fbpx

بوتين مطلوباً للعدالة الدوليّة

0 218

أصدرت الدائرة التمهيدية الثانيّة في المحكمة الجنائيّة الدوليّة يوم أمس مذكرات “اعتقال” بحق كلٍ من “فلاديمير بوتين رئيس الاتحاد الروسي، وماريا لفوفا بيلوفا مفوضة حقوق الطفل في مكتب رئيس الاتحاد الروسي” بتهمة ارتكاب جريمة “الترحيل القسريّ للأطفال الأوكرانيين ومنحهم الجنسيّة الروسيّة”، بناءً على طلب المدّعي العام للمحكمة الجنائيّة الدوليّة المؤرّخ في 22 شباط 2023 الذي طلب فيه إلى الدائرة التمهيدية الثانية للمحكمة الجنائية الدولية إصدار أوامر توقيف بحقِّهما في سياق الوضع في أوكرانيا، الأمر الذي أثار ضجّة على المستوى السياسي والقانوني والإعلامي باعتبار أن المتهم المطلوب للعدلة هو رئيس دولة عضو دائم في مجلس الأمن وأن دولته ليست عضواً في المحكمة الجنائيّة الدوليّة.

أولاً: صلاحية المحكمة للنظر بجرائم الحرب التي يرتكبها النظام الروسي في أوكرانيا:

•       تعتبر الدائرة التمهيديّة في المحكمة الجنائيّة الدوليّة هي المرجع الوحيد في تحديد توفّر شروط مقبوليّة الدعوى من عدمها، وبالتالي قبول طلب المدّعي العام للمحكمة في فتح التحقيق أو ردّه، وبما أنّها أصدرت مذكرة الاعتقال بحق المتهمَين بناءً على طلبه المشفوع بالتحقيقات والأدلة فهذا يعني أن شروط مقبوليّة الدعوى قد توفّرت في طلب المدّعي العام.

•       وقد حدّدت المادة “13” طرق الإحالة الى المحكمة الجنائيّة الدوليّة بثلاث طرق وهي:

–      الإحالة من دولة طرف إلى المدعي العام وفقاً للمادة “14” حالة يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت.

–      الإحالة من مجلس الأمن، متصرفاً بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، حالة إلى المدعي العام يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت.

–      التحقيق المباشر من المدعيّ العام: إذا كان المدعي العام قد بدأ بمباشرة تحقيق فيما يتعلق بجريمة من هذه الجرائم وفقاً للمادة “15”.

وبناءً على ما سبق يمكن الاستنتاج بأنّ الدائرة التمهيديّة للمحكمة قبلت طلب الحكومة الأوكرانية بفتح التحقيق استناداً إلى الفقرة “أ” من المادة “13” باعتبارها عضواً في نظام روما الأساسي للمحكمة، وباعتبار أن الجرائم واقعة على أراضيها استناداً إلى البند “أ” من الفقرة الثانيّة من المادة “12” والذي أجاز الإحالة من الدولة التي وقع السلوك الإجرامي على أرضها، وهو ما عبّر عنه المدعيّ العام في بيانه حيث قال: “… فإن أوكرانيا مسرح جريمة يشمل مجموعة معقدة وواسعة من الجرائم الدولية المزعومة…”. مما يجعل قرار الدائرة التمهيديّة قبول طلب المدّعي العام بفتح التحقيق بالجرائم المذكورة وإصدار مذكرة الاعتقال بحق المتهمّين في محله القانوني.

ثانياً: ماهيّة الجريمة موضوع الدعوى:

•       ركّز المدّعي العام على التحقيق في جريمة “الترحيل القسريّ” و”النقل غير القانوني” لمئات الأطفال من دور الأيتام ودور رعاية الأطفال وتبنيهم في الاتحاد الروسي، وقيام بوتين بتعديلات قانونيّة تهدف للإسراع في منح الجنسية الروسية، لهم ما يسهل على العائلات الروسية تبنيها لهم، واعتبر أن الأدلة المتوفّرة كافية لإقناع الدائرة التمهيدية بأن هناك أسباباً معقولة للاعتقاد بأن الرئيس بوتين وماريا لفوفا بيلوفا، يتحملان المسؤولية الجنائية عن الترحيل غير القانوني ونقل الأوكرانيين من المناطق المحتلة في أوكرانيا إلى الاتحاد الروس الذي يُشكِّل جريمة “الإبعاد أو النقل غير المشروعين..” المنصوص عنه بالبند السابع من الفقرة “أ” من البند الثاني من المادة الثامنة، واعتبارها جريمة “قيام دولة الاحتلال على نحو مباشر أو غير مباشر بنقل أجزاء من سكانها المدنيين إلى الأرض التي تحتلها، أو أبعاد أو نقل كل سكان الأرض المحتلة أو أجزاء منهم داخل هذه الأرض أو خارجها”. المنصوص عنه بالبند “الثامن” من الفقرة “ب” من الفقرة ” الثانيّة ” من المادة ” الثامنة ” من نظام روما الأساسي، وهو في ذلك استند الى قرار الجمعيّة العامة للأمم المتحدة المؤرّخ في 2022/3/2 الذي أعتبر أن العمليّة العسكرية الروسيّة في أوكرانية هي “عدوان” من الاتحاد الروسي على أوكرانيا وانتهاكاً للفقرة الرابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة وبالتالي فإن القوات الروسيّة هناك هي قوّات “احتلال” وما قامت به من نقل للأطفال الروس يعتبر جريمة النقل القسرّي للأطفال من قبل دولة احتلال، وأنّ الأطفال الأوكرانيين أشخاص محميون بموجب اتفاقية جنيف الرابعة.

ثالثاً: كيفية تنفيذ أمر الاعتقال وتقديم المعلومات:

•       لقد تضمّن الباب التاسع من نظام من نظام روما الأساسي للمحكمة أحكام التعاون الدوليّ والمساعدة القانونيّة في تنفيذ القرارات والأحكام الصادرة عنها وفق الأحكام التالية:

–      للمحكمة سلطة تقديم طلبات تعاون إلى الدول الأطراف” 123″ دولة، وتحال الطلبات عن طريق القناة الدبلوماسية أو أية قناة أخرى مناسبة تحددها كل دولة طرف، عند التصديق أو القبول أو الموافقة أو الانضمام، ويكون على كل دولة طرف أن تجرى أية تغييرات لاحقة في تحديد القنوات وفقاً للقواعد الإجرائية وقواعد الإثبات.

–      يجوز حسبما يكون مناسباً إحالة الطلبات أيضاً عن طريق المنظمة الدولية للشرطة الجنائية أو أي منظمة إقليمية مناسبة.

–      للمحكمة أن تدعو أي دولة غير طرف في هذا النظام الأساسي إلى تقديم المساعدة المنصوص عليها في هذا الباب على أساس ترتيب خاص أو اتفاق مع هذه الدولة أو على أي أساس مناسب آخر، وفي حالة امتناع دولة غير طرف في هذا النظام الأساسي، عقدت ترتيباً خاصاً أو اتفاقاً مع المحكمة، عن التعاون بخصوص الطلبات المقدمة بمقتضى ترتيب أو اتفاق من هذا القبيل، يجوز للمحكمة أن تخطر بذلك جمعية الدول الأطراف أو مجلس الأمن إذا كان مجلس الأمن قد أحال المسألة إلى المحكمة.

–      للمحكمة أن تطلب إلى أي منظمة حكومية دولية تقديم معلومات أو مستندات، وللمحكمة أيضاً أن تطلب أشكالاً أخرى من أشكال التعاون والمساعدة يتفق عليها مع المنظمة وتتوافق مع اختصاصها أو ولايتها، في حالة عدم امتثال دولة طرف لطلب تعاون مقدم من المحكمة بما يتنافى وأحكام هذا النظام الأساسي ويحول دون ممارسة المحكمة وظائفها وسلطاتها بموجب هذا النظام يجوز للمحكمة أن تتخذ قرار بهذا المعنى وأن تحيل المسألة إلى جمعية الدول الأطراف أو إلى مجلس الأمن إذا كان مجلس الأمن قد أحال المسألة إلى المحكمة.

يعتبر هذا القرار قنبلة سياسية من العيار الثقيل، كما يُعتبر انتصاراً حقيقيّاً لقيم العدالة والإنصاف، ولكنّه في الوقت ذاته يعتبر دليلاً إضافيّاً على ازدواجية المعايير وتسييس العدالة، وتفريغ شرعة حقوق الإنسان من مضمونها، حيث اعتبرت الجمعيّة العامة للأمم المتحدة أنّ المُجرم “بوتين” قد ارتكب جريمة العدوان على أوكرانيا، وتجاهلت جريمة العدوان المتكاملة الأركان القانونيّة التي ارتكبها بحقّ الشعب السوريّ، والتي تجلّت بقيامه بالتدخّل في شأن داخلّي لدولة مستقلة عضوٍ في الأمم المتحدة، وتدخلّه إلى جانب أحد أطراف نزاع داخليّ وهو ما حظره القانون الدوليّ وميثاق الأمم المتحدة وخاصّة المادة الثانية منه، وإن إرساله المرتزقة “فاغنر والفيلق الإمبراطوري الذراع العسكري للحركة الإمبراطورية الروسيّة المتطرّفة “ريم RIM” المحظورة من قبل الولايات المتحدة الأمريكيّة”، وغيرهما من المرتزقة وقواته العسكريّة النظاميّة، وتجنيد مرتزقة طائفيين من السوريين ومن الأجانب، وتقديم السلاح والمال والتدريب وقيادتهم في المعارك ضد الشعب السوريّ حتى لو كان بطلب من “نظام بشار أسد” يعتبر من أعمال العدوان الذي عدّدها قرار الجمعيّة العامة للأمم المتحدة رقم “3314” لسنة 1974.

كما اعتبرت محكمة العدل الدوليّة أن مخالفة القرار “3314” المذكور يعتبر من أعمال العدوان في معرض مناقشتها الأنشطة العسكريّة الوضع في نيكارغوا، بالفقرة “195” من قرارها الصادر في سنة 1986 المتضمِّن: “…… لاحظت المحكمة أن العدوان غير المباشر في إطار معنى المادة “3/ز” من القرار”3314″ الصادر من الجمعية العامة، ينبغي، لكي يتصف بهذا الشكل، أن ينطوي على “إرسال عصابات أو جماعات مسلحة أو قوات غير نظامية أو مرتزقة من قِبَل دولة ما أو باسمها تقوم ضد دولة أخرى بأعمال من أعمال القوة المسلحة تكون من الخطورة بحيث تعادل “ضمن أمور أخرى” هجوماً مسلحاً فعليّاً تقوم به قوات نظامية أو اشتراك الدولة بدور ملموس في ذلك. وهو ما يتجسّد في سيطرة الروس على القرار السياسيّ والعسكريّ والأمني في سوريّة، وسيطرة المرتزقة على قطّاعات الاقتصاد السوريّ.

ويمكن للدول التي تدّعي حرصها على محاسبة النظام عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانيّة وعدم إفلات المجرمين من العقاب القيام بنفس الخطوات التي اتبعتها ضد النظام الروسي من خلال الدعوة الى عقد جلسة طارئة لبحث ملف العدوان الروسي الإيراني في سوريّة استناداً إلى قرار الجمعيّة العامة للأمم المتحدة رقم “377” لسنة 1950 واعتبار أن تدخلّهما في سوريّة غير مشروع ويرقى الى جريمة العدوان، الأمر الذي يفتح الباب أمام المدعيّ العام للمحكمة الجنائيّة الدوليّة فتح التحقيق من تلقاء نفسه، أو حتى الإحالة من أية دولة طرف في ميثاق المحكمة، أو حتى من دولة غير طرف تضرّرت من هذه الجرائم.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني