الائتلاف ووهم الاعتراف
أصبح الاعتراف السياسي بالائتلاف للأسف أسطوانة مشروخة، يتمسك بها بعض الكتل والأشخاص المتنفِّذة في الائتلاف والمعارضة، لمواجهة أي مطالب لقوى الثورة أو للحاضنة الثورية بوجوب إعادة النظر في بنيته وأدائه، أو إعادة هيكلته أو إصلاحه، لذلك اقتضى الأمر توضيح مفهوم الاعتراف، وصوره وأنواعه ومفاعيله، وأثره على الثورة.
تعريف الاعتراف الدّولي: هو إفصاح دولة أو أكثر عن إرادتها في الدّخول في علاقات دولية مع دولة قائمة بالفعل أو دولة جديدة، وأساسه أن تمارس الدّولة سلطتها على الإقليم.
صور الاعتراف: للاعتراف خمس صور وهي: الضّمني والصّريح. الفردي والجماعي. القانوني والواقعي. والإرادي المفروض. المقيد وغير المقيد.
أنواع الاعتراف: ايضاً للاعتراف خمس أنواع وهي: الاعتراف بالحكومة. الاعتراف بالثّائرين. الاعتراف بالمحاربين. الاعتراف بالأمّة. الاعتراف بحركات التّحرر.
الطبيعة القانونية للاعتراف: إن الاعتراف الدّولي ذو طبيعة كاشفة أو مقرّرة لا منشئة، أي انه يعترف بواقع قائم ولا ينشئ هذا الوضع سواء كان دول أو حكومات أو أمة أو حركات تحرر أو محاربين أو بمعنى آخر يستلزم الاعتراف وجود هذه الكيانات حتى يتم تفعيل آثاره القانونية والسياسية، ولا يجوز أن يسبق الاعتراف وجود الدول أو الحكومات.
الدّول حرة في الاعتراف بأي دولة ولا تكره على الاعتراف، الذي يمثل قبول حقيقة هي دولة جديدة، وإنّه من غير المناسب سحب هذا الاعتراف، والحالة الوحيدة التي يمكن عندها إلغاء الاعتراف هي اندثار الدّولة الجديدة أو فقدانها استقلالها وبعبارة أخرى إلغاء الحقيقة التي أقرّ الاعتراف بأنّها حقيقة.
الاعتراف بين نشوء الدول وبين تغيّر السلطة:
تنشأ الدّولة من ناحيتين اجتماعية وسياسية باستكمال عناصرها الثّلاثة: الشعب، الإقليم، السّلطة السّياسية ، التي تضمن لها الاستقرار ودوام النّظام، ولما كان نشوء دولة جديدة يعني قيام شخص قانوني دولي جديد ومباشرته اختصاصات دولية تمس إيجابيا أو سلبيا اختصاصات الأشخاص الدّولية الأخرى، فقد استلزم القانون الدّولي أن يرافق استكمال الدّولة لعناصرها إجراء قانوني يتمثّل في اعتراف الأسرة الدّولية بهذا الكيان الجديد، أي أن تسلم الأشخاص الدّولية القائمة باستكمال الدّولة الجديدة لكل أركان الدّولة وقبولها التّعامل معها عضوا في المجتمع الدّولي.
والاعتراف بحكومة جديدة ليس ضرورياً عندما تتغير بطريقة طبيعية ودستورية كما في الانتخابات أو الاستفتاء العام، لكنه ضروري عند قيام انقلاب أو ثورة، لأن في هذا الاعتراف ضمان استمرارية الدولة على المدى الطويل.
وحيث أن الثورة السورية فرضت وضعًا جديدا في بنية الدولة السورية وعلاقتها مع المجتمع الدولي، تغيرت فيه السلطة بوصفها مظهراً من مظاهر السيادة الداخلية والخارجية، حيث فقد فيه النظام مكانته الدولية، وتكرّست فيه عدم شرعيته الداخلية، لذلك اصبح الاعتراف الكامل بالثورة هو المخرج القانوني والسياسي لعودة سورية إلى المجتمع الدولي بوصفها عضوا مستقرا فاعلا في بناء العلاقات الدولية ومُساهما في تحقيق الأمن والسلم الدوليين، وهذا الاعتراف لا ينشئ واقعاً جديداً يخالف القانون الدولي، وإنما هو الطريق الشرعي لتصحيح الوضع القائم فقدان الدولة السورية فعاليتها وشرعيتها الكاملة بسبب جرائم هذا النظام وحلفائه، وتصنيفها كإحدى الدول الأكثر فشلاً على سلم التقييم الدولي للدول، وهذه هي الإشكالية التي لا يريد الائتلاف حلّها والانتقال إلى مرحلة متقدمة في عمله السياسي،ويتجلّى ذلك بعدم رغبته أو إهماله السعي لدى ما يُسمى أصدقاء الشعب السوري الذين منحوه الاعتراف السياسي، لاستكمال الاعتراف الكامل السياسي والقانوني بما يُمكنه من الحلول في المنظمات الدولية والإقليمية التي تتمثّل فيها سيادة الدولة السورية محل نظام الأسد الاستبدادي، باعتبار أن عضوية الدولة السورية من أعمال السيادة الوطنية وليست من مظاهر سيادة النظام أو السلطة الحاكمة، فالدولة السورية ما زالت تتمتع بالشّخصية القانونية الدّولية،
وان المطالبة بالاعتراف القانوني لا ينتقص من عضوية أو شخصية الدولة السورية، لآن أركان الدولة الثلاث موجودة وهي الشّعب، الإقليم، السّلطة، فالركنين الأولين الشعب والإقليم يتّسِمان بالثبات والديمومة بينما الركن الثالث أي السلطة فهي ركن مُتغيّر لأنه مظهر من مظاهر السيادة الداخلية التي تتغيّر إما بتغيّر السلطة الحاكمة بالانتخابات أو من خلال الانقلابات أو من خلال الثورات أو من خلال حركات التحرر.
وحيث أن الثورة لا تنشئ دولة جديدة ولا تطالب بالاعتراف بإقليم أو أي نوع من أنواع الحكم الذاتي أو الانفصالي عن الدولة الأم، الذي يتطلب اعترافا جديدا به. وإنما هي تطلب الاعتراف بسيادة الشعب التي أقرها الدستور كمصدر للسلطات وبحق هذا الشعب بتغيير السلطة كركن من أركان الدولة سواء كان من خلال الثورة أو من غيرها من الطرق.
ولا تستطيع أيّاً من الدول سحب اعترافها بالدولة السورية بسبب تغيير النظام أو إسقاطه أو استبداله، لأن لهذه الاعترافات السابقة مفاعيل وأثار قانونية تحكمها الاتفاقيات الدولية التي تقوم على احترام مبدأ السيادة الوطنية، واحترام اتفاقيات العلاقات الدولية والمعاهدات الدبلوماسية.
مفاعيل الاعتراف القانوني:
الاعتراف بحكم القانون هو الأقوى من بين كل صور الاعتراف، لآنه يحافظ على سيادة الدولة، ووحدة الأراضي السورية، وحماية الموارد والثروات الوطنية، واسترداد الأموال المنهوبة.
الاعتراف القانوني يعطي الثورة باعتبارها احدى الأدوات المشروعة لتغيير السلطة، الحق بتشكيل هيئة وطنية تأسيسية تقوم على صياغة إعلان دستوري، يُمهِّد لتشكيل هيئات تشريعية وقضائية، وتشكيل حكومة وطنية كاملة الصلاحيات تتمتع بكل الحقوق التي يمنحها القانون الدولي والاتفاقيات والمعاهدات الدولية.
الاعتراف القانوني يمنح الحكومة عضوية سورية في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والمجتمع الدولي ومنحها حق تبادل التمثيل الدبلوماسي وحق الانضمام إلى عضوية المنظمات الدولية والإقليمية وحق المفاوضة مع الدول الأخرى، كما يلقي عليها بالمقابل واجبات والتزامات تتحمل مسؤوليتها.
الاعتراف القانوني يمنح الحكومة الحق بالتوقيع على الاتفاقيات الدولية، ومنها نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وإحالة بشار الأسد وأركان نظامه للمحاكمة والمحاسبة عن جرائمهم بحق الشعب السوري.
الاعتراف القانوني يمنح الحق بإصدار القوانين والتشريعات، وشرعية القضاء والمحاكم والاعتراف بحجية الأحكام ومن خلالها يمكن إنشاء محاكم وطنية لمحاكمة مجرمي الحرب.
الاعتراف القانوني يمنح الشرعية للثوار والثورة ومؤسساتها، لأن بقاء الاعتراف القانوني بالنظام يحوّله إلى سلطة شرعية ويحوّل الثورة إلى معارضة مسلحة تخضع لأحكام القانون الوطني، وبالتالي شرعنة قوانين الإرهاب ودستورية محاكم الإرهاب والمحاكم الميدانية وقانونية أحكام الإعدام التي تصدرها هذه المحاكم بالإضافة إلى شرعنة كل القوانين التي طالت أموال وأملاك السوريين، وشرعنة القتل والاعتقال والاغتصاب والتدمير والتهجير.
الاعتراف بالمؤسسات التعليمية والجامعات مما يمكن الطلاب من دخول الجامعات الأجنبية.
وأخيرا: فإن تقوقع المعارضة على نفسها، واستغنائها عن المطالبة بالاعتراف القانوني الكامل واكتفائها بالاعتراف السياسي بالائتلاف الذي منحته مجموعة دول ما يسمى أصدقاء الشعب السوري، والذي تبخّر واندثر مع تراجع اغلب تلك الدولة عن هذا الاعتراف، وعودة بعضهم للتعاون مع النظام السوري، ومحاولات البعض الآخر التطبيع معه، جعل المعارضة وللأسف رهينة المحبسين ، محبس الوهم بتعويلها على هذا الاعتراف الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، ومحبس انعدام المشروعية وفقدان الثقة بها من قبل الشعب، الأمر الذي أصبحت معه عالة على الثورة والشعب، مما دفعه للمطالبة بإسقاطها، مع مطالبته المتكررة والدائمة بإسقاط النظام السوري.
والحل أمام هذه المعارضة إن كانت جادةً باستعادة ماء وجهها التمتع بقليل من الشجاعة والاستقلال، والغاء مسار التفأوض مع النظام المجرم والعودة إلى قيم الثورة ومبادئها، والانطلاق من المشروعية الثورية باعتبارها حق مشروع للشعب في تغيير وإسقاط النظام الدكتاتوري لاستعادة مكانة الدولة السورية التي فرّط بها نظام أسد، والدعوة إلى مؤتمر وطني ثوري يُفرز قيادة للثورة، تُعيّن هيئة وطنية تأسيسية، تقوم بإعداد إعلان دستوري ينطلق منه لتشكيل الهيئات والمؤسسات الثورية وحكومة وطنية قوية تسترد حقوق الدولة السورية من خلال الحلول محل النظام المجرم في المنظمات الدولية والمجتمع الدولي.
رؤية شاملة ،وواقعية .
جزيل الشكر والتقدير.