fbpx

قاتلٌ يعزف لحن الحياة!

0 164

أصدر رأس النظام السوري المجرم المرسوم رقم “2” لسنة 2023 القاضي بإنشاء هيئة عامة تسمى “بيوت لحن الحياة” مخولة التعامل مع “مجهولي النسب واللقطاء، والضّالين طرقهم” قانونيّاً، وتهيئة الظروف الملائمة لهم وتوفير البيئة الداعمة لتربيتهم وتعليمهم وحمايتهم ورعايتهم وحفظ مختلف حقوقهم دون تمييز عن أقرانهم.

وقد أثار هذا المرسوم الجدل حول الغاية منه، وحول آثاره على “هوية ودين وجنسيّة” الفئة المستهدفة، فكان لابد لنا بداية أن نبيّن الأسباب الحقيقيّة لهذه “الظاهرة” وحجمها الحقيقي حتى يمكننا فهم حيثيّات هذا المرسوم وكشف دلالاته وآثاره الحقيقيّة.

الإطار القانوني لموضوع “مجهولي النسب”:

يُعتبر قانون للأحوال المدنيّة في سوريّة رقم “376” تاريخ 2/4/1957 أولّ قانون يُنظّم الأحوال المدنيّة وقد طرأت تعديلات عديدة عليه بموجب المراسيم التشريعية رقم “165” لعام 1967، و”102و129 و272″ لعام 1969، ورقم “107و146و153” لعام 1970 والفقرة هـ من المادة “3” من المرسوم التشريعي رقم “276” تاريخ 24/11/1969 والمرسوم التشريعي رقم “11” تاريخ 14/5/1981 والقانون رقم “3” لعام 2003، و القانون “26” لعام 2007 والذي أُلغي العمل به بموجب القانون رقم “13” لعام 2021 المُعدّل بالقانون “17” لعام 2022″ والذي تنظِّم أحكام جهالة النسب المادتين “28 و29” منه.

تنصّ المادة “28” على أنّه:

أ- لا يجوز تسجيل مولود من زواج غير مسجل إلا بعد تسجيل الزواج أصولاً.

ب- إذا كان المولود غير شرعي لا يذكر اسم الأب أو الأم أو كليهما معاً في سجل الولادة إلا بحكم قضائي.

ج- إذا ثبت بوثائق رسمية بنوة المولود غير الشرعي لوالدته يسجل في سجل الولادة مباشرة.

الفقرة “هـ” من المادّة “29” منه التي تنصّ على:

هـ- يعد بحكم مجهول النسب:

1- الطفل المجهول النسب، ولا يوجد من يقوم بإعالته شرعاً.

2- الطفـل الـذي يضل الطريـق ولا يملك المقدرة للإرشاد عن ذويه، لصغر سنه أو ضعفـه العقلـي، أو لأنه أصم أبكم، ولا يحاول أهله استرداده.

أسباب هذه الظاهرة:

تعتبر هذه الظاهرة إحدى نتائج سياسة النظام الممنهجة التي تقوم على القتل والاغتصاب والاعتقال والإخفاء القسريّين، والتشريد والتهجير القسريّ، لذلك لن يسعى إلى حلّها وإنما كعادته يحاول استغلالها وتوظيفها لصالحه وهذا القانون يؤكِّد ذلك إذ ليس له أيّة علاقة بحلّ مشكلة “هالة النسب” من الناحيّة القانونيّة فهو لا يمسّ الوضع القانوني لمجهولي النسب الذي تحكمه أحكام قانون الأحوال المدنيّة، وقانون الأحوال الشخصيّة، وقانون الجنسيّة.

فالنظام لا يرى في هذه الظاهرة مشكلة تدعو للقلق فهو يدّعي عبر إحصائياته الرسمية أن متوسط تسجيل حالات مجهولي النسب من الأطفال خلال العام الواحد يبلغ “42” طفل مجهول النسب، مما يعني أنّ عدد مجهولي النسب خلال الاثنا عشرة سنة الماضية لا يتجاوز “500” مجهول نسب.

وبحسب الفقرة “أ” من المادة “28” المكورة أعلاه فإنّه لا يمكن تسجيل الولادات قبل تسجيل عقود الزواج، وهذا يعني أنّ نسب المواليد من زواج غير مُسجّل موقوف على تسجيل الزواج في الدوائر الرسميّة، وحيث أنّ النظام أوقف عمل مديريّات الأحوال المدنيّة في “6” محافظات منذ عام 2012 حتى 2023، وهي حمص و إدلب و حلب والرقة ودير الزور،والحسكة في العام 2017، و قد طرأ على أحوال السوريين المدنيّة والشخصيّة في هذه المناطق أحوال كثيرة من” وفاة، وزواج، وطلاق، وولادات، وغياب، وفقدان ” وبالتالي خروج هذه الأحوال عن “الشرعيّة الرسميّة” مما يجعل حُكم كل المواليد الذين ولِدوا في هذه الفترة من زيجات غير مسجّلة “رسميّاً” حكمهم حكم “مجهولي النسب، أو من بحكمهم” لأن النسب يُعتبر من آثار الزواج الصحيح و التسجيل هو الشرط الرسمي للاعتراف بالهوية و النسب و الدين و الجنسيّة .

وتشير الاحصائيّات الدوليّة و المحليّة إلى أن عدد الأطفال في مخيم الهول والمناطق المحيطة به أكثر من”22″ ألف طفل أجنبي من”60″ جنسية على الأقل، بالإضافة إلى الآلاف من الأطفال السوريين، وأنّ عدد الأطفال السوريين من أبوين سوريين في مخيم الركبان حوالي “8” آلاف طفل و تُقدّر أعداد الولادات من السكّان الأصليين في المناطق المحرّرة حوالي “137” ألف مولود سنويّاً، وتقدّر أعداد الولادات من المهجرين قسريّاً حوالي”39″ ألف ولادة سنويّاً، و أن أعداد الأطفال من سنّ “1- 5” سنوات بلغت “700” ألف طفل، وعدد الأطفال من سنّ “5-15” سنة “550” ألف طفل، وعدد الأطفال من سنّ “15-18” بلغ “177” ألف طفل.

هذا عدا عن آلاف الأطفال الذين فقدوا آبائهم وأمهاتهم ولم يبقَ لهم معيلاً شرعيّا بسبب القصف، والتهجير القسريّ، والاعتقال والإخفاء القسريّ، وبسبب تشتّت العائلات والأسر في أصقاع الدنيا، وفقدان الكثير منهم وثائقهم الشخصية المستندات الرسميّة، وقيام عصابات أسد بحرق سجلّات الأحوال المدنيّة في كثير من المدن التي تم اجتياحها وتدميرها.

كما أنّ هناك رافد كبير من مجهولي النسب الحقيقيين ينبع من أوكار الدعارة المنتشرة بكثرة في مناطق سيطرة النظام، بالإضافة إلى ما تخلِّفه “المُتعة” التي تفشَّت هناك مع حملة التشييع الواسعة، والتي اتخذها الكثيرون كغطاء للدعارة، تحت اسم السياحة الدينيّة الشيعيّة التي يعمل عليها الحرس الثوري الإيراني والميليشيات التابعة له.

مما يعني أننا أمام أزمة اجتماعيّة وقانونيّة كبيرة جِدّاً، وإنّ تقليل حجم المشكلة وإخفاء الأعداد الحقيقيّة، والسرية العالية التي فرضها النظام على مديرية السجل المدني وعلى دور لحن الحياة تؤكد النوايا الخفية والأهداف الحقيقيّة من وراء هذا المرسوم.

أهداف النظام من وراء إصدار هذا المرسوم:

كلنا يعلم أن النظام السوري يعاني من أزمة في علاقاته مع المجتمع الدولي، والمنظّمات الدوليّة بسبب جرائمه الوحشيّة وتمرّده على الإرادة الدوليّة، ونسف مبادئ وقيم ونصوص القانون الدولي وما يتعرّض له من ضغوط دوليّة متمثّلة بسلسلة الإجراءات والعقوبات الدوليّة التي تهدف الى إجباره على تعديل سلوكه الإجرامي والانصياع الى إرادة الشعب السوري، واحترام القانون الدوليّ.

وللتخلّص من هذه الضغوط وللتحايل على العقوبات الدوليّة فقد استعان بمراكز بحوث ودراسات استراتيجيّة التي أعدّت له خطّة استراتيجية ضمن ما أسماه البرنامج الوطني التنموي لسورية ما بعد الحرب تحت عنوان سوريّة 2030، ومن ضمن هذه الخطط خطّة ما يُسمّى الإصلاح الإداري ومكافحة الفساد، وخطة الإصلاح القانوني وهي سلسلة من التشريعات والتعديلات القانونية يحاول تقديمها النظام السوري للمجتمع الدولي على أنّها استجابة لتطلّعات الشعب، واستجابة للمطالب الدوليّة للإصلاح وتعديل السلوك.

وقد استفاد النظام من إعادة تطبيع المنظمات الدوليّة علاقاتها معه ومنحه عضويّة لجنة التحكيم في اليونسكو عبر “الأمانة السوريّة للتنميّة” التي ترأس مجلس أمنائها أسماء أسد.

وانتخابه نائباً لرئيس المؤتمر العالمي لرعاية الطفولة المبكرة والتعليم الذي عقدته اليونسكو في شهر تشرين ثاني 2022 الذي عقد في العاصمة الأوزباكستانية طشقند، وناقش استراتيجيّة المنظمة المقبلة لسنة 2030 والتي وضعت ميزانيّة لتحقيق أهدافها الدوليّة تُقدّر بـ “12” مليار دولار سنويّاً.

ومشاركته في المنتـدى السـياسي الرفيـع المسـتوى المعنـي بالتنميـة المسـتدامة لعام 2020، وتقديمه خطّته للتنميـة المسـتدامة التزامـاً منه بأجنـدة عمـل الأمـم المتحـدة “2030”.

ويأتي هذا المرسوم في هذا سياق الترويج للإصلاح الإداري والقانوني ومكافحة الفساد ويهدف حسب اعتقاده إلى:

1-     تعزيز مكانته على الساحة الدوليّة والتخلص من تصنيفه كدولة فاشلة: عبر ادعائه مكافحة الفساد المستشري في وزارة الشؤون الاجتماعيّة والعمل كونها هي المسؤولة عن إدارة شؤون دور الرعاية الاجتماعيّة الخاصة برعاية ” مجهولي النسب واللقطاء والضّالين الطريق “. وهذه الوزارة متورِّطة مع الأمانة السوريّة للتنميّة بترخيص ودعم جمعيّات ومؤسسات لميليشيات طائفيّة قادتها مدرجون على قائمة العقوبات الدوليّة كمجرمي حرب ومجرمين ضد الإنسانية ” جمعيّة البستان – مؤسسة الشهيد – مؤسسة سوريّون …”.

2-     التحايل على العقوبات والإجراءات الدوليّة : عبر تحويل هذه الدور إلى منظّمة مجتمع مدني مما يفتح مجالات واسعة للتعاون والتعاقد مع منظمات المجتمع المدني الوطنيّة والإقليمية والمنظمّات الدوليّة، وخاصة شراكته معكلٍّ من اليونيسف و اليونسكو والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين و برنامج الغذاء العالمي، وإبرام عقود التمويل والاستثمار والهبات والمنح مع الصناديق الاستئمانيّة الدوليّة من قِبل إدارة دور لحن الحياة للتحايل على العقوبات الدوليّة المفروضة على مؤسسات النظام، واستغلال مشاريع التعافي المُبكِّر التي ترعاها الأمم المتحدّة في دعم منظّماته السرّية و التي تعمل تحت غطاء منظمّات مجتمع مدني أو منظمات إنسانية أو جمعيّات خيريّة التي رفدها بشبّيحته المجرمين الذين سرّحهم بعد قتالهم معه لأكثر من 10 سنوات .

ويبقى موضوع دين مجهول النسب “الإسلام” وجنسيّته “سوريّة” حتى يثبت العكس باعتبار أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة، وحسب المادة “3” من القانون”276″ لعام 1969 والتي تنصّ على أنّه: يعتبر عربياً سوريا حكماً:

ب- من ولد في القطر من أم عربية سورية ولم تثبت نسبته إلى أبيه قانوناً.

ج- من ولد في القطر من والدين مجهولين أو مجهولي الجنسية أو لا جنسية لهما ويعتبر اللقيط في القطر مولوداً فيه وفي المكان الذي عثر عليه فيه ما لم يثبت العكس.

د- من ولد في القطر ولم يحق له عند ولادته أن يكتسب بصلة البنوة جنسية أجنبية.

ويُمكن إثبات نسب الطفل لأبيه أو لأمّه عبر الطرق القانونية المحدّدة في المادتين “134 و135″ من قانون الأحوال الشخصيّة للمسلمين الّلتان تنصّان على أنّ:” الإقرار بالبنوة ولو في مرض الموت لمجهول النسب يثبت به النسب من المقر إذا كان فرق السن بينهما يحتمل هذه البنوة، وإذا كان المقر امرأة متزوجة أو معتدة لا يثبت نسب الولد من زوجها إلا بمصادقة أو بالبينة. وإقرار مجهول النسب بالأبوة أو الأمومة يثبت به النسب إذا صادقه المقر له وكان فرق السن بينهما يحتمل ذلك.

وإذا كان مسيحيّاً وفقا للمواد “69الى 72” من قانون الأحوال الشخصيّة للسريان الأرثوذكس رقم “10” لعام 2004. والمواد “46 الى65” من قانون الأحوال الشخصيّة للطوائف الكاثوليكية رقم “31” لعام 2006.

أو وفقاً الفقرة “ج” من المادة”28″ من قانون الأحوال المدنيّة بالنسبة للأبناء غير الشرعيين من أم سوريّة ممن ولدتهم خارج البلاد، حيث يُلحق نسبهم بأمّهم بمجرّد تقديم صكوك الإقرار من الأم باعترافها بنسب المولود لها من علاقة “غير شرعية” أمام القنصل السوري في أي سفارة سوريّة، أو وثيقة إنكار نسب المولود من قبل “طرف العلاقة غير الشرعيّة الآخر” وقد منح النظام ما يثبته القنصل من وقائع الاعتراف أو إنكار نسب المولود غير الشرعي من قِبل طرفي العلاقة غير الشرعيّة صفة الوثائق الرسمية في إلحاق النسب.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني