جرحى الحرب في إدلب بين قسوة الإعاقة وغياب الاهتمام
خلفت الحرب السورية ﻣﺌﺎﺕ ﺍﻵﻻﻑ من الجرحى في إدلب بدءاً ﺑﺈﺻﺎﺑﺎﺕ ﺧﻔﻴﻔﺔ ﻭﺻوﻻً ﻟﺒﺘر الأطراف ﻭﺍﻹﻋﺎﻗﺎﺕ الدائمة، يعانون من الإهمال بسبب ﻗﻠﺔ ﺍﻟﺘﺨﺼﺼﺎﺕ الطبية ﻭﺍﻹﻣﻜﺎﻧﻴﺎﺕ المطلوبة ﺑﺎﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻴﺎﺕ التي وقفت ﻋﺎﺋقاً ﺃﻣﺎﻡ ﺗﻠﻘﻲ الكثيرين لخدمة طبية جيدة.
الشاب علي الخديجة من مدينة إدلب هو أحد جرحى الحرب السورية، حيث تعرض لشظية صاروخ في رأسه أصابته بالعمى وعن معاناته يقول: “تم إسعافي بعد الإصابة إلى إحدى المستشفيات الميدانية، وبسبب التأخر في استخراج الشظية من رأسي أصبت بالعمى دون أمل بالشفاء.”
ويضيف الخديجة واصفاً معاناته: “كنت طالباً في كلية الصيدلة، واليوم أوﺍﺟﻪ مصاعب كبيرة ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺄﻗام ﻣﻊ حياﺓ الإعاقة، فقد أصبحت عالة على أسرتي، أحتاج إلى مساعدتهم في الحركة والتنقل.”
كذلك الطفل يوسف البرق( 12 ﻋﺎﻣًﺎ )من مدينة سرمين فقد يده ﺍﻟﻴﻤﻨﻰ إثر قصف لطائرة حربية استهدفت حيّه قبل نحو ﻋﺎمين، ﻭﻋن ذلك ﻳﻘوﻝ: “كنت في طريق عودتي من المدرسة حين نفّذت الطائرة الحربية ﺇحدى ﻏﺎﺭﺍﺗﻬﺎ، غبت عن الوعي، وحين استيقظت وجدت نفسي في المستشفى بيد واحدة.”
يعيش يوسف حياته بصعوبة بالغة، ويقول: “ﻛنت أعمل بعد المدرسة لمساعدة أهلي، ﻭلم أعد أتمكن من فعل ذلك اليوم.”
ﻭلا ﻳحظى يوسف بدعم من المنظمات والمراكز التي تهمتم بمصابي الحرب، حيث ﻋﺎﻳنت إحدى المنظمات ﺣﺎﻟﺘﻪ، وتم تسجيل اسمه للحصول على يد ﺻﻨﺎﻋﻴﺔ.
تعتبر إعاقة المرأة معاناة مضاعفة لعدم قدرتها على القيام بواجباتها المنزلية تجاه أسرتها.
جمعت حياة أم فؤاد بين الإعاقة والنزوح وعن معاناتها تقول: “تركني زوجي مع أولادي ليتزوج من امرأة أخرى، وقد سافر برفقة زوجته إلى تركيا، وبعد سنة تقريباً وبينما كنت في مدينة خان شيخون حولني صاروخ من طائرة حربية إلى معاقة، حيث فقدت قدمي بقصف جوي على المدينة.”
نزحت أم فؤاد بعد ذلك إلى مخيمات سرمدا مع ابنها المعاق البالغ من العمر 10 سنوات، وابنتها فاطمة (13عاماً) وباتت تعيش معهما في مخيم البشير بريف إدلب الشمالي.
تشير أم فؤاد إلى أنها حصلت على قدم صناعية من قبل أحد الممرضين، لكنها لا تستطيع التأقلم معها والمشي بواسطتها.
تضيف أم فؤاد: “أتمنى أن أعود إلى بلدتي التي سيطر عليها نظام الأسد، فقد أودعت فيها كل ذكرياتي الماضية، كما أتمنى أن أحصل على قدم صناعية تساعدني على الحركة لأقوم بواجباتي كأم، وأن يتم علاج ولدي المصاب بضمور دماغي واضطراب في المشي، لينعم بحياة كريمة ومستوى تعليمي يمكنه من حياته القادمة.”
يفاقم معاناة المصابين في إدلب ترﺍﺟﻊ ﻧﺸﺎﻁ ﺍﻟﺠﻤﻌﻴﺎﺕ ﺍﻟﺨﻴﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﻨﻰ بشؤونهم جراء ﺷﺢ التمويل، والتكاليف المرتفعة ﺍﻟﺘﻲ يستلزمها ﺍﻟﻌﻼﺝ الطويل وتعويضات الأطراف ﺍﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ، حيث ﺗﺘﺠﺎﻭﺯ ﺗﻜﻠﻔﺔ تركيب ﻃﺮﻑ ﺻﻨﺎﻋﻲ بدائي 1500 دﻭﻻﺭ أمريكي، فضلاً عن تردّي القطاع الطبي عموماً في المناطق المحرّرة ونقص الكوادر ﺍﻟﻤﺘﺨﺼﺼﺔ ﻭﺍﻟﻤﺴﺘلزﻣﺎﺕ ﺍﻟﻤتطورة، ﻤﺎ ﻳحرﻡ ﺍلمصابين من الشفاء، بل ﺇﻥ ﺍﻟﻜﺜير من ﺍﻹﺻﺎﺑﺎﺕ ﺗﺘﻔﺎقم ﻭﺗﺘحول ﺇﻟﻰ ﺇﻋﺎﻗﺔ ﺩﺍﺋﻤﺔ، كبتر ﺍلأطرﺍﻑ ﺃﻭ ﺣﺼوﻝ ﺍﻟﺘﺸوﻫﺎﺕ الخطيرة ﻭالشلل ﺃﻭ تعطل الوظائف الحيوﻳﺔ.
قامت منظمة بلسم بإنشاء رابطة مصابي الحرب في إدلب منتصف عام 2018 ضمن حملة (إصابتي ليست عجزاً) بهدف تنظيم شؤون المصابين والاهتمام بهم.
مدير منظمة بلسم فادي عبد الخالق يتحدث لـ نينار بالقول: “الهدف من إنشاء الرابطة هو العمل على دمج هذه الفئة بالمجتمع، وإنشاء منصة تمثلهم رسمياً وتوصل صوتهم ليستطيعوا من خلالها متابعة احتياجاتهم، والوصول لحقوقهم بأنفسهم دون انتظار غيرهم.”
ويؤكد عبد الخالق أن أهم النشاطات كانت تأسيس عدة روابط انطلاقاً من الرابطة الأم بجهود من المصابين أنفسهم ومساعدة من منظمة بلسم، كما تقوم الرابطة بنشاطات ترفيهية وإغاثية بسيطة للمصابين، وعدة زيارات للجهات الفاعلة والوجهاء بالمجتمع والتنسيق مع بعض المجالس للحصول على حقوقهم.
ويضيف عبد الخالق: “وصل عدد المصابين في الرابطة إلى حوالي 200 مصاباً، ولكننا نواجه عدة صعوبات أهمها قلة التفاعل من الجهات الفاعلة والمجتمع مع هذه الرابطة وهذه الفئة، رغم بعض التفاعل بداية التشكيل لكنه تلاشى شيئاً فشيئاً، إضافة إلى ضعف الدعم والإمكانات المادية ما جعلنا غير قادرين على الاستمرار بشكل فعال.”
مشيراً إلى أن منظمة بلسم مستمرة في دعم مصابي الحرب بما يتوفر من خدمات بما فيها أدوية أو مستهلكات أو خدمات أخرى أهمها الأطراف الصناعية والجبائر التقويمية إضافة للدعم النفسي والعلاج الفيزيائي للمصابين نتيجة الحاجة الماسة خاصة مع ارتفاع أعداد المصابين بالفترة الأخيرة.
ﻭﻓﻲ تقرير لمنظمة الصحة العالمية بداية عام 2018 ﻭﺭﺩ ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ 30 ألف ﻣﺼﺎﺏ كل شهر في سوريا ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﺤرﺑﻴﺔ، ﻭﻗد ﺧﻠﻔت هذه ﺍﻹﺻﺎﺑﺎﺕ مليون ﻭﻧﺼف ﺍﻟﻤﻠﻴوﻥ ﻳﻌﺎﻧوﻥ ﺇﻋﺎﻗﺎﺕ ﺩﺍﺋﻤﺔ ﻣﻦ أصل 3 مليون شخص ﺃﺻﻴﺒوا منذ عام 2011.
أصبح السوريون عنواناً للقهر والمآسي، من القتل والتهجير إلى الإصابات التي فتكت بهم، وسرقت أجزاء من أجسادهم، فاﺟﺘﻤﻌوﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻟم الذي بدل ﺣﻴﺎﺗﻬم بين ليلة ﻭﺿﺤﺎﻫﺎ، ﻭﺃصبح يلازمهم، ﻭيرﺳﺦ في ﺃﺫﻫﺎﻧﻬم ﻣﺸﺎﻫد ﺍﻟﻘتل ﻭﺍﻟدﻣﺎﺭ.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”