fbpx

قراءة في رواية الاعترافات

0 190

تأليف: ربيع جابر

اصدار: دار التنوير

ط1 2008، ط3 2015

ربيع جابر روائي لبناني متميز، واكب الواقع اللبناني التاريخي والمعاصر عبر أعماله الروائية المتتالية والغزيرة.

الاعترافات؛ رواية تنهل من واقع الحرب الأهلية اللبنانية، التي اندلعت في عام 1976م، تعيد إنتاج الحالة من خلال ذاكرة طفل عاش تلك المرحلة، من ذاكرته وما انطبع منها وعنها في عقله، ذلك بعد مضي أكثر من ثلاثين عاماً، الطفل لم يكن مجرد شاهد، هو جزء من ضحايا هذه الحرب، وهو أحد تبعياتها الجانبية، حيث غاصت عميقاً في شعوره ووجدانه دائماً. تعتمد الرواية تقنية السرد المسترسل الدائم غير المضبوط إلا بما تقدمه ذاكرة هذا الشخص الذي يعمل مدرساً جامعياً في أمريكا الآن، في الألفية الثانية، أنه ذلك الطفل الذي يقدم اعترافاته إلى آخر يخاطبه، يبدو لوهلة أنه يتحدث مع القارئ كصديق حميمي يخبره عن خبايا نفسه، أو هو يكلم نفسه، التي هي بالحقيقة شخصان، هذا ما توضحه الرواية.

تبدأ الرواية من تذكر الطفل مارون لأسرته وبيته وأهله في بيروت الشرقية، يتذكر والده ووالدته وأخواته البنات وأخاه الأكبر، يتذكر أيضاً صورة لأخيه مارون المسمى على اسمه المعلقة على جدار البيت، مات وهو صغير. مارون يتذكر طفولته أيام الحرب الأهلية اللبنانية، حيث قسمت بيروت إلى شطرين، الشرقية حيث منطقة المسيحيين، والغربية حيث منطقة المسلمين، لا تغوص الرواية كثيراً عن سبب الصراع وأطرافه ولا القوى الإقليمية والدولية المنخرطة فيه، لا يذكر انتقال الفدائيين الفلسطيني إلى لبنان بعد مجازر أيلول الأسود 1970م في الأردن، قائدهم أبو عمار، وتحالفهم مع القوى الوطنية اللبنانية المتعاطفة معهم بقيادة كمال جنبلاط، ورفض القوى المسيحية لذلك ودعمهم من الأمريكيين والأوربيين ومن (الإسرائيليين) سراً وعلناً ضد الوجود الفدائي، ثم توتير الأجواء حتى تتحول لحرب أهلية لبنانية مسيحية – إسلامية دون أن تكون هي كذلك، إلا بكون المسيحيين والمسلمين اللبنانيين وقود هذه الحرب وضحاياها، لا يذكر أيضاً التدخل السوري على خط الصراع ليتحول مع الزمن لهيمنة سورية على لبنان يستفيد منها النظام السوري، وضحيتها الشعب اللبناني والوجود الفدائي الفلسطيني في لبنان الذي طرد منها في ثمانينيات القرن الماضي. الطفل يتذكر العائلة التي هو جزء منها، وأنه كان محاطاً بالحب والحنان والاهتمام لأنه الأصغر لأنه يشبه أخاه المتوفى مارون. سيتعرف مارون على حقائق حياته أولا بأول، مارون الآخر في الصورة كان يلعب في بداية الحرب في الحارة (الأشرفية) لكنه اختفى وبعد فترة علموا بوجود جثته مقتولاً ومرمياً في إحدى المناطق القريبة. كان الأب ما قبل ذلك غير منخرط في الحرب، لكنه بعد ذلك أصبح مع المقاتلين يتواجد على نقاط التماس، يقاتل ويقتل، وسرعان ما التحق به الأخ الأكبر، مارون الصغير سيعرف أنه ليس ابن العائلة، وأنه يشبه ابنهم فقط ومن عمره أيضاً، وأنه كان قد أنقذه والده الحالي من سيارة على إحدى الحواجز مع بيروت الغربية حيث المسلمين، قتل كل من فيها وهو أصيب وأنقذه والده الحالي، أحضره إلى بيته وعالجه حتى شفي واعتبره ابنه، سجله في خانته استمراراً لابنه المقتول مارون، مارون الجديد يحاط بالحنان والحب نعم لكن سيجد نظرات مختلفة دوماً، عندما يعرف أنه ابن عائلة أخرى، يدخل في دوامة نفسية، من هو؟، من أهله؟، ما اسمه السابق؟. يعيش دائماً في صراع نفسي بحثاً عن حقيقة حياته، الأب يقتل لأنه ضحية قتل ابنه، الأخ يقتل لأن القتل يعطيه اعتباراً شخصياً، ويؤمن له المال والنفوذ، أمه الجديدة كانت رمز الترابط العائلي، الكل يعود إليها كمركز للعائلة، تدخلاتها في حياة زوجها وأولادها قليلة، الأخوات يكبرن ويخترن حياتهم بأشكال مختلفه، منهم من تتزوج وتذهب إلى فرنسا والاخرى لأمريكا، هو يكبر وسط رعاية العائلة، يكمل دراسته كان مجتهداً، دخل الهندسة المدنية في الجامعة، تفوق وأصبح مدرساً، أحب فتاة واحبته وعاش معها علاقة جسدية، وعندما طلب الزواج منها رفض والدها، وأخبره أن له أسبابه، كان يوحي له بأنه يعرف أنه ليس مارون المسيحي، ليس منهم، لذلك لن يزوجه ابنته، لذلك بقي دون زواج، مسكون بهاجس البحث عن أصله من هو؟ من أهله؟.

يعتصر دماغه كثيراً لعله يتذكر شيئاً، لكن الذاكرة والأحلام توصله إلى معلومات شحيحة وغير دقيقة.

قد يكون من الجبل، يحلم بأب لا يرى وجهه، وأم غير محددة المعالم. حاول أن يبحث في السجلات عندما أخبره أخوه الكبير بحقيقة وضعه، بحث في الحوادث والأرشيف، لم يستطع أن يلتقط أي خيط يوصله إلى أصله وعائلته. كان إخباره بحقيقة وضعه قد ضرّه، فلا هو استمر متوازن نفسياً بصفته ابن أهله الذي وعى على الدنيا وهم أهله، ولا هو عرف أهله الحقيقيين، لذلك سيظل هذا الموضوع هاجسه الدائم يعيش معه في كل ثواني حياته.

تنتهي الرواية وقد وصلت الاعترافات الى حد قدم فيها مشكلته الانسانية والنفسية، ولا جواب شافي.

في تحليل الرواية نقول:

للرواية مستويات عدة: فعلى مستوى الأسلوب؛ هي تكاد تكون حديث نفسي متواصل لإنسان متلهف للبوح إلى إنسان آخر بكثير من الحميمية والود. وهذا جعل للرواية جدّة في الأسلوب نعرفه لدى ربيع جابر المتمكن جداً.

الرواية أيضاً تمر على حقيقة الحرب الأهلية اللبنانية وما فعلته من تشويه نفسي واجتماعي، وما انعكس على حياة الناس، الرواية تريد القول إن الحرب الأهلية كانت مأساة حقيقية في حياة اللبنانيين يجب أن تظل حاضرة في حياتهم دوماً للعبرة.

الرواية تريد القول إن ظاهر الاستمرارية في حياة جيل الحرب الأهلية وأولادهم، يخفي في عمقه معاناة ومآسي في حياة الناس في لبنان، قد لا يستطيعوا تجاوزها مهما طال الزمن.

نعم وصلت رسالة الرواية.. شكراً ربيع جابر.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني