fbpx

السويداء وضرورة إدارة الصراع وطنياً

0 338

بعيداً عن التنظير والحزبية ومقارنةً مع الواقع، الواقع المأساوي الذي يعشيه السوريون أينما وجدوا، وبأي موقعٍ جغرافي كانوا على الأرض السورية، وأياً كانت مواقعهم السياسية، والحزبية، والدينية، والقومية. وكما أن الإرهاب لا يعرف أخلاقاً ولا ديناً، ولا يميّز بين ضحاياه أسود أو أبيض، طويلاً أم قصيراً، موالياً أم معارضاً، سنيّاً أم شيعياً، مسيحياً أم درزياً، عربياً أم كردياً، أشورياً أم أرمنياً.. إلخ، فطبيعي أن يحتجّ، أو يثور لسوء الأوضاع وتراكم واستمرار أسباب العوز والفقر كل متضررٍ منها، تتحول القضايا المعيشية والاقتصادية والحاجات الضرورية لترتبط بالكرامة الإنسانية وحريات الناس، وهنا أمرٌ طبيعي، أن تتحرك الناس لتعلن احتجاجها على هذا الواقع المزري.

وهنا المعاناة توحّد الناس، وتضعها في صفٍ واحدٍ، أو جبهةٍ  واحدة، ولكن قد تختلف شكل الاحتجاجات، وإن كانت موجهة من قبل الجميع ضد الفساد وعصابات الخطف، وضد عصابات التهريب وتجار السلاح والمخدرات، نعم قد تختلف من مكانٍ لأخر، أي الاحتجاجات، لأن لكل  كيان اجتماعي خصوصيته، ولكل كيان اجتماعي طريقته بالتعبير عن عدم رضاه عن واقعه وعن معاناته، من هنا أستطيع القول بأن أوضاع سكان جبل العرب أهالي السويداء، بل أهالي جبل حوران وسهله، وصلت إلى حالة لا يمكن السكوت عليها، والتحرك الحاصل هذه الأيام ليس جديداً، وليس مفاجئاً، بل هو نتيجة تراكماتٍ عدة، ويعبّر عن رغبة الشعب السوري بالثورة لكرامته  وحقوقه ووطنيته.

والأسئلة التي تفرض نفسها الآن، كيف تُعاملُ هذه الجماهير من قِبل سلطتها، وكيف تستجيب مؤسسات الدولة وقواها الأمنية لمطالب الناس، التي امتزج فيها البعد السياسي الوطني الحر الديمقراطي بالواقع المعاشي؟

 واعتقد، هنا تكمن المعضلة الحقيقة، فما هو دور الروس؟ وما هو دور الإيرانيين؟ أطرح هذه الأسئلة ولا أريد الإجابة عليها، لأنني أرغب بالتركيز على المصالح الكبرى للشعب السوري، وبالتأكيد على وحدة سورية أرضاً وشعباً، وعلى الانتقال السياسي لدولة المواطنة.

 كما أريد التمييز بين الدوائر ذات المصالح الضيقة والخبيثة، بالنظر إلى حراك الشعب السوري ومصالحه الكبرى، وكشف الدوائر الضيقة، التي تنظر إلى الحراك الشعبي برؤية سياسية خبيثة، هدفها زرع الفتنة، والتقليل من هذا الحراك، أو تخوينه، متناسية هذه الفئات الضيقة الخبيثة، التجربة الوطنية لهذه الجماهير، والتي تطرح شعارات الحرية والكرامة لكل السوريين.

وإن انطلق هذا الشعار من منطقة جغرافية ما كالسويداء، مبتعداً هذا الحراك عن كل ما هو طائفي، ومع ذلك تستغل هذه الفئات المغرضة زيارة الشيخ الجليل موفق طريف، وتستغل تحركه، ليعلن رفضه لما يمارس على أبناء جلدته الموحدين الدروز من عسفٍ وظلم، فمن استغلّ حراك الشيخ ليُعلن أن حراك السويداء طائفيٌ أو انفصالي، يُعلن عن ضعفه وضيق أفقه، لأنه يتجاوز تجربة المئة سنة السابقة من وطنية أهالي السويداء، وحرصهم على سوية موحدة أرضاً وشعباً.

وللتذكير أقول، بأن من أسباب الثورة السورية الكبرى، هو فصل الجبل عن سورية الأم، وأن تحرير السويداء من الفرنسيين، ورفع العلم الوطني في السويداء، وإعلان الجبل بأنه جزء من سورية الأم، كان قبل تحرير سورية بعام.

هذه حقيقة لا يستطيع أن ينكرها الصديق، كما لا يستطيع أن ينكرها العدو، فهل شعار الحراك هذه الأيام، “هنا السويداء، هنا سورية” شعارٌ انفصالي؟ وهل شعار نحن نطالب بالكرامة والحرية لكل السوريين من حلب إلى دمشق إلى دير الزور ودرعا وباقي المحافظات السورية والمدن السورية؟ ألا يدلّ ذلك على ربط هذا المكون بنسيج الشعب السوري فعلاً؟، لماذا توظّف طلباتهم العادلة توظيفاً خبيثاً، ويتهمون بالعمالة لإسرائيل، ومازال أهالي الجبل ككل السوريين الأحرار يرفضون كل علاقة وتطبيع مع إسرائيل، ومازالوا يعتبرون القضية الفلسطينية قضية مركزية ذات طابع إنساني لا بد من نصرتها.

وأؤكد لكل من تساوره نفسه بالإساءة لطائفة الموحدين، لن تفلح أهدافه، لأن أهالي الجبل الموحدون الدروز قد تعودوا بالرد على بطولاتهم وشجاعتهم ووطنيتهم بأكثر من ذلك، بكل تأكيد من أعداء الوطن والوطنية، وواضح للجميع، بان من أهداف إسرائيل المباشرة وغير المباشرة، المعلنة وغير المعلنة، هو تفتيت المنطقة، وأعتقد أن هذا واضح وجلي للعامة من السوريين، كما هو واضح أيضاً لأهل السياسة والمعرفة على اختلاف انتماءاتهم القومية والفكرية.

فأنا أعتز بأني سوري، وبعيدٌ عن أي نوع من التعصب، أنا من طائفة الموحدين الدروز، فهويتي الأساسية الكبرى هي أنني سوري، إنسان هدفه تحقيق الكرامة والحريات والعدالة والمساواة، وبناء دولة المواطنة، الدولة العلمانية الديمقراطية، التي لا تميّز بين مواطنيها لأي سببٍ كان.

وأعتقد، هنا يغيب الاسم، وأتوحد مع كل السوريين التواقين لحياةٍ أفضل، ويؤلمني أن يجوع أطفال السويداء، كما يؤلمني أن يجوع أطفال الحسكة، ودرعا، وإدلب، والقامشلي.

ويؤلمني أن تصادر كرامات الناس وحرياتهم وحقوقهم الطبيعية في أي مكانٍ، وفي أي زمان، فكل من رفع صوته في السويداء تتلخص أنشودته، بأن إنسانيتنا أولاُ، سوريتنا أولاً، وكل ما يليها ومن خلالها يستحق الاحترام.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني