fbpx

الانتخابات اللبنانية.. بين الآمال الراهنة وحقائق السياق التاريخي

0 131

الانتخابات رسمت واقعاً جديداً في المشهد السياسي اللبناني، وأكدت مرة جديدة أن اللبنانيين لا يريدون السلاح غير الشرعي، ولا الدويلة غير الشرعية، ولا الاستقواء بالخارج، لإخضاع الداخل.

فهل يعود حزب الله إلى الخيار اللبناني قبل فوات الأوان؟ (MTV).

يقيناً أن ديمقراطية الميليشيات الطائفية، ثمرة شراكة السيطرة والنهب الإقليمية الأيروأمريكية، هي أسوأ آليات أشكال النظم الديمقراطي ممارسةً، وأكثرها تفتيتاً للشعوب والمجتمعات، وتفشيلاً لمؤسسات الدول، لكنها تبقى، على عيوبها البنيوية تلك، والحق يقال، أفضل أشكال سلطات نظم الاستبداد، بنموذجيها السعودي الناصروبعثي التي عرفتها المنطقة طوال عقود ما بعد الاستقلال!!

في سياق قراءتنا للمشهد السياسي اللبناني الجديد، يمكن ملاحظة احتفاظ تحالف حزب الله وأمل[1] باحتكار التمثيل الشيعي، وحصول إعادة تموضع في التمثيل السياسي الماروني[2] لصالح جناح جعجع، وتراجع تمثيل حلفاء حزب الله لصالح قوى أخرى، تتصدرها شخصيات الحراك المدني الثوري، التي برزت في أعقاب ثورة تشرين الأول 2019؛ لكن المقارنة الحقيقية التي يجب التركيز عليها ليس التغييرات الكمية داخل أجنحة السلطة الطائفية المتنافسة فقط، بل بين أقطاب السلطة من جهة، وقوى الثورة والتغيير من جهة ثانية، بمعنى، إذا إخذنا بعين الاعتبار أنها الانتخابات الأولى خلال مرحلة ما بعد ثورة تشرين الأول، التي طرحت برنامج تغيير ديمقراطي وطني شامل وجريء، يجب توضيح ما حققته رموز الحراك السياسي الثوري، بالمقارنة مع جميع أقطاب السلطة.

إن المقارنة بين ما حققته اهداف الثورة وقواها، مع اقطاب السلطة كلن، ندرك إلى اية درجة نجح المتنافسين على خارطة المشهد السياسي السلطوي في ابعاد قوى التغيير، وتحجيم دورها ونفوذها إلى مستويات تضعها في حالة ضعيفة، غير قادرة على التأثير والفعل الوطني، ولا حتى اعاقة تقدم الخيارات السلطوية، التي اوصلت الدولة اللبنانية الى هذه المرحلة من التفشيل، على جميع الصعد والمستويات!!

حقائق الواقع، في عوامل سياقها التاريخي والراهن، تظهر إلى أي حد نجح أقطاب السلطة الطائفية، بجميع رموزها، في هزيمة مشروع التغيير الوطني الديمقراطي، أهداف وقوى ومستقبل!.

1- القاعدة الدستورية، القانونية التي أجريت على أساسها الانتخابات الراهنة هي قانون الانتخاب الطائفي، غير الوطني، الذي يعزز وسائل الانقسام العمودي في المجتمع، لصالح استمرار سيطرة زعامات الطبقة السياسية الطائفية، وشركائهم الخارجيين، ويشكل آليات عمل الحلقة المفرغة التي يدور فيها النظام السياسي اللبناني منذ الاستقلال – رغم ما قدمه اللبنانيون من تضحيات وضحايا طوال عقود على مذبح التحرر والديمقراطية والاستقلال – وضعت قوانين لعبتها السياسية خلال المرحلة الأولى من الاستقلال، وتكرست خلال مراحل الحرب الأهلية، لتلبي مصالح القوى الخارجية، وركائزها المحليين، ولا ينتج بالطبع، نهجها السياسي ومصالح طبقتها السياسية المسيطرة، الوسائل الوطنية لمواجهة حزمة التحديات التي يواجهها لبنان؛ التي باتت أكثر من مصيرية، على جميع الصعد المرتبطة بمؤسسات الدولة والشعب والعلاقات الجيوسياسية الإقليمية، وأوصلت لبنان الكيان الى مرحلة الانهيار الشامل؛ وقد شكلت جرائم التدخل الميليشياوي في شؤون الدول المجاورة، وتفجير المرفأ/بيروت، وحيثياتها، وسياسات نهب البنوك وإفلاسها، أكثر مظاهر ممارسات الطبقة السياسية المهيمنة تدميراً لمقومات الدولة، ومصالح اللبنانيين والسوريين، وشعوب المنطقة.

2- إن المنتصر، في نهاية المطاف هو النموذج الطائفي، الميليشياوي، الذي فرضته قوى الثورة المضادة التي انتصرت في الصراع على لبنان، خلال النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي، وكرسه اتفاق الطائف، 1989، وليس الشكل السياسي البديل، الذي نادت به الثورة الديمقراطية، التي تفجرت في تشرين الأول 2019، تحت شعار كلن – يعني كلن، وطرحتها في برنامجها للتغيير الديموقراطي؛ ولا يغير من هذه الحقيقة وصول بعض رموز الثورة، ومناصريها، وبعض نشطاء الحراك المدني إلى قبة البرلمان، الذي يمثل أهم رموز النظام الطائفي ومؤسسات سيطرته الطبقية[3].

فرغم التغيير المهم في توزيع الحصص، لصالح خصوم حزب الله وحليفه الماروني العوني[4] تبقى الكلمة الأخيرة في تحديد طبيعة السلطة، ورسم أدوار مؤسساتها، السياسية والاقتصادية والتشريعية، بيد حزب الله – القوة المهيمنة ميليشياوياً على النظام السياسي اللبناني، والأوثق ارتباطاً بمصالح مراكز القوى الإقليمية والدولية التي تملك خيوط اللعبة، (النظام الإيراني والولايات المتحدة)!.

3- في الجوهر، يعتمد تفعيل أداء مؤسسات الحكم أو تعطيلها (وللحزب خبرة كبيرة في استخدام هذا السلاح!)، خلال المرحلة القادمة، على طبيعة الصفقات السياسية التي سيصل إليها أقطاب السلطة الجديدة، الخصوم والشركاء، على حد سواء، بتكتلاتها النيابية الرئيسية، خاصة مجموعة حزب الله و جعجع، وطبيعة المساومات التي تعقدها مع المؤسسات الإمبريالية العالمية، وفي ظل حقائق موازين القوى التي تفرصها سلطة السلاح، وعلى حساب جميع اللبنانيين واقتصادهم، وسيادة الدولة، وآمال التغيير والإصلاح، التي عمل بعضهم على استغلالها، والجميع على دغدغتها، خلال الدعاية الانتخابية!

4- إقليمياً، تؤكد عوامل القراءة السابقة التشاؤمية ما يحدث على الصعيد السوري من إجراءات لتحقيق أهداف مشروع أمريكي – أعطته صفقة القرن السورية التي توصل إليها قادة المؤسسات الأمنية الروسية والأمريكية والإسرائيلية في قمة القدس المحتلة – 22 حزيران، 2011 الغطاء السياسي، الإقليمي والدولي – يعمل على تأهيل متزامن لسلطات الأمر الواقع، وبما يضمن استمرار دور إيراني مركزي في ضمان التنفيذ، والاستمرارية، خاصة قي حصة سوريا المفيدة![5]

5- تاريخياً، وفي السياق الإقليمي/الأمريكي، رغم أن آليات الحكم التي مارستها النخب السياسية في سوريا ومصر والعراق، في مراحل الاستعمار الأخيرة، ومراحل الاستقلال الأولى، كانت أرقى بالمعنى التاريخي من نظم الديمقراطية الطائفية الميليشياوية الراهنة، في العراق ولبنان، وكانت أرقى بما لا يقاس في معايير سلم التقدم الحضاري من النموذجين الاستبدادين السعودي والناصروبعثي، لكن الحقيقة التي يجب أن تبقى ماثلة أمام شعوب المنطقة ونخبها الوطنية الديمقراطية الحقيقية، هي أن جميع أشكال تلك النظم البرجوازية السياسية – بنماذجها السعودية والناصروبعثية، وفي نسختها الأخيرة، ديمقراطية الطوائف الميليشياوية – لم تكن نتيجة وانعكاساً طبيعياً في البنى الفوقية، لبنى اقتصادية واجتماعية وسياسية كولونيالية/تابعة فحسب – تشكلت وتطورت في سياق تاريخي محدد، سياق تحول البورجوازيات الرأسمالية إلى بورجوازيات إمبريالية، حددت عوامله سمات تميزها عن البورجوازيات الإمبريالية، وطبيعتها اللاوطنية – بل علاوة على ذلك، وبما يعمق عوامل التخلف والتبعية البنيوية، ويعيق حراك التغيير الديمقراطي السياسي، ويفشل جهود قواه، هو تسيد سلطات أنظمة المنطقة المعادية للتغيير الديموقراطي في سياق خطط استراتيجية أمريكية، سعت بعد الحرب العالمية الثانية بشكل خاص، لإحكام سيطرتها على قلب مثلث الطاقة الاستراتيجي العالمي، ومحيطه الجيوسياسي، في إطار إحكام هيمنتها العالمية، وعبر علاقات نهب وسيطرة تشاركية مع سلطات أنظمة استبدادية، عملت على بنائها وتعزيز أدوات سيطرتها السياسية والأمنية، بأكثر الوسائل تدميراً لمقومات الدولة الوطنية، وفي مواجهة قوى وأهداف التغيير الديمقراطي والتحرر الوطني والقومي!

فأشكال النظم السياسية التي عرفتها دول سايكس بيكو وما تزال حتى اللحظة، وإلى أجل غير معروف – كما تبين حقائق الواقع المرة – هي وليدة نمط إنتاج رأسمالي كولونيالي![6]. فهي من جهة، استجابة لمصالح وسياسات، وخطط القوى الخارجية للسيطرة السياسية والنهب الاقتصادي الإمبريالي (الأمريكي، بالدرجة الأولى في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية)، وهي، من جهة ثانية، التجسيد الواقعي، العياني، لمصالح الأذرع الوطنية، التي كلفت بأدوار المرتكزات المحلية والإقليمية، لآليات النهب والسيطرة التشاركية الإمبريالية، وتحظى، مقابل دورها الوظيفي، بمظلة حماية إمبريالية، تمكنها من مواجهة ثورات الشعوب الديمقراطية، وتثبيت أدوات سيطرتها التشاركية، بما يضع قوى التغيير السياسي لشعوب المنطقة في مواجهة تحالف عالمي مضاد، بأدواته المحلية والإقليمية والدولية.

تغير الأشكال، وأساليب المواجهة لا يبدل الجوهر، وهي حالة طبيعية لتغير الظروف الموضوعية والذاتية، لا أكثر، والثابت في صيرورة التدمير الشاملة، التي تقودها الولايات المتحدة، بأذرعها المحلية والإقليمية، هو السعي لتوفير أفضل شروط تحقيق أهداف وخطط النهب والسيطرة الإقليمية، في سياق تعزيز شروط هيمنتها العالمية، عبر حماية مرتكزات مشروعها، التي تجسدها سلطات الأنظمة المسيطرة!.

حقائق شراكة السيطرة والنهب، بآلياتها وأذرعها الأمريكية، أكثر من واضحة، ولن تستطيع الدعايات المضللة، التي تساهم نخب الطابور الخامس في ترويج أكاذيبها؛ لأسبابها الخاصة، أو لمصلحة قوى النهب والسيطرة التشاركية التي ترتهن لها؛ تغييبها إلى الأبد!.

هي الحقيقة الواقعية الوحيدة التي ينبغي على قوى التغيير السياسي الديمقراطي أن تأخذها بعين الاعتبار القصوى، في سياق إنتاج وعي سياسي ثوري، وفي إطار رسم خطط ومسارات وأدوات التغيير.

فلن تخرج شعوب هذه المنطقة من حالة المأزق التاريخي الذي تعيشه، وحشرت في زواياه القاتلة – والذي ينتقل بها من مرحلة سيئة، إلى حالة أسوأ، في صيرورة انحطاط لسياسات أمريكية لانهاية لها – إذا لم تنجح في فرز نخبها الوطنية الشريفة، التي تمثل حقاً مصالح الشعوب، وتسعى لمراكمة ما يكفي من الخبرة والوعي السياسي الموضوعي، القادر على توجيه بوصلة الشعوب نحو المخارج الممكنة، الأقل إيلاماً!.

السلام والعدالة لشعوب المنطقة، والمجد لنخبها الشريفة.


[1]– الذي كلف رسمياً بقيادة مركبها، منذ 1989، بناء على معطيات الحرب الميليشياوية التي أعقبت الغزو الإسرائيلي للبنان 1982، وتكريساً لصفقة اتفاق الطائف الأمريكية؛ السعودية/السورية.

[2]– الذي بات يمثله الثنائي جعجع/عون نتيجة للمتغيرات التي فرضتها الحروب الميليشياوية في أعقاب الغزو الإسرائيلي 1982، وكرسها اتفاق الطائف، 1989.

[3]– في دائرة بيروت الأولى (الأشرفية، الرميلة، المدور، الصيفي)، وعن لائحة لوطني التي تمثل المجموعات المدنية المستقلة، فقد فازت بمقعدَيْن، الأول لبولا يعقوبيان، والثاني فازت به سينتيا زرازير. وحصدت عن دائرة بيروت الثانية (رأس بيروت، دار المريسة، ميناء الحصن، زقاق البلاط، المزرعة، المصيطبة، المرفأ، الباشورة)، لائحة بيروت التغيير التي تمثل مجموعات مدنية مستقلة 3 مقاعد نيابية مع فوز إبراهيم منيمنة، ملحم خلف، ووضاح صادق.

وقد تمكنت لائحة معاً نحو التغيير في (دائرة الجنوب الثالثة) التي تمثل المجموعات المدنية المستقلة، من إحداث خرق غير مسبوق في معقل حزب الله وحركة أمل بحصدها مقعدَيْن، الأول لفراس حمدان والثاني لإلياس جرادي. تمكن فراس حمدان، (وهو محامٍ من أصغر المرشحين سناً (مواليد عام 1987)، من إسقاط أحد أبرز وجوه المنظومة المصرفية مروان خير الدين، كما ينشط حمدان في لجنة المحامين للدفاع عن حقوق المتظاهرين، وهو من الوجوه البارزة في انتفاضة 17 تشرين، وتعرض لإصابة خطرة خلال مشاركته في تظاهرة إبان انفجار مرفأ بيروت في أغسطس/آب 2020، حيث خضع لعملية في القلب.

لائحة التغيير الحقيقي فاز عنها مصر إيهاب مطر وفراس السلوم، وقد نالت لائحة انتفض للسيادة للعدالة مقعداً فاز به رامي فنج.

للعلم، فاز عن دائرة الجنوب الثالثة، عن لائحة الأمل والوفاء، علي حسن خليل؛ صادرة بحقه مذكرة توقيف غيابية بقضية انفجار مرفأ بيروت ومن أبرز معطلي التحقيق.

[4]– أبرز الخاسرين، في جميع الدوائر، وفقا للنتائج التي اعلن عنها وزير الداخلية اللبناني بسام مولوي:

  • في دائرة الجنوب الأولى جزين – صيدا، تلقى التيار الوطني الحر برئاسة النائب جبران باسيل، (صهر الرئيس ميشيل عون) ضربة قوية بخسارته مقعدَيْه النيابيين في جزين، التي كانت تمثل أبرز معاقله!.
  • في دائرة جبل لبنان الأولى (جبيل – كسروان) يعد أبرز الخاسرين في هذه الدائرة صهر رئيس الجمهورية، النائب السابق شامل روكز.
  • على صعيد دائرة البقاع الثانية، أبرز الخاسرين نائب رئيس مجلس النواب إيلي فرزلي.
  • على صعيد دائرة جبل لبنان الرابعة (الشوف وعالية(، تم تحييد حليفي حزب الله، وئام وهاب، وطلال أرسلان.
  • على صعيد دائرة جبل لبنان الثانية (المتن(، خرج أدي معلوف، نائب التيار السابق.

كما تمكن المرشح عن المقعد الأرثوذكسي في حاصبيا مرجعيون إلياس جرادي من إسقاط النائب أسعد حردان (يمثل الحزب السوري القومي الاجتماعي). وسليم سعادة عن القومي السوري، في دائرة الشمال الثالثة، عن لائحة شمال المواجهة؛ حليفي حزب الله!.

[5]https://ninarpress.net/?p=13636

[6]– مهدي عامل، مقدمات نظرية لدراسة أثر الفكر الاشتراكي في حركة التحرر الوطني، القسم الثاني في نمط الإنتاج الكولونيالي، دار الفارابي، بيروت، 1976.

قدم الراحل مهدي عامل – الذي يصادف يوم 19 الشهر الجاري الذكرى السنوية لاغتياله على يد قوى ميليشياوية طائفية، استهدفت عن وعي وترصد النخب السياسية والثقافية المتميزة في صفوف اليسار الوطني المقاوم، وقادة الصف الأول في الحزب الشيوعي اللبناني، في سياق سعيها لفرض منطقها المقاوم، وهيمنتها الظلامية السياسية والثقافية، ما تزال تملك كل وسائل الإفلات من العدالة، مستقوية بقوة السلاح، وبالارتهان لمشاريع القوى الخارجية – وصفاً دقيقاً لطبيعة العلاقات الجدلية التشاركية بين البورجوازيات الإمبريالية والبورجوازيات الكولونيالية في منطقتنا.

لقد توصل المفكر الكبير، الرفيق طارق إلى استنتاجات علمية مذهلة، ما زلنا، كنخب سياسية وثقافية ماركسية نجهل ما يترتب عليها من آثار في الممارسة الثقافية والسياسية للصراع الطبقي.

منطلقاً من تساؤل أساسي، ما هي الأشكال المحددة التي تتميز فيها حركة القوانين التاريخية الكونية في الحركة التاريخية للمجتمعات العربية المعاصرة (في التناقض – ص7) وباستخدام الأدوات النظرية التي بلورها في الجزء الأول في التناقض، ومن قضية أن محور إنتاج فكر ماركسي عندنا هو إنتاج نظرية للتخلف ضمن حركة نقدنا لها (ص 202)، وبناء على نتائج دراسات تلك النظرية، التي بينت أن الوجود الفعلي للتبعية للإمبريالية، من حيث هي تبعية بنيوية، ليس في تبعية البرجوازية الكولونيالية للبرجوازية الإمبريالية، أي أنه ليس في تبعية طبقة لطبقة، برغم الوجود الفعلي لهذه التبعية الأخيرة، بل هو قائم في تبعية بنية من علاقات الإنتاج، هي البنية الكولونيالية، لبنية أخرى من علاقات الإنتاج، هي البنية الرأسمالية في طور تطورها الإمبريالي. والبنية الأولى تتميز عن الثانية، أي تتخالف معها، في تبعيتها لها (83)، وأن تبعية البنية للبنية، هي أساس تبعية الطبقة للطبقة، وتظل قائمة حتى وإن اختفت هذه، وليس بكاف أن تصل إلى السلطة، أو أن تكون في السلطة، طبقة غير البورجوازية الكولونيالية التقليدية – كالبرجوازية الصغيرة مثلاً – لا ترتبط بالبورجوازية الإمبريالية ارتباطاً وثيقا طبقياً مباشراً، حتى تنتفي التبعية البنيوية، التي في إطارها تتطور البنية الاجتماعية الكولونيالية؛ وهو ما ينطبق على الطبقة المتوسطة، التي قطعت عليها شروط تكون التبعية البنيوية التاريخية طريق صيرورتها طبقة مهيمنة، فسد عليها كل إمكان في أن تحمل في صيرورتها هذه نمطاً جديداً من الإنتاج غير هذا النمط الكولونيالي الذي ولدها، حين قطع على البنية الاجتماعية الكولونيالية، في تكونها التاريخي كبنية كولونيالية، وبهذا التكون نفسه، طريق الانتقال إلى الرأسمالية (86)؛ بحث الفيلسوف الماركسي في أهم عوامل السياق التاريخي لنشوء وتطور علاقات الإنتاج الكولونيالية، محدداً أبرز أسباب تشكل علاقات النهب والسيطرة التشاركية بين سلطات أنظمة النظام الرأسمالي العالمي الإمبريالية، وسلطات الأنظمة الكولونيالية في الإقليم.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني