fbpx

في غياب جدلية العلاقة بين الأسلمة والتطييف في الفكر السياسي المعارض

0 128

في تقديري، كشفت حوارات ندوة تيار مواطنة/نواة وطن بتاريخ 20 كانون الثاني 2022، المخصصة للاستماع ومحاورة الدكتور حسام الدين درويش، حول أفكار مقاله التي تناولت بالنقد أطروحات بيان اندماج تيار مواطنة ونواة وطن، والتي أدارها لأستاذ المتألق وسيم حسن، عن إشكاليات عديدة في وعي أصحاب البيان السياسي، نجحت محاولات محامو الدفاع فقط في زيادة غموضها، ومداخلات بعض الضيوف الموتورين في إظهار درجة فقدان البوصلة الوطنية التي وصل إليها السوريون ؛ رغم كل ما تضمنته من إيجابيات!!
أهم القضايا الخلافية التي أثارتها حوارات الندوة، ترتبط بـ:
1- توصيف الحراك/التمرد الذي قام به ملايين السوريين في ربيع 2011، في مواجهة سلطة استبداد معندة، ومضوعية توصيفه بالثورة، أم الحراك، التمرد، ..
2- جدلية العلاقة بين الأسلمة والبيئة الثقافية، الدينية النصية، وتجاهل العامل السياسي في تحول الحراك السلمي إلى صراع طائفي، وإثارة جدل بيزنطي حول مفاهيم نظرية، ترتبط بالعلمانية.

3- مفهوم حق تقرير المصير للكرد السوريين، السياسية والقانونية والتاريخية

الجزء الثاني: في جدلية العلاقة بين الأسلمة والبيئة الثقافية والفكرية/الدينية

أعتقد أن الخطأ المنهجي الذي وقع به اصحاب البيان هو إبراز جدلية الأسلمة والبيئة الثقافية الدينية، كعامل رئيسي في أسباب تطييف المسار الوطني لحراك السلمي للشعب السوري، عوضا عن البحث في جدلية العلاقة بين الأسلمة والعنف، في الخيار الأمني، العسكري الطائفي الذي تبناه النظام وشركاؤه، في مواجهة استحقاقات ديمقراطية وطنية شاملة وكمسار رئيسي لتغيير ظروف تحقق اهداف الثورة!

إذا كان من الموضعي الاعتراف بوجود عقلية ثقافية دينية مسيطرة في وعي غالبية السوريين، عبرت عن نفسها طائفيا بأشكال وظروف مختلفة، في سياق سياسات سلطوية محددة، تُعيق تبلور وعي سياسي وطني، وتوحيد النضال الديمقراطي، وذلك في ظروف حياة طبيعية، راكدة سياسيا، فأنه من غير المنطقي والموضوعي أن يتجاهل الوعي السياسي، لأسباب نخبه الخاصة، واقع ما يُصيب تلك العقلية الجامدة، المُقولبة، من تغييرات بالغة الأهمية في ظروف الحراك الثوري، (جسدها في مرحلة الثورة فكر ونشاط نخب لجان التنسيقات، وعبرت عنها بوضوح ممارسات المتظاهرين، وشعاراتهم، وصاغتها بلغة ثورية، وطنية ديمقراطية وثائق الهيئة العامة للثورة السورية[1]، ليصل إلى قراءات تتناقض مع حقائق الواقع، ويبني استنتاجات غير موضوعية، تصل إلى درجة تحميل البيئة الثقافية الدينية، الإسلامية، مسؤولية تحول الصراع السياسي، السلمي – الذي انخرط في صفوفه ملايين السوريين، وقدموا تضحيات جسام على مذبح التغيير الديمقراطي – إلى حروب طائفية، ميليشياوية، وبما يغيب خطط وسياسيات، وجهود قوى أعداء التغيير، سورياً وإقليمياً ودولياً، نجحت في إنعاش أفكار وثقافات وصلت في مرحلة الثورة إلى حالة موت سريري، (وكان وقف خيار العنف كاف لخلق ظروف دفنها، مرة واحدة وإلى الأبد)، فهو، بالله، خطيئة ديمقراطية، لا يجب السكوت عنها!!

يبدو أننا، بعد مضي تلك السنوات العاف، بحاجة للتذكير بالبدايات، والبديهيات!!

في ربيع، وصيف، 2011، كان قد وصل حراك السوريين إلى درجة من القوة، والثبات، أصبح يستحيل معهما احتوائه، وأصبح لا يؤدي تصاعد العنف السلطوي سوى إلى ردود أفعال أكثر عنفاً وتضامناً بين السوريين، باتت تهدد أركان النظام، وتضع سلطته أمام استحقاقات ديمقراطية، لا فكاك منها!!

في ظل تلك الظروف الثورية، لم يكن سبيل العنف، مهما امتلك من أدوات القوة، قادراً على إجهاض الثورة فكان لابد لسلطة النظام من البحث عن وسائل أخرى، تقطع مسار الحراك السلمي، وتضمن تعويم السلطة، فظهرت الحاجة إلى الخيار العسكري الميليشياوي كأفضل سبيل لتمكين أعداء التغيير، سورياً وإقليمياً ودولياً، من تفتيت الشارع المنتفض، وتحييد نخبه السياسية، وتحويل الصراع السياسي إلى حروب أهلية، ميليشياوية، تُضفي مصداقية على دعايات النظام حول الإرهاب، وتبرر استخدامه المفرط للعنف، وتنسجم مع مبررات حروب الولايات المتحدة وروسيا في المنطقة عموماً، التي تضعها تحت يافطة محاربة الإرهاب.
في هذا السياق التاريخي، نستطيع أن نفهم أولاً طبيعة المصالح والسياسات التي دفعت أصحابها للمشاركة، بدرجات مختلفة، بجهد سلطة النظام، وشريكه الإيراني، وطبيعة الأدوات والوسائل التي استخدمت، وملايين الدولارات، وعشرات محطات ترويج الحقد الطائفي، وما واكبها في ساحات وشوارع ومراكز الحراك، من قتل وسحل وترويع، (كانت كافية لتحويل المسيح إلى إرهابي، وماركس إلى مجاهد!!)، لدفع الصراع السياسي على مسار الخيار العسكري، بما يغير طبيعته، ويحوله إلى حرب أهلية، بين ميليشيات طائفية، وبما يؤدي، في ظل موازين قوى عسكرية غير متكافئة، إلى تدمير أهداف وقوى التغيير، وتفشيل مؤسسات الدولة، وبالتالي يمنع حصول انتقال سياسي، ويعوم سلطة النظام!!!

ضمن هذه الرؤية لطبيعة المصالح، وما فرضته من سياسات، نفهم كيف تكاملت وسائل دفع السوريين، جمهوراً ونخباً، على مسارات التفتيت السياسي والقومي والإثني والمذهبي والاجتماعي والقبلي، بما يغير طبيعة الحراك، ويطيف جمهوره، ويعسكر ادواته السياسية المدنية، الديمقراطية.
في ظروف مواجهة حراك السوريين في ربيع 2011، وإدراكاً بأخطاره على سلطة النظام، وشبكة المصالح الإقليمية والدولية التي تمثلها ثورة شعبية سلمية، ليست تحت أية مظلة دينية أو طائفية أو عرقية إثنية بعينها أو أيديولوجيا سياسية محددة، كان من الطبيعي أن يؤدي خيار العسكرة والتطييف، الذي استخدمه النظام وشركاؤه، في ظل تقاطع مصالح قوى عالمية، إلى انتعاش أفكار الإسلام، وعفنه التاريخي، ويندفع الثوار، الذين تحولوا إلى مجاهدين، على مسارات التفتيت السياسي والعنف الطائفي؛ وكان، بخلاف ذلك، منع تمكين النظام من اللجوء إلى هذا الخيار الدموي/الطائفي كفيلاً بدفع الصراع السياسي على مسارات التغيير الديمقراطي، ويمنع ظهور، وسيطرة أذرع الثورة المضادة، اليس كذلك؟

أم تعتقدون أن الناس خالية من المشاعر، وتسير بالريموت كونترول الثوري؟!

لنلاحظ التغيير الذي طرأ على قوى الحراك السلمي، بفعل جهود دفع الصراع السياسي على مسارات العنف، وتفشيل خيارات الحل السياسي، وليس بسبب العفن المتأصل.


[1]– جاء في التقرير السابق، حول الهيئة العامة للثورة:

شددت الهيئة في البداية على إسقاط النظام بالوسائل السلمية، وفضلت اللجوء إلى التظاهرات والاعتصامات والعصيان المدني والتواصل الاجتماعي والتغطية الإعلامية للانتفاضة لإطلاع العالم على ما يجري في سورية، كما دعمت التحركات السلمية الأخرى لتوحيد صفوف المعارضة وجذب أعضاء جدد إليها. وإذ اتخذت الثورة طابعاً أكثر عسكرية في منتصف العام 2012، بدلت الهيئة العامة موقفها ودعت إلى التدخل العسكري الأجنبي، وهي الآن تساند المجموعات المسلحة داخل سورية، مثل الجيش السوري الحر، مساندةً فاعلةً عن طريق مدها بالمساعدة اللوجستية والتمويل والدعم المخابراتي على الأرض.
Kerr Carnegie Middle Carnegie ME

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني