fbpx

الأسرة المسلمة ضحيّة الإدماج الجبري

0 260

كثرت في الآونة حالات حرمان عائلات اللاجئين السوريين والعرب والمسلمين من أطفالهم من قبل دوائر الشؤون الاجتماعية “السوسيال” بحجج مخالفة هذه العائلات للقوانين الوطنية، لدرجة أصبحت أنها ظاهرة مقلقة لاسيما بعد أن ظهرت نتائجها من خلال تغيير دين الأطفال، وانحلال أخلاقهم والشذوذ الجنسي والإدمان على المخدرات، والاتجار بهم في ترويج المخدرات والدعارة.

القوانين بالأصل توضع لحماية الفرد والجماعات من خلال ضمان الحقوق وتعزيزيها وحمايتها، ومن خلال أداء الواجبات، ولا يجوز التذرّع بأي ذريعة عدا الأمن العام أو الآداب العامة أو الأخلاق العامة أو الصحة العامة لتقييد هذه الحقوق، وهذا ما نصّت عليه المواثيق والمعاهدات الدولية.

إن آثار ظاهرة نزع الأطفال من أسرهم لا تتعلق فقط بحياة الطفل ومصيره، وإنما تتعلق بحياة أسرته ومصير أفرادها باعتبار أن الأسرة وحدة اجتماعية متكاملة، وخاصة الأسرة المسلمة التي تحكمها قواعد شرعية أصولية تتعلق بالأحوال الشخصية من زواج وطلاق ونسب وحضانة ووصاية وولاية وقوامة وميراث.

ومن هذه الأحكام حرمة زواج المسلمة من غير المسلم وما يترتب عليه من انعدام شرعية آثار هذا الزواج سواء لجهة النسب وباقي الحقوق الناشئة عن الزواج الشرعي الصحيح.

ومنها أيضا أحكام الميراث حيث أن “اختلاف الدين مانع من موانع الميراث”.

ومنها أحكام الحضانة والتي تعتبر حق للطفل وتُحدِّد شروطه وأحكامه الشرعية من ترتيب الحواضن وشروط استحقاق الحضانة وزوالها أو إسقاطها، ونفقات الحضانة وأجرة الحواضن وغيرها من الأحكام.

ومنها يتفرّع حق رعاية الطفل والإنفاق عليه وتعليمه وتأديبه وتطبيبه، وتنشئته على القيم الدينية والأخلاقية للأسرة التي ينتمي لها وفق الأحكام الشريعة التي توجب حسن الرعاية وضمان الحماية.

وقد عزّزت المواثيق الدولية هذه الحقوق ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام” 1948″، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال لتمييز العنصري، وإعلان حقوق الطفل، الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها 1386/ د/ 14 لعام 1959، ولإعلان المتعلق بالمبادئ الاجتماعية والقانونية المتصلة بحماية الأطفال ورعايتهم لعام 1986

وقد أوجب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان احترام خصوصيات وشؤون الأسرة والبيت والمراسلات حيث نصّ في المادة 12 منه على أنه: لا يحوز تعريض أي شخص، على نحو تعسفي أو غير قانوني، لتدخل في خصوصياته أو شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته، ولا لأي حملات غير قانونية تمس شرفه أو سمعته من حق كل شخص أن يحميه القانون من مثل هذا التدخل أو المساس.

كما اعتبر الزواج اللبنة الأساسية في تكوين الأسرة، وأن الأسرة هي الخلية الطبيعية والأساسية للمجتمع، حيث نصّت المادة “16” منه أنه: للرجل والمرأة، متى أدركا سن البلوغ، حق التزوج وتأسيس أسرة، والأسرة هي الخلية الطبيعية والأساسية في المجتمع، ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة. وأكدت على ذلك المادة 23 منه: الأسرة هي الوحدة الجماعية الطبيعية والأساسية في المجتمع، ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة، يكون للرجل والمرأة، ابتداء من بلوغ سن الزواج، حق معترف به في التزوج وتأسيس أسرة، لا ينعقد أي زواج إلا برضا الطرفين المزمع زواجهما رضاء كاملاً لا إكراه فيه، وتتخذ الدول الأطراف في هذا العهد التدابير المناسبة لكفالة تساوى حقوق الزوجين وواجباتهما لدى التزوج وخلال قيام الزواج ولدى انحلاله. وفى حالة الانحلال يتوجب اتخاذ تدابير لكفالة الحماية الضرورية للأولاد في حالة وجودهم.

كما ضمن العهد حرية الفكر والوجدان والدين في المادة 18 منه التي جاء فيها على أنه: لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة، ولا يجوز تعريض أحد لإكراه من شأنه أن يخل بحريته في أن يدين بدين ما، أو بحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره، ولا يجوز إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده، إلا للقيود التي يفرضها القانون والتي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية، وتتعهد الدول الأطراف في هذا العهد باحترام حرية الآباء، أو الأوصياء عند وجودهم، في تأمين تربية أولادهم دينياً وخلقياً وفقاً لقناعاتهم الخاصة.

وقد تضمّن إعلان حقوق الطفل لعام 1959 مجموعة من المبادئ التي تكفل حماية الطفل والأسرة ومنها المبدأ السادس الذي جاء فيه: “يحتاج الطفل لكي ينعم بشخصية منسجمة النمو مكتملة التفتح، إلى الحب والتفهم”. ولذلك يراعي أن تتم تنشئته إلى أبعد مدى ممكن، برعاية والديه وفي ظل مسؤوليتهما، وعلى أي حال، في جو يسوده الحنان والأمن المعنوي والمادي فلا يجوز، إلا في ظروف استثنائية، فصل الطفل الصغير عن أمه.

الإعلان المتعلق بالمبادئ الاجتماعية والقانونية المتصلة بحماية الأطفال ورعايتهم لعام 1986 الذي نص في مواده “1- 2-3-4-5” على ما يلي: على كل دولة أن تعطي أولوية عالية لرعاية الأسرة والطفل، وتتوقف رعاية الطفل على توفير رعاية جيدة للأسرة، الأولوية الأولى للطفل هي أن يرعاه والداه الأصليان، إذا كانت رعاية الوالدين الأصليين للطفل غير متاحة أو غير ملائمة، ينبغي النظر في توفير الرعاية له من قبيل أقارب والديه أو من قبل أسرة بديلة، حاضنة أو متبنية، أو، إذا اقتضى الأمر، من قبيل مؤسسة ملائمة، يكون الاعتبار الأعلى في جميع الأمور المتعلقة بإخراج الطفل من رعاية والديه الأصليين هو خدمة مصالحه على أفضل وجه، وخاصة توفير ما يحتاجه من حنان وكفالة حقه في الأمن والرعاية المستمرة.

وحيث أنه ظهر من نتائج هذه الإجراءات انتشار ظاهرة تسيّب الأطفال، والإدمان على المخدرات وممارسة الدعارة والشذوذ الجنسي وغيرها من الآثار الاجتماعية الخطيرة التي تتعارض مع أحكام بروتوكول منع وقمع الاتجار بالأشخاص لعام “2000” الذي نص في المادة “3” منه على أنه: يقصد بتعبير “الإتجار بالأشخاص” تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيوائهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة استضعاف، أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال. ويشمل الاستغلال، كحد أدنى، استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي، أو السخرة أو الخدمة قسراً، أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق، أو الاستعباد أو نزع الأعضاء، ويعتبر تجنيد طفل أو نقله أو تنقيله أو إيواؤه أو استقباله لغرض الاستغلال “إتجاراً بالأشخاص”، حتى إذا لم ينطو على استعمال أي من الوسائل المبينة، ويقصد بتعبير “طفل” أي شخص دون الثامنة عشرة من العمر.

وتتعارض أيضا مع البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن بيع الأطفال واستغلال الأطفال في البغاء وفي المواد الإباحية لعام 2000 في المادة 2 منه التي نصّت على أنه: يُقصد ببيع الأطفال أي فعل أو تعامل يتم بمقتضاه نقل طفل من جانب أي شخص أو مجموعة من الأشخاص إلى شخص آخر لقاء مكافأة أو أي شكل آخر من أشكال العوض، ويُقصد باستغلال الأطفال في البغاء استخدام طفل لغرض أنشطة جنسية لقاء مكافأة أو أي شكل آخر من أشكال العوض، ويُقصد باستغلال الأطفال في المواد الإباحية تصوير أي طفل، بأي وسيلة كانت، يمارس ممارسة حقيقية أو بالمحاكاة أنشطة جنسية صريحة، تعتمد الدول الأطراف أو تعزز وتنفذ وتنشر القوانين والتدابير الإدارية والسياسات والبرامج الاجتماعية التي تمنع الجرائم المشار إليها في هذا البروتوكول. وينبغي إيلاء اهتمام خاص لحماية الأطفال الذين هم عرضة بوجه خاص لهذه الممارسات.

لذلك وبعد حصول أعداد كبيرة من اللاجئين على جنسيات البلاد التي لجؤوا إليها أو حصلوا على إقامات دائمة فيها، ولتفاقم هذه الظاهرة وآثارها على اللاجئين عامة وعلى الأسر التي تعاني منها خاصة وعلى المجتمع المضيف يجب وضع آلية قانونية وإدارية لمعالجتها بما يكفل احترام القوانين واحترام المواثيق والاتفاقيات الدولية واحترام عقائد وشرائع الناس، واحترام وضمان وحدة الأسرة وتمكينها من تعزيز الروابط الأسرية لأن ذلك يؤدي إلى الاندماج الحقيقي في المجتمعات المضيفة على قاعدة احترام الخصوصيات الدينية والثقافية وبناء جسور لتبادل الثقافات وتمتين الروابط الإنسانية الجامعة بين بني البشر بما يكفل تعزيز قدرة هذه المجتمعات على تحقيق التنمية المستدامة، وتقوم هذه الألية على:

1-     احترام خصوصية المسلمين وشرائعهم وعقائدهم كاملة دون تفريق أو اجتزاء.

2-     احترام بنية الأسرة المسلمة والأحكام الشرعية الإسلامية الناظمة لها، التي تُحرّم العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج الشرعي، وتُحرّم الشذوذ الجنسي، والفحشاء، والزنى.

3-     احترام الأحكام الشرعية والتي تعتبر من أصول العقيدة الإسلامية المتعلقة بالأحوال الشخصية وما يترتب عليه من آثار لجهة الزواج والطلاق وأثارهما، من حقوق زوجية، ونسب، وحضانة، ووصاية، وقوامة، وميراث، ومنها يتفرّع حقوق الطفل سواء كان في كنف العائلة أو كان خارج إطار العائلة بعد انحلال العلاقة الزوجية، حيث تبقى حقوق الطفل مصانة وتكون مصلحة الطفل هي المقصد الشرعي من كل الحكام الشرعية الخاصة بالطفل وحضانته وحقوقه.

4-     إقرار بدائل نقل الأطفال المسلمين وتسليمهم إلى عائلات مسلمة أو عائلات تربطهم بها علاقات القرابة أو الصداقة أو إلى مؤسسات إسلامية “تحت إشراف ورقابة الحكومات” تتبنى مبدأ الكفالة في الشريعة الإسلامية، تقدم رعاية بديلة للأطفال الذين لا يكون والداهما الأصليان قادرين على رعايتهم، استناداً للمادة الرابعة من الإعلان المتعلق بالمبادئ الاجتماعية والقانونية المتصلة بحماية الأطفال ورعايتهم مع الاهتمام الخاص بالحضانة والتبني على الصعيدين الوطني والدولي لعام 1986.

5-     كما يمكن اللجوء إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان للتظلّم من هذه الإجراءات الجائرة، والمطالبة باحترام المواثيق والمعاهدات الدولية، ومنح المسلمين الحقوق الأساسية المذكورة وسنّ تشريعات وطنية بذلك تكفل وتعزّز وتحمي هذه الحقوق.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني