fbpx

حكم قراقوش.. رجالٌ من التاريخ

0 130

مقتطفاتٌ من شخصيةِ قراقوش لمحدِّث الشام وفقيهها العلامة الأديب علي الطنطاوي رحمه الله في كتابه الشهير (رجالٌ من التاريخ) يقول:

أحدِّثكم اليومَ عن رجلٍ راح ضحية الأدب المُفتري كما راح كافور الاخشيدي ضحيَّة الشعر الظالم الذي لفّقه المتنبي بحقِّ حاكمٍ عادلٍ حكم مصر باقتدار وأسس دولةً مرهوبة الجانب..

هو بهاء الدين قراقوش ذلك الشهم المسكين الذي صار على ألسنة الناس في كل زمان ومكان المثلَ المضروب لكل حاكم ظالمٍ فاسد في الحكم…

كلما أراد الناس أن يصفوا حكمًا بالجور والفساد قالوا:

هذا حكمٌ كحكمِ قراقوش…

قراقوش معناها بالتركية: النسر الأسود (قوش: أي نسر قرا: أي أسود)

إن قراقوش له صورتان:

صورة تاريخيَّة عظيمة صادقة وصورة روائيَّة فاسدة صوَّرها أعداءٌ له وللمسلمين من الحاقدين المنافسين وهي مشوّهةٌ مزيّفة…

العجيب أن الصورة التاريخية الحقيقية طُمستْ ونُسيتْ والصورة الخيالية المزيّفة بقيتْ وخُلِّدتْ في أذهان الناس…

من هو قراقوش البطل الأسطورة؟

هو أحد قادة بطل الإسلام الناصر صلاح الدين الأيوبي محرر القدس الشريف…

كان من أخلص أعوانه وأقربهم إليه وكان قائدًا مظفرًا وجنديًّا أمينًا ومهندسًا حربيًّا منقطع النظير…

كان مثالاً كاملاً للرجل العسكري إذا تلقّى أمرًا من صلاح الدين أطاع بلا معارضة دون نظرٍ أو تأخير وإن أمر أمرًا لم يرض من جنوده بغير الطاعة الكاملة دون اعتراضٍ أو تأخير فكان أعجوبة في أمانته وإخلاصه لولي أمره الناصر صلاح الدين رضي الله عنه وأرضاه…

لما أحسّ حكام مصر العبيديون بقرب زوال ملكهم شرعوا يعبثون بنفائس القصر ويحملون منها ما يخف حمله ويغلو ثمنه…

كان القصر مدينة صغيرة كدَّس فيها الحكام خلال قرون من التحف والكنوز والنفائس ما لا يحصيه العدُّ ولو أن عشرة لصوص أخذوا منه ما تُخفِي الثياب لخرج كلٌّ منهم بغنى الدهر ولم يحس به أحد…

وكَّلَ صلاح الدين قراقوش بحفظ القصر فنظر فإذا أمامه من عقود الجواهر والحلي النادرة والكؤوس والثريات والبسط المنسوجة بخيوط الذهب ما لا مثيل له في الدنيا هذا فضلاً عن عرش الحاكم الظالم الذي كان من أرطال الذهب ومن نوادر اليواقيت والجواهر ومن الصنعة العجيبة ما لا يقدَّر بثمن…

كان في القصر فوق ذلك من ألوان الجمال المئات والمئات من الجواري المنحدرات من كل أمم الأرض ما يفتن العابد…

لم يفتِنْهُ الجمالُ ولا أغواهُ المالُ…

وفَّى الأمانة حقها ولم يأخذ لنفسه شيئًا ولا ترك أحدًا يأخذ منها شيئًا…

هو الذي أقام أعظم المنشآت الحربية التي تمت في عهد صلاح الدين…

إذا ذهبتم إلى مصر وزرتم القلعة المتربعة على المقطَّم المطلة على المدينة فاعلموا أن هذه القلعة بل هذه المدينة العسكرية أثرٌ من آثار قراقوش…

إذا رأيتم سور القاهرة الذي بقي من آثاره إلى اليوم ما يدهش الناظر فاعلموا أن الذي بَنَى السور وأقام فيه الجامع وحفر البئر العجيبة في القلعة هو قراقوش…

لما وقع الخلاف بين ورثة صلاح الدين وكادت تقع بينهم الحرب ما كفَّهم ولا أصلح بينهم إلا قراقوش…

لما مات العزيز الأيوبي وأوصى بالملك لابنه المنصور وكان صبيًّا في التاسعة جعل الوصي عليه والمدبر لأمره قراقوش فكان الحاكم العادل والأمير الحازم فأصلح البلاد وأرضى العباد….

هذا قراقوش.. فمن أين جاءت تلك الوصمة التي وُصم بها؟ ومن الذي شوَّه هذه الصورة السويَّة؟

إنها جريمة الأدب المأجور المزيّف الذي يكيد لعظماء تاريخنا ويدأب الأعداء دائما الى اسقاط القدوات بالتشويه والتزييف…

قراقوش الحاكم الأحمق المستبد:

ألف الكاتب الحاقد على الاسلام والمسلمين (الأسعد ابن مماتي) وهو مُدَّعٍ للإسلام تقيّةً كتاباً ساخراً عن قراقوش رحمه الله بعنوان:

الفاشوش في حكم قراقوش

لا يُذكر قراقوش إلا ذكرَ الناسُ هذه الحكايات العجيبة وهذه الأحكام الغريبة التي نسبت إليه وافُتريت عليه…

ضمَّن ابن مماتى الكتاب حكايات تصور قراقوش فى صورة الحاكم الباطش الغبى الظالم الذى لا يعي مايفعل…

هى الصورة التى شاعت بين العامة الذين كانوا ومازالوا يطلقون على كل حكم ظالم اسم «حكم قراقوش»

قراقوش هو الحاكم والقاضي الذى يجمع بين البطش والغباء…

من الأحكام العجيبة التى ينقلها ابن مماتى عن قراقوش: أنه سابقَ رجلاً بفرس له، فسبقه الرجل بفرسه، فحلف أنه لايُعلفه ثلاثة أيام…

فقال له السابق:

«يا مولاي يموت». رد قراقوش:

«اعلفه أنت ولا تعلمه أنني دريت بذلك»

مر متسول يطلب طعاماً فأجابه قراقوش:

لقد مزَّقتَ نياط قلبى بشكواك ولا أجد سوى السجن مقاماً لك تأكل حتى إذا شبعت أفرجت عنك..

سأل قراقوش بائع حليب غشاش:

كيف تخلط الحليب بالماء؟

فأجاب البائع:

أنا أغسله فقط.

فقال قراقوش:

أنت رجل تحب النظافة ولا لوم عليك، ويوضعُ من بلَّغ عنك في السجن…)

من أحكام قراقوش الملفّقة أن سيدة ذهبت تشكو صاحب المنزل أنه قبَلها فقال قراقوش:

قبَليه مثل ما قبلك…

سخر الحاقد ابن مماتي من جهل قراقوش بالدين وكتب أن شاعراً تقدم لمدحه، ولما انتهى قال له:

 «يا مقرئ لقد قرأت قراءة طيبة». فلم يفرق بين الشعر والقرآن

هذه هي الصفحات الناصعة من تاريخنا سوَّدها الأدب الحاقد المأجور من قبل الفاسدين ضعاف النفوس…

لتاريخ دوماً يكتبه المنتصرون ويزيّف حقائقه الكتّابُ الحاقدون والمؤرخون المأجورون، زيّف بعض الحاقدين المدسوسين على الإسلام شخصيةَ القائد البطل قراقوش في عهد الناصر صلاح الدين الأيوبي الذي حرر القدس وطرد منها الغزاة الصليبين.

شاهدنا جميعا فيلم صلاح الدين الذي أخرجه ذلك الحاقد المروج للفساد ولتشويه تاريخ العظماء المهرج والمخرج السينمائي (يوسف شاهين) ونحن نتابع أحداث الفيلم المزيّفة والمزورة.

جاء في شخصيات الفيلم السينمائي أن قراقوش كان والي عكا وكان اسمه قد ارتبط في الأذهان بالخيانة في فيلم (صلاح الدين).

زعموا أنه هو من ألقى السلاح في البئر ليسمح للفرنجة بدخول واحتلال عكا بكل يسر وسهولة.

ارتبطت الصورة بمشهد الهتاف الصارخ في الفيلم.

أين السلاح.. خيانة…

يظهر بعدها قراقوش الخائن المسخ كما صوره يوسف شاهين وهو ممسكٌ الخمرَ ليصبَّ لملوك الفرنجة المحتلين وهم يضحكون ويتندَّرون بسهولة الاستيلاء على عكا وتظهر صارخةً مقولة الملك ريتشارد وهو يصرّح:

معركة عكا كانت نزهة عسكرية لا حرب بالمعنى الصحيح

مات قراقوش الحقيقي وبقي قراقوش الفافوش…

كما مات العظيم كافور التاريخ المجيد وبقي كافور المتنبي العبد المخصي..

متى نعيد كتابة التاريخ الحقيقي لأمتنا من جديد ليكون أبطالنا قدوة في مسيرة حياتهم؟!!

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني