fbpx

قراءة في كتاب “القبيسيات.. الجذور الفكرية والمواقف السلوكية”

0 292
  • الكاتب: محمد خير موسى
  • الناشر: كتاب سراي – إسطنبول
  • ط1 2020م

عن دار كتاب سراي في إسطنبول صدر كتاب القبيسيات الجذور الفكرية والمواقف السلوكية للكاتب محمد خير موسى، الذي يظهر أنه من أجواء الحالة الإسلامية بتنوعها ومطلّ على واقع القبيسيات عن قرب وعمق، إضافة إلى محاولته الجادة أن يستمع للكثيرات من المسؤولات عن الجماعة، إن صح التعبير بدءاً من الآنسة منيرة القبيسي حتى الآنسات المسؤولات حولها وصولاً لكثير من الطالبات.

بدأت الآنسة منيرة القبيسي مؤسسة جماعة القبيسيات من أجواء المشيخية الدمشقية التقليدية في ستينيات القرن الماضي التي كان لها مشايخها المميزين ومساجدها ومعاهدها الدينية. تتلمذت أو حضرت دروس عند الشيخ عبد الكريم الرفاعي في جامع زيد بدمشق، وكذلك عند الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي وكذلك عند الشيخ أحمد كفتارو ومعهد الفتح التابع له وغيرهم كثير. استمرت منيرة القبيسي تنهل من هؤلاء المشايخ وتؤسس لها مساراً خاصاً بدأ يتبلور أولاً بأول من سبعينيات القرن الماضي. كانت طبيعة الدعوة الدينية السنية الأقرب فقهياً للمذهب الحنفي كما ينتمي أغلب شيوخ دمشق إلى الصوفية النقشبندية، والتي كانت محكومة باعتبار الحرص على التعليم الديني المنفصل بين أوساط الذكور والإناث سواء من منظور إسلامي لا يرى مبرراً للاختلاط إلا ضمن شروط شرعية مدروسة. وكذلك طبيعة السلطة البعثية التي تماهت مع حافظ الأسد بعد انقلابه عام 1970م وأصبحت سلطته مطلقة ومهيمنة على كل مفاصل الحياة السورية. حيث كان يرى أن أخطر المعارضات المستهدفة حكمه هو التيار الإسلامي، الذي لم يصمت على استلام البعث للسلطة ولا على بروز اللون الطائفي العلوي في مراكز القرار والفاعلية فيها خاصة الأمن والجيش، حيث تحرك التيار الجهادي الإسلامي ممثلاً بالطليعة المقاتلة باكراً ضد البعث والسلطة منذ الستينيات، وتصاعدت بعمل عسكري في سبعينيات القرن الماضي امتد إلى أواسط الثمانينيات، انتهى إلى استئصال الجهاديين نسبياً وتم تصفية جماعة الإخوان المسلمين تحت دعوى أنها متورطة بالعمل العنيف ضد النظام.

المهم ووسط هذه البيئة استمر عمل المشيخية السورية في المساجد وفي المعاهد الدينية، تحت عين النظام ومراقبته والتوافق معه. كان الكل يعتمد على التقية بالتعامل مع النظام، وبعضهم وصل إلى درجة الترويج له والدفاع عن أفعاله التي وصلت إلى درجة المذابح في حماة وحلب وجسر الشغور وسجن تدمر، وصل عدد الضحايا لعشرات الآلاف، كان الشيخ البوطي نموذجاً لفقهاء السلطان المبررين المذابح بحق الشعب السوري في ذلك الوقت.

في هذا المناخ وجدت جماعة القبيسيات وتنامت، أعلنت أنها لا تقترب من السياسة بالمطلق، قاصدة أن تهتم بالجانب الديني التربوي التعليمي الفقهي إضافة لتحفيظ القرآن للفتيات اللواتي نشطت منيرة القبيسي وتلميذاتها معهم.

لم يكن هناك أي تميّز في الدعوة الدينية عند القبيسيات قياساً على المشيخية الدمشقية والسورية عموماً، كما أوضحنا سابقاً. لكنها اختصت بالنشاط وسط الفتيات وفي المدن وبين الأثرياء واعتمدت على صناعة شبكة علاقات، تؤدي لخلق ترابط يؤدي للتزاوج وربط الآنسات والتلميذات مع الآنسة منيرة القبيسي وبين بعضهم بعضاً. اعتمدوا لسنوات على اللقاءات في بيوت بعضهم بعضاً. لم يكونوا بعيدين عن المتابعة الأمنية، وكان يراهم نظام الأسد الأب هم والمشيخات التقليدية البديل الأفضل والأمثل عن الإسلاميين الجهاديين والإخوان المسلمين.

لم يتغير تعامل النظام السوري في عهد بشار الأسد في التعامل مع القبيسيات عن زمن والده، رغم محاولته رفع الغطاء عنهم وتشويه صورتهم من خلال الدراما السورية التي سلطت الضوء عليهم وتجنّت عليهم وأظهرتهم بصورة سيئة، كما أجبرتهم السلطة على الانتقال في اجتماعاتهم من البيوت إلى المساجد ليكونوا تحت عين النظام ومخابراته. لكن حصول الثورة السورية في ربيع عام 2011م وعدم إظهار أي دعم علني للثورة من الآنسة منيرة وتلميذاتها ضمن شعار عدم التورط بالسياسة بأي شكل، هذا طبعاً لا يلغي وجود الكثير من التلميذات والطالبات اللواتي التحقن بالثورة بصورة فردية.

لذلك سرعان ما استدعى الأسد الابن المسؤولات وكثير من الطالبات للقاء معه وإظهار ولائهم المطلق له ولسلطته. واستمر هذا كل الوقت وأصبحْن جزءاً من المطبلين والمزمرين للنظام السوري رغم إجرامه بحق الشعب السوري عبر سنوات الثورة وما قبلها لعقود سلفت، وما يعني هذا من إساءة للإسلام حين يعتبرون متدينات ويدعمن النظام المستبد القاتل، وجعل هؤلاء الفتيات عن نية طيبة تابعات بشكل أعمى لمواقف آنساتهنّ الخانعات للنظام مع ما يعني ذلك من إساءة لأنفسهنّ وأهاليهن وللشعب السوري المظلوم كله.

هذه أغلب معالم الكتاب الذي قرأناه، حاولت أن أدخل بعض الإضافات في الحيز التاريخي السوري لفهم حالة القبيسيات وحتى الحالة الإسلامية بشكل أفضل.

وفي التعقيب على الكتاب أقول:

بداية لابد من توسيع دائرة المراجعة للتيار الإسلامي العربي والسوري خصوصاً أنه مازال أسير عقلية دينية تقتات على أصول تأسيسية وفقهية لم يدخلها التجديد والتحديث والمزاوجة مع تطورات العلم والعصر الذي حصل في القرون الأخيرة. بحيث جعل أغلب الحالة الإسلامية السورية متخلفة عن العصر وبالتالي وقعت وستقع بأخطاء كثيرة.

كذلك كانت مشكلة الحالة الإسلامية السورية انقسامها بين تيار جهادي رمزه الطليعة المقاتلة، والإخوان المسلمين الذين يميلون إلى الاعتدال وبين الإسلاميين المشيخيين والمتصوفة الذين يسكتون عن النظام وبعضهم ينطبق عليه صفة فقهاء السلطان ويبرر جرائمه مثل الشيخ البوطي.

إن الخطأ الأساسي عند الإسلاميين عموماً هو ربط الديني المقدس بالسياسي المتغير والمحكوم بالمصالح والتنوع والتعديل المستمر. إن إعطاء العامل السياسي حمولة المقدس الديني جعل الكثير من الناشطين يتورطون في سلوكهم العنفي فيكونون في بنية التنظيمات الجهادية التي أهدرت دم المسلمين مثل القاعدة وداعش كنموذج.

علينا أن ننتقل إلى وضع كل في مكانه ودوره: الدين في الوجدان والروح والسلوك الحسن والأخلاق والتراحم والإنصاف ومساعدة المظلوم. ونحيل السياسة إلى علم السياسة والاجتماع وضرورات الزمان والمكان وأن يكون الصالح العام هو البوصلة التي تحركنا.

إن تورط بعضهم بطرح أنفسهم ممثلين للإسلام سواء كانوا حركيين كالإخوان المسلمين أو داعش أو القاعدة أو المشيخيين الذين سكتوا عن ظلم النظام لعقود وكذلك الذين برروا له ومازالوا يبررون له جرائمه بحق الشعب السوري. كل ذلك جعلهم بما فعلوا ويفعلون حمولة تظلم الإسلام كدين والمسلمين كمؤمنين وتحملهم أخطاءهم دون وجه حق.

ينطبق القول ذاته على القبيسيات اللواتي لا تبرر لهم نياتهم الحسنة ولا حرصهن على دينهم كسلوك وشعائر أن يصلن إلى درجة تبجيل النظام ورئيسه: قتلة الشعب السوري. هذا ظلم يقع على الشعب، وإساءة للإسلام الذين يرفعون لواءه، الإسلام نصير الحق والعدل والحرية، الإسلام رمز الكرامة الإنسانية. لكل ذلك كان الأولى بالقبيسيات ألا ينشطن كجماعة في ظل دولة استبدادية ظالمة تستغلهم حتماً لمصلحتها وضد مصلحة القبيسيات وإسلامهم ومجتمعهم.

أخيراً هناك مراجعات كثيرة مطلوبة من التيار الإسلامي السوري ليضع ما للإسلام في موقعه وما للسياسة في موقعها، منعاً للخلط والاستخدام والإساءة.

إن الشعب السوري ومصيره وحياته الأفضل على المحك، الشعب الذي قدم مليون ضحية ومثلهم مصابين ومعاقين وشرد ثلاثة عشر مليون منهم في داخل سوريا وخارجها، ودُمّر أكثر من نصف سوريا بفعل النظام وحلفائه وأصبحت سوريا محتلة من روسيا وإيران والميليشيات الطائفية وأمريكا والميليشيات الكردية الانفصالية الـ (PYD).

الشعب السوري ضحية ما حصل وكلنا مسؤولون عمّا يجب أن يحصل.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني