fbpx

قراءة في رواية: الجنقو – مسامير الأرض

0 314
  • الكاتب: عبد العزيز بركة ساكن
  • الناشر: رؤية للنشر والتوزيع
  • ط1، ورقية، 2019م

عبد العزيز بركة ساكن؛ روائي سوداني، هذه الرواية الأولى التي قرأتها له.

الجنقو – مسامير الأرض رواية سودانية بامتياز، تأخذنا إلى عوالم غريبة علينا نحن أهل المشرق العربي، مازالت تدهشنا الروايات التي نقرؤها عن السودان البلد العربي العظيم الذي يتحفنا هذه الأيام حزيران 2019م بربيعه الذي نتمنى أن يصنع من السودان دولة ديمقراطية حقة لشعب يستحق ذلك.

تبدأ الرواية من ذهاب الراوي وصديق عمره إلى مدينة أو منطقة “الحلة”، وهي منطقة قريبة من مدن القضارف والخرطوم وتعطي انطباعاً عاماً أنها على قرب من الحدود الإثيوبية الإريترية. الجنقو تسمية عمال الزراعة السودانيين الموسميين أبناء المنطقة الذين يعملون في جني محاصيل السمسم وغيره مما يزرع في تلك المنطقة، عمال يعملون في الموسم ويجنون بعض المال الذي يعيدون صرفه في ذات المدينة على الخمور والمسكرات والمتع الصغيرة والعلاقات الجنسية المفتوحة، ويتابعون حياتهم بعد ذلك برهن حاجاتهم عند البائعين ليكملوا حياتهم للموسم القادم. الجنقو بشر يعيشون كل يوم بحاله، دون انتظار لتغيير بأقدارهم التي يرونها على هذا الشكل دوماً، يقبلون بها يعيشونها بامتلاء ولا يبحثون عن بدائل خارجها. هم متنوعين من حيث بلدانهم، بعضهم من مدن السودان على كثرتها وانتشارها، بعضهم من أرتيريا وبعضهم من اليمن، وبعضهم من إثيوبيا، لا فرق بين النساء والرجال، الكل يحضر ويجد له مجال عمل ولقمة عيش، لا ضوابط اجتماعية أو دينية ملزمة لهؤلاء الناس خارج توافقاتهم الخاصة، بعضهم يتزوج، وبعضهم يتعاشر جنسياً دون زواج، بعض النساء يمتهنّ الدعارة كمصدر للعيش.

جاء الصديقان إلى الحلة بعد أن تم طردهم من العمل وفقاً للصالح العام، هما من نفس السن وعلاقتهم تجاوزت عشرات السنين، أحدهما مثقف وغني ويعيش على هواه، والآخر يعيش مع صديقه، تنقلا بعد طردهم من العمل. عاشا بين الجنقو كأفراد منهم، دخلوا لتفاصيل حياتهم، عايشوا واقع فقرهم وعملهم المضني، وتتالي أيامهم بين عمل وسكر وعلاقات مفتوحة وصرف للإنتاج وإفلاس وبيع للمقتنيات وانتظار الموسم القادم، حياة مغلقة ممتلئة بذاتها لكنها بلا أي أفق مستقبلي. يكتشف الصديقان حال ناس الجنقو وظروف حياتهم القاسية، سنتعرف على عينات بعينها، بن أمونة الطفل الذي تربى في السجن مع والدته، والذي كبر بعد ذلك وأصبح وسيطاً اجتماعياً لتسهيل التعامل بين الناس على كل المستويات، بيع، شراء، حب، جنس، أسرار، هو شخص بين بين، لا هو رجل كامل ولا هو امرأة، دوره مهم بين الكل يحل كل المشاكل ويدخل في أي موضوع وينجزه. كذلك نزل الأمر الذي يعني البيت الذي يأوي إليه كل قادم الى الحلة، من أفراد الجنقو أو من الأغراب، الكل يجد به مبتغاه ويحصل فيه على كل ما يشتهي، عالم الجنقو عالم ممتلئ بذاته لكنه مغلق على الآخرين، فيه حب وعشرة وعلاقات متنوعة. حاول الصديقان أن يتعرفا عليه أكثر وأن يؤثرا به أكثر، عالم الجنقو بعيد عن الدولة ولا يقترب منها، والدولة لا تقترب منهم طالما لم يحاولوا الإساءة خارج أجوائهم، بعضهم سجن وبعضهم مطلوب للدولة لكن حالات فردية. بدأت تتغير أحوال الجنقو عندما جاء البنك إلى الحلة، واستفاد منه كبار المسؤولين والتجار، لكنه أغلق أبوابه أمام الجنقو الفقراء، لا عقار أو أملاك عندهم لضمان القروض، حلموا أن يصلحوا الأراضي وأن يشتروا المكائن الزراعية، أن ينتقلوا إلى مرحلة الملّاك ويحسّنوا  مستوى معيشتهم، لكن البنك لا يستجيب لهم، يحاولون الرد بشكل ما كتلويث البنك بالبراز أو مقاطعته، لكنها تبدو تصرفات طفولية، ردت الدولة عليها بحضور الجيش والعسكر والشرطة وحماية البنك وكبار المستثمرين والتجار. بدأت تظهر نتائج القروض على الأراضي المستصلحة وعلى كبار التجار وعلى توسع المحاصيل، وزاد واقع الجنقو سوءاً حيث تم الاستغناء عن خدماتهم عبر المكننة الزراعية، وهكذا أصبح الجنقو أناساً عاطلين عن العمل، وهنا أصبحت حياتهم جحيماً، وبدؤوا يفكرون برد يواجه مظلوميتهم، بعضهم شكل عصابات مسلحة تعتدي على الجنقو وغيرهم للحصول على لقمة عيشهم، بعضهم غادر الحلة إلى مدن أخرى بحثاً عن مصدر رزق آخر، بعضهم فكر بالانتقام من هؤلاء القادمين إليهم يسرقون الأرض من تحت أقدامهم، ويمنعون عنهم فرصة العمل والعيش بحده الأدنى كالسابق. وفي ليلة توافق الجنقو على حرق محاصيل هؤلاء المالكين الجدد، سارقين لقمة عيشهم، المانعين عنهم أسباب الحياة. وبالفعل تحرق المواسم كلها، يهرب الجنقو إلى إثيوبيا المجاورة خوفاً من انتقام الدولة، يهربون، بعضهم يموت من مطاردة الدولة، أو المرض، يتحولون إلى لاجئين، بعضهم يستمر يقاتل كمجموعات عصابات مسلحة، تتحول إلى مجموعات ذات قضية سياسية في كثير من مناطق السودان. صديق صاحبنا ينظّر للجنقو ليحولوا تمردهم الشخصي الفردي لأهداف سياسية يناضلون من أجلها، الجنوب ودارفور. أما صاحبنا الذي ينخرط بين الجنقو ويشتري أرضاً ويستصلحها وينتج، يحب إحداهن ويتزوجها، وكانت متزوجة ثم يطلقها بناء على طلبها وهي حامل، ثم تعود إليه بعد الولادة ويتزوجها مجدداً، يتذكر أن مخيمات اللجوء في إثيوبيا كانت معبراً له ولغيره ليطلب اللجوء السياسي، وليتذكر كيف ذهب مع زوجته وابنته إلى أمريكا التي يعيش فيها منذ خمسة عشر عاما مع زوجته التي أنجبت له ثلاثة أولاد آخرين.

هنا تنتهي الرواية التي انتهت كتابتها في 2009 م، وفي تحليلها نقول:  كانت الأرض السودانية حبلى بكثير من المتغيرات، الظلم الاجتماعي والسياسي والقهر السلطوي، الفقر، استغلال كل الدول لواقع السودان ذلك بما فيها (إسرائيل)، والعمل على تقسيمه وإضعافه، سيصبح جنوب السودان دولة، وتبقى بقية الأقاليم جمراً تحت الرماد تطالب بحقوقها، والشعب السوداني الذي غادر إلى بلاد الغربة بحثاً عن اللقمة والحياة الكريمة، والتدخل الدولي وملاحقة رأس الدولة البشير دولياً كمجرم حرب، ستأتي الثورة السودانية 2019م، وتسقط البشير، وتناضل لتحقيق مطالب الشعب السوداني بالحرية والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل.

أليس هذا ما كان يحلم به الشعب السوداني متمثلاً “بالجنقو”.؟، نعم وهذا حقهم المشروع.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني