مفهوم الطفولة ومحدداتها واحتياجاتها المادية والنفسية والاجتماعية
الطفولة ليست مجرد مفردة للتعبير عن حالة واحدة، بل هي تكثيف كبير لمرحلة من مراحل نشوء الفرد منذ ولادته، ولا يمكن أن تكون هذه المرحلة على نسق واحدٍ، فهي في حالة تحوّل مستمرٍ، وبالتالي مع هذا التحول تتغير حاجات كل مرحلة من مراحل الطفولة، ولذلك لا يمكن دراسة الطفولة بغير تقسيمها إلى مراحل عمرية تظهر فيها الاختلافات في الحاجات والقدرات على الاستقلالية النسبية عن الأبوين.
وإذا أردنا التعبير عن القيمة الكلية التي تمثلها مرحلة الطفولة في حياة الانسان، يكون باستطاعتنا اعتبارها مرحلة ذات أهمية بالغة، حيث تشغل منزلة عظيمة، ففي هذه المرحلة تتشكّل القيم الكبرى لدى الفرد، سواءً الفكرية منها بصورتها الأولية، أو محاولة تلمس الذات، أو قيم الأخلاق والجماليات بصورتها الأولى. هذا يدفعنا للقول إن الطفولة هي إحدى مراحل حياة الإنسان، والتي تتصف بالنمو المستمر، والتطور الملحوظ جسدياً وعقلياً.
الطفل في مراحله الأربع التي سنأتي على ذكرها، تختلف قدراته الشخصية ومعرفته لذاته ومعرفة حاجاته المتغيرة، ورغم أنه في هذه المرحلة يعتمد كلياً ونسبياً على والديه وأفراد أسرته الأكبر منه والأكثر تجربة، لكنه يصعب عليه أداء المهمات المختلفة بشكل مستقل كلياً في المراحل الاًولى من طفولته.
ويمكن الاستدلال على المرحلة العمرية التي تحدد مرحلة الطفولة من خلال تعريف الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، التي عرّفت الطفل بانه “كل انسان لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره، مالم يبلغ سن الرشد قبل ذالك بموجب القانون المطبق عليه”.
هذا التعريف يحدد انتهاء مرحلة الطفولة واقعاً ببلوغ سن الرشد، وقد يمتد ذلك حتى السنة الثامنة عشرة من عمر الانسان، كما رجحته الاتفاقية.
وهناك احتكام قليل الحدوث، أن تمتد هذه المرحلة إلى مرحلة بلوغه سن العشرين عاماً ونيّف، ففي هذه السن يكتمل النمو البدني عند معظم الأفراد ليبلغوا بذلك مرحلة نضجهم.
أما تحديد سن الطفولة فهو مختلف من مجتمع إلى آخر، ومن جيل إلى جيل آخر، أو من شعب إلى آخر، إذ تقترن هذه الحالة بما يمكن أن نطلق عليه النضج البدني، والاعتماد على الذات، في أداء المهمات باستقلالية الفرد في بيئته الخاصة.
وقد جاء في اتفاقية حقوق الطفل: “أن للطفل الحق في الرعاية والمساعدة، وترى أن الأسرة هي الوحدة الأساسية للمجتمع والبيئة الطبيعية لنمو ورفاهية جميع أفرادها وبخاصة الأطفال، إذ تُقر بأن الطفل ينبغي أن ينشأ في بيئة عائلية في جو من السعادة والمحبة والتفاهم”.
لكن علم النفس الذي يستخدم أدوات أخرى في تحديداته، فهو يضع أمامنا مفاهيم جديدة تتعلق بتعريف الطفل، حيث يعتمد في تعريفه على دراسة التفاعلات المتغيّرة في سلوكيات الأطفال وعقولهم، ضمن المرحلة التطورية، التي يمرّ بها الجنين أثناء تخلّقه قبل الولادة، وامتداداً لمرحلة المراهقة.
ويعرّف علماء النفس الطفل: “بأنه الإنسان مكتمل الخلقة والتكوين، الذي لم يصل بعد لمرحلة النضج، ولم تظهر عليه علامات البلوغ.
علم النفس استطاع أن يحدد أنماط السلوكيات المحتملة لكل مرحلة من المراحل الأربع للطفولة، وهذا يستتبع معرفة الميول النفسية للطفل، ومعرفة قدرته على التكيّف والاندماج الاجتماعي مع أقرانه، وبالتالي تعتبر هذه المحددات وغيرها مؤشرات على اتجاه نمو شخصية الطفل، وبنيته النفسية.
علم الاجتماع ذهب إلى غير ما ذهب إليه علم النفس، وهذا أمر طبيعي، لأن علم الاجتماع يدرس الظاهرات والسلوكيات من منظور اجتماعي يمكن اعتباره منظراً لا يبحث في العلاقات الجدلية القائمة بين الفرد الاجتماعي وبيئته بصورة عامة. لهذا سيكون من الطبيعي استنباط تعريفات لمفهوم الطفولة تكون مختلفة في تعريفها لمفهوم الطفل، وقد برزت اتجاهات عديدة في هذا السياق.
علم الاجتماع قسّم مراحل الطفولة إلى أربع مراحل، تعتمد على التقسيم الزمني، وبالتالي تختلف نتائج السلوكيات تبعاً للنمو العمري للطفل واكتسابه للمعارف والقدرات وفق سنه.
الاتجاه الأول: يُطلق مفهوم الطفل على الإنسان منذ لحظات ولادته حتى يبلغ رشده، وهذ تعريف فضفاض لا يبرز الاختلافات السلوكية ونموها عند الأفراد المختلفين، ولا يُظهر المشاكل التربوية التي يعبر عنها سلوك الأفراد بصورة فردية.
أما الاتجاه الثاني فهو يحدّد مفهوم الطفل: “بأنه الانسان الوليد ضمن المرحلة العمرية الأولى حتى بلوغ الثانية عشرة من عمره، بغض النظر عن بلوغه، وهذا التعريف لا يكشف لنا تطور البنية النفسية للطفل واكتشاف ميوله الإبداعية في أي مجال، لذلك هو تعريف فضفاض اقل مساحة زمنية من سابقه، لكنه لا يجيب على تطور مراحل الطفولة.
الاتجاه الثالث هو اتجاه يصف الطفل بأنه الوليد منذ لحظة ولادته حتى بلوغه، على أن يفرّق بين سنّ الرشد وسنّ البلوغ.
لكن دراسة مراحل الطفولة علمياً أظهرت نتائج تشير إلى اختلاف بيني واسع بين حاجات الأطفال وطبيعة إشباعها.
فحين نتحدث عن الاحتياجات الجسدية المختلفة، ينبغي علينا أن نتحدث عن إشباعها بشكل متواصل، حتى تساعد الطفل على النمو والقدرة على العيش. فلكل مرحلة من مراحل الطفولة حاجات يلجأ الطفل إليها لمعرفة بيئته التي يوجد بها، ثم معرفة كيفية بناء علاقات صحية مع محيطه الأسري والمدرسي بعد ذلك.
يولد الطفل باحتياجات نفسية ووجدانية، ومن المهم إشباعها، والإشباع هنا هو إشباع مادي ونفسي في آن، وهذا يساعد على أن ينشأ الطفل ممتلكاً شخصية متزنة، وفي حال عدم قيام الوالدين بإشباع حاجات الطفل النفسية، يحدث خلل في بناء الشخصية الطفلية، ما يجعل منها شخصية ضعيفة غير متزنة وغير سوية.
بالإضافة للحاجات النفسية، هناك حاجات للنمو العقلي، ونقصد تمرين العقل على ألعاب تعتمد على درجة الذكاء وسرعة البداهة، وهي البحث والاستطلاع والاكتشاف، واكتساب المهارة اللغوية والقدرة على التفكير.
كل هذه الاحتياجات يجب تطويرها بشكل إيجابي، لأنها تشكل القواعد اللازمة لتوازن الطفل عقلياً ونفسياً، ولهذا اعتمد علمياً على تقسيم مراحل الطفولة، إذ قُسمت وفق المراحل العمرية، التي تبدأ من الولادة وتستمر حتى سن البلوغ.
وقد قسم علماء النفس الطفولة إلى عدة مراحل متصاعدة، لكي يقدموا إجابات شافية لكل الأسئلة التي تدور في أذهان الآباء والمعلمين، ومن يتولى رعاية الأطفال بصورة عامة.
المرحلة الأولى: وتبدأ من الولادة إلى عمر سنتين.
اما مرحلة الطفولة المبكرة: تبدأ من سن السنتين إلى سن ست سنوات.
وتأتي بعدها مرحلة الطفولة المتوسطة، تبدأ من سن سبع سنوات إلى عشر سنوات.
أما مرحلة الطفولة المتأخرة، تبدأ من سن عشر سنوات إلى سن اثنتي عشرة سنة، وتليها مرحلة المراهقة التي تبدأ من سن 13 سنة إلى سن العشرين.
إن اعتقاد بعض الناس أن متطلبات الطفل تقتصر على إشباع حاجاته المادية، التي تتلخص في المأكل والمشرب والملبس، وهذه أساسيات لا غنى عنها، هي اعتقادات خاطئة ومضرّة، لكنها لا تنفصل عن حاجاته النفسية.
إن ثقة الطفل بنفسه تأتي من تدريبه على مفهوم الاستقلالية، الذي يتلخص في منحه حرية التعبير عما يراه مناسباً.
وإن النمو النفسي السليم، يرتكز في أساسياته على بناء درجة عالية من الثقة بين الطفل وبين بيئته الخارجية، التي تنعكس بشكل تلقائي على ثقته بنفسه.
بقي أن نقول، أين تقع مجتمعاتنا العربية من فهمها لأهمية الطفولة وبنائها خارج الأيديولوجيات المقيتة، التي تحد من حرية التفكير والتعلم والإبداع.
الطفولة مرحلة حساسة في حياة الفرد لأنها مؤثرة في مستقبله وكلما كانت الرعاية صحيحة ونموذجية كلما كانت مقومات الذكاء والإبداع والبناء الصحي والنفسي متكاملة في بناء فرد صالح مؤثر في مجتمعه
لذا رعاية الطفولة بتوعية رائده في الأسرة والمدرسة والمجتمع تحتاج للاهتمام وبناء خطط على صعيد الدولة والمجتمع المدني أيضا