fbpx

قراءة في رواية “الطريق إلى الزعتري”

0 220
  • الكاتب: محمد فتحي المقداد
  • الناشر: دار عمار للنشر والتوزيع، الأردن
  • ط1، نسخة PDF، 2018م

محمد فتحي المقداد، روائي سوري، له العديد من الأعمال الأدبية، هذا اول عمل نقرؤه له.

الطريق إلى الزعتري، رواية تتحدث عن واقع الثورة السورية من منظور الروائي، تعتمد صيغة الكتابة الاخبارية، هناك راو متوار خلف الشخصيات، يكتب تارة عن الآخرين وما يعيشون من المتغيرات، ويضع احيانا بعض الشخصيات في حالة التكلم عن الذات، في خليط بأسلوب الكتابة، كما أن الكاتب لا يلتزم بخط زمني صاعد متواتر في الحدث الروائي، إلا بمقدار محدود، ليخدم السياق الروائي كما يراه، كما أن الرواية مكتوبة بطريقة الخطف خلفا، يعني من لحظة ما قريبة من خاتمة الحدث الروائي، التي أصبحت حاضرة في كثير من الأعمال الروائية.

تبدأ الرواية من المحامي خالد ابن إحدى قرى درعا (حوران)، وهو متواجد في احدى الدول الاوربية، حيث وصل في رحلة اللجوء السورية، إثر أحداث ثورتها، خالد المنتم للثورة، الذي حمل على عاتقه مهمة توثيق أحداثها، من البدء في قريته (موج) وامتداداً إلى درعا مهد الثورة السورية، يخوض في واقع الثورة من البداية حتى رحلة لجوئه.

يقلب خالد الدفتر الذي رصد به وقائع الثورة السورية، يبدأ من أطفال درعا الذين تأثروا بما نقلته لهم الفضائيات عن حراك ثوري طال تونس ومصر وليبيا وأدت إلى إسقاط انظمة قمعية استبدادية، كان من المستحيل أن تسقط قبل حراك الربيع العربي الذي بدأ في أوائل عام 2011م. مما شجع الناس في سورية على رفع الصوت أمام النظام الاستبدادي السوري، متجاوزة حاجز الخوف نسبياً، كما حصل في سوق الحريقة حيث تحدى مواطن شرطي، وتلاسن آخر مع وزير الداخلية، وأخبره أنه مواطن وإنسان. لم يسكت الأمن عن كتابة أطفال درعا على جدران مدارسهم، (جاك الدور يا دكتور، أو الشعب يريد إسقاط النظام)، فقد اعتقل الأطفال ونكّل بهم، ولم يستجب لأهلهم والوجهاء في درعا حول التجاوز عن فعل الاطفال، بل قُتل الأطفال وطرد الأهل بشكل مهين. أراد النظام أن يوصل رسالة تحذير وتخويف للشباب السوري وللشعب من ورائهم، أنه لن يسمح لأي طرف أن يتحرك في سورية، مطالباً بالحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية، مذكراً الناس بتاريخ قمع واستبداد وظلم وفساد استمر لعقود منذ عصر الأب حافظ الأسد وابنه بشار بعده. لكن الشباب الدرعاوي والسوري عموماً لم يكن ليقبل بأن يستسلم للقمع وردة فعل النظام تجاه بداية حراك التظاهر السلمي المطالب بالإصلاحات والديمقراطية، بدأت في درعا وامتدت إلى كل سورية رويداً رويداً.

تركز الرواية على قرية موج وكيف كانت مشاركتها، بادئة بثلاثة أصدقاء احمد ومحمد وخالد الذين نشؤوا في القرية منذ مراحل الدراسة الأولى، أحمد انتهى من دراسته وغادر إلى خارج القرية واستمر بالتواصل مع أصدقائه، ومحمد استقر في البلدة يعمل فيها، وخالد تابع دراسته الجامعية وأصبح محامياً، عندما بدأ حراك الشباب في التظاهر، كان الأصدقاء على تواصل، وكانوا منتمين نفسياً وواقعياً لهذا الحراك ولمطالبه الحقه، خالد اصبح جزء من الحراك منذ اللحظة الاولى، بدأ يتواصل مع المتظاهرين، ويقدم لهم العون والإرشاد، أما محمد فقد كان متابعا للثورة بترقب وحذر، يعرف أن النظام لا يرحم. كان ابنه يدرس في العاصمة دمشق، ويسكن المدينة الجامعية، كان قلقا عليه، تتوغل الرواية في حياة محمد حيث تعيش امه المعمرة في كنفه، تتذكر ان اباها كان من الثوار في مواجهة الفرنسيين وانه استشهد في الحرب ضدهم، وكذلك زوجها والد محمد الذي استشهد بمواجهة الصهاينة في حرب 1973م، وهي دائمة التذكر لهم والرحمة عليهم، أما محمد الابن فهو في القرية رجل له حضوره الاجتماعي ويلتقي بشكل دائم بصديقه المحامي خالد ويتبادلان الزيارات والتواصل، وعندما بدأ حراك الثورة أصبح تواصلهما مستمراً، وكانا يبحثان كل مستجد، خالد من موقعه كقائد معنوي للشباب المتظاهر في البلدة ومحمد من خلال حضوره الاجتماعي. بدأت القرية بالتفاعل مع الثورة التي توسعت على رقعة سورية كلها، وبدأ الشباب بالتجمع في المسجد الكبير في القرية والخروج بالتظاهر، خاصة أيام الجمع، وكان الأمن يجمع قواته ويواجههم، وسرعان ما استعمل النظام السلاح، وأدى لسقوط الشهداء من الشباب، مما زاد جذوة الثورة واندفاع الشباب، وعندما منع النظام أي حراك في الجامع الكبير انتقل الشباب إلى جوامع اخرى وبدؤوا ينطلقون منها، لكن النظام لم يستسلم فقد صعد في استعمال السلاح بمواجهة المتظاهرين، وزادت اعداد الشهداء، وبدأ الشباب بالتفكير بحماية التظاهرات، لقد كان للنظام الكثير من المخبرين الذين يقدمون للأمن معلومات كاملة عن التحرك، وبعضها موثق بالفيديوهات والصور، وهذا سيفيد النظام بتحديد قوائم المطلوبين لها من الثوار وقادتهم، عند اشتداد عنف النظام وقتله للمتظاهرين، بدأت حالات تسلح فردي، سرعان ما توسعت، وكان تشييع الشهداء مبرراً لمزيد من تأجيج مشاعر المواجهة مع النظام. لقد منع محمد وخالد الشباب من مهاجمة المخفر أو مركز السلطة في القرية، خوفا من انتقام النظام من الناس، كان ذلك في البداية، لكن الشباب سرعان ما سيطروا على مرافق الدولة كاملة، بعد أن أصبح عنف النظام فوق قدرة أي احد عن ردع الثوار المندفعين، وأصبحت القرية محررة من النظام لوقت قليل، حيث استقدم النظام قوات الجيش وحرسه الجمهوري، المنتمي للنظام، وهاجم القرية بقوة نارية عالية، مما دفع أهلها للاستفادة من بعض ازلام النظام لإعادة القرية إلى سلطته، وبالفعل حصل ذلك، وكان لذلك أثراً بالغاً على الثوار، حيث بدأت حملة اعتقالات واسعة، وبدأ الشباب بالتواري والهرب، وبعضهم بدأ بتشكيل مجموعات مسلّحة من الجيش الحر. بدأ النظام بتقطيع أطراف البلدة عبر الحواجز، التي تمركزت بأغلب مناطق البلدة الهامة، وصنعت متاريس وبدأت بالتضيق على الناس، توقفهم على الحواجز وتطالبهم بالوثائق الشخصية، اعتقل الكثير وقتل بعض الشباب ميدانياً، كذلك الحال حيث نُصبت حواجز على مداخل البلدة وأصبحت الحياة فيها أقرب للجحيم، فهناك إطلاق نار دائم، وصدامات بين مجموعات الثوار والنظام، وقصف عشوائي مستمر على البيوت مما يجعل الإصابات العشوائية كثيرة، الأطفال لم يعودوا يتحملوا ما حصل من عنف وأصوات قذائف، الخوف سيطر عليهم وظهرت بوادر منعكسات نفسية تؤرقهم وتمرضهم. غادر أخو محمد حيّه إلى بيت محمد حيث القصف والضرب أقل، ثم لم يستطع أن يحتمل أكثر، غادر إلى مخيم الزعتري، التي بنته الأردن داخل أراضيها على الحدود الأردنية السورية في الصحراء، ليأوي إليه الهاربين من الموت المشرع عليهم من النظام السوري في بلدتهم. أصبحت القرية شبه خاوية، محمد تحمل العيش في البلدة خاصة أن والدته مريضة ولا تحب مغادرة بلدتها بعد هذا العمر، هذه الأم التي تفتخر بوالدها وزوجها الشهداء، سيوافيها أجلها وهي ترى بلدتها تحت نيران نظام مستبد قاتل. كما أن مصيبة أخرى أصابت محمد، فقد اعتقل ابنه من المدينة الجامعية في دمشق، لقد توسعت هجمة النظام على كل ناشطي الثورة، اعتقل الشاب واستمر في المعتقل والسجن لأشهر ومن ثم أفرج عنه وعاد إلى القرية. الأب محمد أحس أن الحياة في القرية أصبحت مستحيلة، إنها منطقة حرب ولا يستطيع أن يؤمن أي من أسباب الحياة، أصبحت كل السلع نادرة وغالية، هذا وهناك احتمالات أن يعتقل هو أو ابنه، صحيح أنه استطاع أن يخلق علاقة مع المسؤول الأمني في البلدة، عبر الأعطيات والرشاوي من زيت وغيره، لكن لا يعرف متى يقبض عليه أو على ابنه، أو يقع ضحية استهداف بقذيفة ما أو من خلال إطلاق نار أصبح كثير الحضور وعشوائي، خاصة وأن النظام قد أبدع صيغة جديدة للسيطرة على أغلب البلدات من خلال تجنيد أغلب المخبرين وأصحاب السوابق الإجرامية وتحويلهم إلى شبيحة يؤذون الناس وينهبون كل ما يصلون إليه، ويثبتون السلطة للنظام، الذي لم يتركوا وسيلة من الإجرام بحق الشعب دون أن يقوم بها. لقد دُمرت بلدات مثل دوما وداريا وحوصرت درعا واستبيحت الكثير من البلدات والمحافظات، مئات الآلاف أصبحوا شهداء ومثلهم مصابين ومعاقين، الملايين مشردين. محمد قرر أن يهرب بعائلته إلى مخيم الزعتري في الأردن، وهكذا كان.

أما خالد المحامي فقد أصبح وجهاً من وجوه الثورة، ويظهر على الفضائيات متحدثاً عن واقعها وأفعال النظام، أصبح مستهدفاً من قبله، نجا من محاولات اغتيال عدة، توارى وخرج من البلدة إلى الأردن أخيراً، ومنها إلى مصر ونشط هناك متحدثاً ومدافعاً عن الثورة وشرعيتها، وعن ظلم النظام وحقوق الشعب السوري، ومن ثم غادر إلى إحدى الدول الأوربية، لاجئاً ينتظر هو وملايين السوريين أن يعود إلى سورية بعد سقوط نظام الاستبداد ومحاسبته على إجرامه، مطالباً ببناء سورية الحرة العادلة الديمقراطية.

هنا تنتهي الرواية، في تحليلها نقول:

تحاول الرواية أن تكون سجلّاً عن واقع الثورة السورية وما حصل مع الشعب وما فعله النظام المجرم، صحيح أنها أخذت نموذجاً لبلدة في درعا، لكنها تعني كل سورية وما حصل فيها، حاولت أن تمر على أغلب ما حصل مع الثورة، لذلك لم تُشبع الموضوع من جانبه المعرفي، وهذه ليست نقطة ضعف، لكن يفضل لو أنها أخبرتنا عن جواب أسئلة مركزية ولو بتكثيف وتركيز واختصار، لماذا قامت الثورة السورية؟ وكذلك كان يجب أن تتعمق قليلاً في واقع الثورة السورية، لا يكفي إدانة العمل المسلح للثوار، يجب تنوير أسباب العمل المسلح، وأين أخطؤوا؟ ومن استثمر واقعهم؟ ومن هم الأعداء الذين دعموا النظام؟ من المستفيد مما حصل في سورية؟ ثم لماذا الصمت عن البنية العسكرية والأمنية والطائفية للنظام؟ وكيف تحولت سورية كلها إلى مزرعة للنظام وأغلب الطائفة العلوية؟ وماذا عن عصبة الرئيس وعائلته المقربين؟.. إلخ.

أخيراً كل ذلك لا يبخس حق الرواية وأنها أطلّت على واقع الثورة ووثقتها، من زاوية ما.

الرواية وغيرها مما كتب من أدب وتوثيق سياسي وفكري عن الثورة السورية، سيكون – يوما – الضوء الذي ينير هذه الحقبة السوداء من تاريخ سورية الخاص، ويظهر العار الذي يجلل العالم المتفرج على هدر دماء السوريين. وتدمير بلادهم، واستباحة حياتهم، وتشريدهم في كل أركان الدنيا.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني