحرب والذين أثروا بعمليات الاتجار بالعملة والتهريب وغيرها. مقابل تبخر ثروات ومدخرات كثير من الطبقة الوسطى في سوريا.

الاتجاه نحو الدولرة

في البداية لنعرف ما مفهوم الدولرة:

تعرّف الدولرة بأنها عملية تبني أو إحلال العملة الأجنبية محل العملة المحلية. وتتم عملية الإحلال إما بشكل كامل كأن تقوم الدولة باتخاذها عملة رسمية، أو بشكل جزئي كأن يعتمدها بعض الأفراد في تعاملاتهم. كما أن عملية الإحلال لا تنحصر بالدولار الأمريكي فقط بل تشمل اليورو أيضاً، وكلاهما يندرج تحت مصطلح الدولرة ويُلجأ اليها كردة فعل لعدم استقرار الوضع الاقتصادي الداخلي. 

فللنقود ثلاث وظائف رئيسية: وسيط للتبادل، مخزن للقيمة، وحدة حساب. وفي فترات التضخم المرتفع الناتج عن الزيادة المفرطة في عرض النقود وانخفاض أسعار الفائدة، فإن النقود الورقية تفقد وظيفتها كمخزن للقيمة فتقل قوتها الشرائية ما يدفع الجمهور إلى التخلص من العملة الضعيفة بشراء العملة الصعبة/الأقوى مثل الدولار، كوسيلة لضمان الاستقرار المالي وهذا ما يطلق عليه بالدولرة الجزئية. 

وقد تلجأ الدولة إلى عملية الإحلال الكامل بعد سلسلة طويلة من الأزمات الاقتصادية لكبح جماح التضخم وتحقيق الاستقرار في الاقتصاد الكلي.

الذي يحدث في سوريا الان هو دولرة جزئية:

منذ بداية انخفاض الليرة السورية وخصوصاً ما بعد عام 2013 بدأ الأفراد والشركات والتجار بالتعامل البيني بينهم بعملات بديلة بشكل جزئي أو كلي وهو في ازدياد تدريجي متناسب طرداً مع استمرار انخفاض سعر الصرف وقد يتفاوت من منطقة إلى أخرى في سوريا ففي مناطق سيطرة المعارضة في الشمال السوري نجد أن الوضع مدولر أكثر من مناطق قسد بسبب ارتباط مصادر الدخل بالمنظمات الدولية أو تركيا وبالتالي نجد استعمال الليرة التركية جنباً إلى جنب مع الدولار في التعاملات اليومية بالرغم من تذبذب سعر صرفها أما في مناطق قسد فنجد أن الليرة السورية ما تزال بشكل أو بآخر أكثر تداولاً بين الناس بسبب الوجود الشكلي للنظام في الحسكة والقامشلي واعتماد شريحة لا بأس بها من الناس على رواتبهم من قبل الحكومة السورية والتي تقدم بالليرة السورية وتجارة النفط والقمح وغيرها بين قسد والنظام السوري التي تتم غالباً بالليرة السورية.

أما في مناطق النظام فيتم استخدام الدولار الأمريكي للصفقات الكبرى وشراء العقارات وغيرها وحتى في بعض التعاملات التجارية وذلك بغض النظر عن القوانين التي سنها النظام والتي تحد من تداول الدولار في الأسواق والقيود المشددة التي فرضها على شركات الصرافة والبنوك.

هل يتجه النظام إلى دولرة كلية:

لا يعتقد ذلك ولأسباب عدة:

أولاً: تعتبر الدولرة انتقاص من سيادة النظام وقبضته على مفاصل الاقتصاد.

ثانياً: صعوبة تقنية حيث يجب توفر كتلة نقدية من البنكنوت أي العملة الورقية من الدولار ومن الفئات كافةً بين أيدي الناس. وإعادة تقييم السلع والخدمات بالدولار الأمريكي وهذا أمر شبه مستحيل مع بعض الخدمات والسلع وخصوصاً الخدمات الحكومية.

ثالثاً: وهو الأهم النظام يعتمد على سياسة نقدية تعتمد على ضخ كتلة نقدية محلية غير مغطاة لسداد التزاماته وقيمة هذه العملة تبادلية فقط أي أن قيمتها تنبع من إجبار الناس على استخدامها وبالتالي تشكل رافداً هاماً لاقتصاد النظام لا يمكن بشكل أو بآخر أن يتخلى عنه.

التوقعات المستقبلية:

• في مناطق سيطرة النظام:

سيستمر الوضع كما هو الآن مع انخفاضات متتالية ومستمرة لقيمة صرف الليرة وما يتبعه من نتائج سلبية على جيب المواطن الفقير.

• في مناطق المعارضة قد تتجه السلطات المحلية هناك لاعتماد عملة بديلة كالليرة التركية أو الدولار بشكل رسمي وفرض إيقاف التعامل بالليرة السورية وذلك للانعتاق من سلطة النظام النقدي وتأثيره على قاطني تلك المناطق. ولكن هذا القرار يحتاج أن تكون هنالك سلطة مدنية موحدة قادرة على تعميم فرض هكذا قرار.

• في مناطق قسد:

سيزداد استخدام الدولار الأمريكي لكن لا أعتقد أن قراراً سيصدر بمنع استخدام الليرة السورية للأسباب التي ذكرت سابقاً.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني