fbpx

طلاق المرأة السورية اللاجئة في أوروبا.. أسبابه وآثاره

0 789

كثرت حالات الطلاق بين السوريين الذين لجؤوا إلى أوروبا، نتيجة اختلاف ظروف الحياة الاجتماعية والقانونية بين بلدهم الأصلي سوريا، والبلد المضيف.

هذه الحالات أثّرت على الأسر السورية التي لحقت بها تجربة الطلاق بين الزوجين، ومما لا شك فيه أن تجربة اللجوء فرضت على المرأة السورية طرق حياة مختلفة، لم تكن معتادةً عليها سابقاً، كالحريات الاجتماعية، ومحاولة الاعتماد على الذات في تحقيق الدخل الفردي أو الأسري، ما يستوجب بالضرورة تغيّراً في العلاقات الأسرية، فالمرأة السورية قبل الثورة هي غيرها بعد الثورة.

لعبت الحرب دوراً خطيراً في وضع المجتمع السوري، الذي تحولّ أكثر من نصفه إلى نازح في الداخل ولاجئ في الخارج، وفي هذه المعاناة تعرّضت المرأة السورية التي اضطرت لمغادرة بلادها نتيجة الحرب لصعوبات عديدة، ثقافية، وفكرية، واجتماعية، واقتصادية.

وهذه الصعوبات تختلف بين دول اللجوء، ففي أوروبا، الثقافة الإسلامية التي حملها اللاجئون السوريين معهم إلى بلدانها، كان بينها وبين ثقافة المجتمع المضيف فرق كبير، وهوما يتعلق بالعادات والتقاليد والمفاهيم، التي يعيش في ظلها الأوربيون، حيث هناك حياة وحرية المرأة والفرد الأوربي عموماً.

المرأة الأوربية مسؤولة عن نفسها وفق القوانين الأوروبية، حيث تستطيع الانفصال عن أسرتها إذا رغبت بذلك خارج مؤسسة الزواج، وبعمر الثامنة عشرة، أما المرأة السورية فلا تسمح ثقافتها الاجتماعية أن تعيش خارج بيت والديها أو العائلة عموماً، إلا في حالات محددة، فهي مادامت لم تتزوج لا تترك بيت أهلها.

أيضاً المرأة الأوربية تستطيع دون زواج أن تعيش مع رجل تحبه، بينما لا تسمح الثقافة التي تحملها المرأة السورية بهذا الأمر.

وهناك أيضاً فروق جوهرية كثيرة بين نموذجي الثقافة بين المرأة السورية والمرأة الأوربية.

إن مفهوم الزواج والطلاق ومفهوم الحريات الفردية، هي مفاهيم تنطوي على فروقات جوهرية كبيرة، تجعل كلاً من ثقافة المرأة السورية اللاجئة نموذجاً له تاريخ ومفاهيم خاصة به، وثقافة البلدان الأوربية نموذجاً آخر مختلفاً.

فالمرأة السورية في أوربا واجهت صعوبات عديدة في الحياة الاجتماعية الأوربية، وهذا رتّب عليها مسؤوليات عديدة، منها محاولة الحفاظ على هويتها الثقافية، ونقلها بصورة سليمة لأبنائها، ومنها التكيّف الاجتماعي دون تقديم تنازلات تتعلق ببنيتها ومفاهيمها الفكرية والاجتماعية.

وهذه الصعوبات نتيجة طبيعية لمحاولة الاندماج مع المجتمعات المضيفة، وخصوصاً الأوربية منها.

ولعل أبرز ما يتم تداوله الآن عن اللاجئين في أوروبا، هو انتشار حالات الطلاق بشكل لم نعتد عليه نحن السوريين.

أسباب الانفصال تختلف باختلاف المجتمعين السوري والأوربي، واختلاف القوانين الحاكمة لها، فالمرأة اللاجئة في أوربا، تجد نفسها متحررة من النظرات التي يلاحقه بها المجتمع السوري المطلقة، ولا ننسى التسهيلات التي تقدمها الدول الأوربية للمرأة التي تطلب الطلاق، حيث تدُفع لها أجور المنزل وتكاليف المعيشة كاملة، بالإضافة إلى تعليم الأطفال، ومخصصات شهرية للزوجة والأطفال، وهنا رأت المرأة السورية اللاجئة نفسها ليست بحاجة إلى دعم الرجل اقتصادياً، بعد أن كان الرجل في المجتمع السوري هو المسؤول بشكل مباشر عن تأمين مستلزمات أسرته كافة، باعتباره المعيل الوحيد، وفضّلت أن تتحرر منه بالطلاق، رغم أنه في كثير من الأحيان، تكون أسباب الطلاق غير مقنعة للآخرين، ولا حتى للمرأة نفسها.

إضافة إلى ذلك، ينظر المجتمع الأوربي إلى مسألة الطلاق على أنها مسألة أقل من عادية، بل ويساعد عليها، في حين المجتمعات العربية تبغض الطلاق، وتحول دون وقوعه، والضحية الأكبر في الطلاق هم الأطفال، حيث يحرمون من أحد أبويهم، وفي معظم الحالات تكون الحضانة للأم، وبالتالي يخسر الأطفال وجود الأب إلى جانبهم.

وهذا كله نتيجة الفروقات الكبيرة بين المجتمعين العربي والأوربي، التي تسببت بخلل في العلاقة الزوجية، فالمجتمع الجديد يمنح المرأة حريات واسعة، لم تكن تحصل عليها في مجتمعها الأصلي، وهذه الحريات مخالفة للعادات والتقاليد التي نشأت عليها المرأة السورية، وبالتالي يجب على المرأة في أوربا، أن تستغل الإيجابيات الموجودة في القانون الأوربي المتعلق بحقوقها، وبما يعود بالنفع عليها وعلى أفراد أسرتها، وألا تستغل انحياز القانون الأوربي لها.

فالمرأة السورية المطلقة في أوربا، تتوقع أن تتجاوز الطلاق بسهولة، إلا أنها لا تدرك أن له بالإضافة إلى الإيجابيات التي تراها هي، سلبيات كثيرة.

وأخيراً يجب علينا العمل وبشكل فعّال لمعالجة المشكلات الاجتماعية كافة، التي أثّرت على تفكيك المجتمع السوري، وتعزيز البناء الاجتماعي بين الأفراد والأسر، حتى نبني مجتمعاً متسقاً متكاملاً، وذلك من خلال سياسات التمكين والحوار لحل المشاكل الأسرية، فالأسرة هي النواة الأولى للمجتمع، وتمثّل الأساس الاجتماعي في تشكيله وبنائه.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني