fbpx

الشاي الأخضر وحروب الأفيون

0 399

يعود تاريخ أول ظهور للشاي الأخضر حسب الأساطير الصينية الى حوالي خمسة آلاف سنة مضت، وينسب إلى أحد الأباطرة الأسطوريين الصينيين حيث الموطن الأصلي لهذه النبتة. كان الإمبراطور معتاداً على شرب كوب من الماء أثناء رحلاته الأسبوعية، فأعد كوباً من الماء الساخن وعندما هم بشربه، سقطت داخله وبدون قصد بعض وريقات الشاي، وعلى الفور تغير لون الماء فتناوله دون أن يتفطّن، وعقب تناوله للشاي أحس بالانتعاش والاسترخاء، فأمر بغلي الماء مع أوراق الشاي الأخضر ليوزع على بقية مرافقيه.

أصبح احتساء الشاي عادة لدى جميع الصينيين من عامة الشعب يستخدم كنبات طبي لعلاج عدد من أمراض الجهاز الهضمي، بعد أن كان مقتصراً على طبقة النبلاء، وفيما بعد أصبح شراباً رئيساً في جميع أنحاء الصين بفضل قدراته على تنقية الذهن وانتقل بعد ذلك عن طريق الرهبان إلى اليابان ودول غرب آسيا جميعها.

قام التجار الأوربيون بنقل الشاي الأخضر عبر المحيطات إلى بلاد الغرب بعد أن عرفوا قيمته، ونتيجة بقائه في سفن الشحن لفترات طويلة حتى وصوله الى السواحل المتوسطية والأوربية، تأكسدت أوراق الشاي بفعل الحرارة والرطوبة وأدى ذلك إلى تحولها للون الأسود، وبعد فترة قصيرة من الإتجار به، أقبل البريطانيون على شربه وتقديمه في المقاهي والحانات وبدأوا يتناولونه بكثرة كمشروب يمنحهم الدفء والانتعاش خصوصاً في الطقس البارد. زاد الطلب على الشاي وأصبح الشراب المفضل في البلاد الأوربية دون منازع، وكان على التجار البريطانيين جلب كميات كبيرة منه لسد احتياج المملكة المتحدة منه على وجه الخصوص، استشعر الصينيون قيمته بالنسبة للغرب وأمريكا، فدأبوا على زراعته على امتداد واسع من الأراضي في بلادهم وأصبحوا يطلبون الفضة ثمناً مقابل الشاي. اكتشف الغرب أن هناك القليل من المنتجات والسلع التي تريدها الصين من تجاراتهم، ولم يعد هناك توازن تجاري بينهما، التوازن الذي عمل الغرب عليه طويلاً ليكون في صالحه، كانت كمية الفضة التي غادرت الخزينة البريطانية، قد أثارت حنق الحكومة البريطانية في ذلك الوقت، ومن أجل ذلك خطط الأوربيون والأمريكيون لجلب كميات كبيرة من الأفيون، وأدخلوها عن طريق الموانئ الصينية لخلق توازن تجاري واستكمال صادراتهم للصين وقاموا أيضا بزراعة الأفيون في الهند البلد المجاور للصين على نطاق واسع، ومن ثم توريده بشكل أسهل إلى الصين بطريقة غير مشروعة، وطالبو أيضاً بدفع ثمنه من الفضة. كان التجار الأوربيون يروجون للأفيون كدواء يخفف الألم ويساعد على النوم، وبحول عام (1840) نتيجة لانتشار تعاطي الأفيون بين الصينيين كان هناك ملايين من المدمنين ولم يسلم من تعاطيه حتى الأطفال، كانت ظواهر الإدمان تدمر المجتمع والاقتصاد الصيني وبدأ الربح الصيني بالتآكل. انتشرت البطالة وعم الضعف والوهن في أرجاء البلاد، وعندما شعر حكام الصين بخطره حيث أنه كان في متناول الجميع، أجبر الإمبراطور الصيني شعبه على حظر جميع أنواع الأفيون واضطر الى حرق مخزون الأفيون البالغ 1400 طن (لشركة الشرق الهندية البريطانية) بعد تحديها للإمبراطور واستمرارها في بيعه وتهريبه، ما أغضب البريطانيين واعتبروه علامة على العداء من قبل الصين، ومباشرة افتعلوا حرباً عليها وأرسلوا سفنهم الحربية وأعداداً كبيرة من الجيوش مباشرة الى بحر الصين، هاجمت تلك السفن السواحل ودمرت القرى، واحتل الجنود البريطانيون أجزاء كبيرة من الأراضي الصينية، وأنزلوا بضائعهم وأعادوا بيع الأفيون بالقوة وبشكل علني دون رادع، ومن ثم عاقبت بريطانيا الصين بانتزاعها جزيرة (هونغ كونغ) منها، وضمها للتاج البريطاني وإجبارها على توقيع معاهدة مذلة، تستأجر بموجبها بريطانيا الجزيرة (99) عاماً مجاناً وذلك عام (1841). وعلى إثر ذلك بقيت الصين تعاني من انتشار الأفيون في بلادها إلى أن حصلت على استقلالها، واعتبر الإتجار به غير شرعي ويعاقب عليه القانون عام (1945).

شغف الكثير من الناس بشرب الشاي ووصفوه بطريقة شاعرية يقولون :”كونوا عليه مدمنين لأنه – شفاء النفوس ان عراها سقام” هل تستحق أوراق الشاي الأخضر التي أرضت في طيب تذوقها جميع الشعوب كل هذا العناء؟ وهل يبرر للغرب هذا الإذلال والإخضاع المهين للشعوب التي امتلكتها؟ لاشك أنها وصمة عار في جبين الغرب. ستبقى أوراق الشاي بنوعيه الأخضر والأسود أفضل المشروبات الراقية التي عرفتها البشرية منذ قرون من حيث فوائدها في رفع نشاط الإنسان وفعاليتها المؤكدة في مقاومة الأمراض. هناك بحوث حديثة تدعم المقولة ومؤكدة أن الشاي هو دواء إعجازي يزيد من كفاءة الجهاز المناعي ويساعد على الاسترخاء والتهدئة بسبب مضادات الأكسدة الطبيعية للورقة.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني