fbpx

العنف والعنف المضاد

0 320

العنف ظاهرة اجتماعية قديمة قدم التاريخ، ليس لها تحديد تاريخي لبدء نشوئها ولا نستطيع أن نقول هنالك نهاية لها. منذ بدء البشرية كان هنالك صراع الإنسان مع الطبيعة للحصول على مستلزمات حياته، واستمراريتها، وتطور الصراع للوقوف بوجه أخيه الإنسان بدافع الأنا والتسلط والحسد والغيرة، فكان قتل قابيل لأخيه هابيل أول جريمة في التاريخ البشري، كما وصفتها الملحمة، فكانت بدافع الغيرة والطمع .

طالما كان العنف هو وسيلة يستخدمها الإنسان للدفاع عن نفسه، أو أسرته، أو ممتلكاته، بالقدر الذي تستلزمه الضرورة القصوى، والمصلحة المشروعة، لكن مصطلح المصلحة المشروعة تكون في غالب الأحيان مطاطة، تستغل وتتوسع وتتلون بحسب التاريخ والجغرافية والقيم والقوانين السائدة بمرحلة تاريخية ما أو منطقة جغرافية ما. فهل نستطيع تضييق دائرتها؟ علينا معرفة الأسباب الحقيقة للعنف، فما هو العنف؟

العنف: هو استخدام القوة والشدة والقسوة بالأقوال والأفعال، واستبعاد اللين والرقة والرفق منها ويمارس العنف من فرد أو جماعة أو دولة ضد النفس أو فرد أو جماعة. يهدف إلى الإذلال والإخضاع والسيطرة وإلحاق الأذى الجسدي والمادي والمعنوي.

أسباب أو عوامل مساعدة على نشوء العنف:

العامل الذاتي أو الشخصي: وهو تحوّل لترسبات الشخصية ومكنوناتها إلى سلوك باستخدام العنف كوسيلة، فالإحباط واليأس والفشل وتعاطي المخدرات وضعف الشخصية وعدم القدرة على التواصل مع الآخرين وعقد النقص و…. كل هذه دوافع وعوامل ذاتية مستمدة من التربية في الأسرة والمدرسة والمجتمع، وهي مؤثرة في تكوين شخصية الفرد، فالتفكك الأسروي وغياب المتابعة والقدوة في الأخلاق والسلوك من أهم العوامل في تكوين الشخصية، والمدرسة مكون رئيس للشخصية، فلا يخفى دور الأساتذة والمعلمين وتأثيرهم على الطلبة، والإمكانيات المتاحة في المدارس، والأساليب التربوية المتبعة لاكتساب المعلومة، وطرقها في بناء القدرات، أو إحباطها.

ثم إن دور المجتمع لا يقل أهمية عن سابقيه، أو بالأحرى دور السلطة القائمة في مجتمع ما.

هنا لابد من إبراز الدور الخطير للسلطة في خلق العنف والعنف المضاد لأنه الأكثر خطورة وتأثيراً في تنمية العنف ونشره أو في محاربته، وأوضح مثال على دور السلطة في العنف إيجاباً أو سلباً أهم مثال (السلطات المستبدة)، غالباً ما يشكل العنف أساساً في وجودها فترسخه عبر وسائل الإعلام الذي يحرض على العنف ويثير الجمهور المتابع له من خلال تعوده على مناظر العنف المصورة أيضاً تجسد العنف وتجمله وتبرره قانوناً (القوانين التمييزية) التي تميّز بين أفراد المجتمع لجهة الجنس أو المعتقد أو القومية أو الرأي أو الدين وتلك السلطة تستبعد مبدأ المواطنة والمساواة فيسود الظلم والقهر في المجتمع وغالبا تلجأ تلك السلطات لمواجهة معارضيها بقوانين قمعية أكثر تمنحها استخدام القوة والعنف فينتج عن ذلك نشوء قوى مضادة تستخدم العنف ضد السلطة وضد الأفراد أحياناً هذا العنف المضاد نتيجة سلوك السلطة العنفي القهري، هذا العنف المعمم سبب رئيس في ازدياد العنف على مستوى البلاد، بدءاً من الأفراد ثم الأسرة ثم المجتمع .

يقوم العنف المضاد على استخدام العنف كوسيلة اعتيادية وانتقامية بنفس الوقت، مثلما يمارس الرجل العنف تجاه أسرته على الزوجة والأولاد أو الأخوات، فما مارسه عليه رئيسه بالعمل من عنف جسدي أو لفظي وشعوره بالضغط والضعف والدونية وعدم قدرته على مواجهته، كل ذلك يدفعه إلى توجيه عنفه، بالانتقام ممن هم تحت سلطته كرب للأسرة.

ولا تقتصر ممارسة العنف على الرجل تجاه المرأة، فالمرأة تمارس العنف تجاه الرجل أيضاً معنوياً كان أم جسدياً وتعنف أولادها وتمارسه تجاه المرأة نفسها أيضاً بما اكتسبته من تقاليد وأعراف مجتمعية فهي تعكس العنف الذي مورس عليها. فتميز بين أولادها الذكور والإناث بالتعامل وتبادل العنف بالعنف .

هكذا تربت وتغلغل العنف في تكوينها ليصبح عادة مثل جزء كبير من أفراد المجتمع الذي يفتقد للعدالة والمواطنة.

لمعالجة العنف علينا معالجة أسبابه وعوامل نشوئه. وللمجتمع المدني دور كبير في ذلك، عبر نشر الوعي في المجتمع ونبذ العنف بكل أشكاله، وإطلاق برامج توعية وتمكين للحد من خطاب الكراهية وشرح خطورته على المجتمعات وتسببه في تفكيكها وانحدارها.

ينبغي مواجهة خطاب الكراهية المولد للعنف والعنف المضاد، فالعنف لا ينتج سوى العنف ويضيع المجتمع في دوامة العنف اللانهائية.

السعي الدائم لإلغاء القوانين والتشريعات التمييزية وترسيخ مبدأ المواطنة وسيادة القانون من أهم وسائل معالجة العنف.

لا يمكن القضاء على العنف أو الحد منه، دون نشر مبادئ العدالة الاجتماعية والمساواة والحرية والكرامة الإنسانية.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني