fbpx

ماذا عن الوعي وضرورته في التغيير المجتمعي

0 624

تعد الفلسفة الوعي هو جوهر الإنسان والخاصية التي تميز الإنسان عن باقي المخلوقات. هذه الخاصية التي تفرد بها عن باقي الكائنات لم يستطع أن يحصل عليها كل البشر من أجل تحسين ظروف حياتهم. من أجل ذلك حاول الكثير من الفلاسفة والمنظرين والمتنورين عبر التاريخ أن يكون للوعي دور في التغيير نحو الأفضل لكل البشر.

اقترح الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت (1596-1650) م مفهوماً مميزاً للوعي، وعده أساس الفكر البشري، فالوعي بالأفكار هو حالة من إدراك لها، وهو أمر يحدث للإنسان تلقائياً، عندما يفكر في الفكرة، وتعد نظرية ديكارت حول الوعي من أشهر النظريات، لأنه عمل على تحول في الجانب اللغوي، وأسس فلسفياً لمفهوم جديد لغةً وعده خاصية للعقل يتمتع بها الإنسان لكونه عاقلاً.

أما الفيلسوف البريطاني ديفيد هيوم: فقد حاول تأطير المفهوم إيجابياً، فيمكن فهم الوعي عند هيوم على أنه شكل من أشكال انعكاس معرفة الذات، وهذا المفهوم يظهر جلياً في كتابه الذي يحمل عنوان مقال في فهم الطبيعة البشرية، ولا يربط هيوم بين العقل والوعي على أساس أنهما شكل من أشكال التوافق.

أما سيغموند فريد فقد قسّم الوعي البشري إلى ثلاثة مستويات من الإدراك: الوعي، ما قبل الوعي، واللاوعي، وتتداخل مستويات الوعي مع مدركات الإنسان، ويتوافق كل مستوى من هذه المستويات مع الأفكار المتعلقة بالهو والأنا والأنا العليا.

ورغم التقارب في دراسات مفهوم الوعي واعتماد الكثير من الدول على هذه المفاهيم إلا انها لم تستطع أن ترسخ هذه المفاهيم في عقول شعوبها وباقي شعوب العالم. والدليل الواضح لفشل الإنسان في تبني مفاهيم الوعي الحقيقي هو ما حدث من حروب ومآسي عبر التاريخ القديم والحديث إذ لم يستطع الإنسان فهم مقتضيات الوعي من أجل التخلي عن التوحش في حب الذات والأنا والطمع والعنصرية.

فيما يخص حالة الوعي في بلداننا النامية لم نجد هناك من دول من استثمر في الوعي من أجل الخروج من دوامة الفقر والجهل. مع العلم أن العمل على نشر الوعي لا يحتاج لكثير من الأموال أو التقنيات. ولكن الذي يعرفه الجميع أنه ليس من مصلحة الأنظمة الفاسدة والدكتاتوريات الحاكمة أن يكون الإنسان في هذه البلدان يملك القدر القليل من الوعي مما يهدد سلطانهم. لذلك لم يكن هناك أي مشروع يذكر لنشر الوعي في هذه البلاد.

قليل من الناس استطاع الخروج من عباءة هذه الأنظمة ليعي ضرورة أن يكون الإنسان أكثر وعياً وإدراكاً ويساهم في التغيير نحو الأفضل له ولمجتمعه.

في ظل انتشار منظومات الإعلام الدولية من وسائل اتصال ومنابع المعرفة وسهولة التلاقي ما بين شعوب الأرض، استطاع الإنسان أن يخطو خطوات كبيرة ليدرك أنه لا سبيل لاي تغيير جذري أو جزئي في أي مجتمع إلا بثورة الوعي التي تفتح أمام الإنسان سبل السعادة في جميع قطاعات الحياة.

فكيف للوعي أن يكون الأداة السحرية التي تخرجنا من الظلمات إلى النور؟.

من خلال الوعي الكافي يستطيع كل مؤمن أن يفهم دينه بالطريقة الصحيحة وليس كما يتم ترويجه له من أجل مكاسب سياسية أو اقتصادية أو سلطوية لجهة ما.

من خلال الوعي يتم استيعاب القيم الأخلاقية الإنسانية ويتم العمل بها.

من خلال الوعي يستطيع الإنسان التعامل مع البيئة بكل احترام وتقدير، ويفهم أن هذه الأرض له ولأولاده ولأحفاده فلا يسرف في استهلاكها ولا يسرع في خرابها.

من خلال الوعي يعلم الإنسان أن هذه الأرض تتسع للجميع فلا يطمع بما لغيره.

من خلال الوعي المتمثل في الإدراك لا يقتل الإنسان أخاه الإنسان.

من خلال الوعي فقط المجتمعات تستطيع أن ترتقي بذاتها وتستطيع أن تخرج نفسها من غياهب الظلام فينعكس في طريقة حياة الأفراد والمنظمات والمؤسسات.

وإذا أردنا أن نتغير في سورية الآن علينا أن نرسخ مفهوم الوعي في أساس أي خطة عمل وإصلاح. ويبدأ ذلك من خلال تكوين الشبكات المجتمعية المتمثلة بالشباب، التي يكون دورها نشر أهمية أن يكون السوري واعياً بشكل كبير لمستقبله، ومدركاً لما وصل إليه من فاجعة، وهنا نستطيع أن نعرف الوعي بشكل بسيط وواضح، هو الحالة العقلية التي يكون فيها عقل الإنسان مدركاً، وله القدرة على التواصل بسهولة وبشكل مباشر مع نفسه، ومع الأشخاص المحيطين به، وذلك باستخدام الحواس الخمس التي يملكها هذا التواصل، يكون إيجابيا لما يملك من فهم واضح لمصلحة الفراد والمجتمع دون أي تأثيرات طائفية أو مذهبية أو قومية أو دينية.

هذه الشبكات لا تكلف بمفهوم التكلفة والميزانية، كأنها مشروع أو مبادرة، إنما تعتمد على الحشد والمناصرة وتحريك المجتمع بما يملك السوري الوعي من أدوات تواصل متاحة ومجانية وسهلة، من خلال هذه الأدوات يوسع دائرة الوعي لتشمل أغلب أفراد المجتمع للوصول إلى التغيير المنشود له ولمجتمعه.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني