fbpx

مفاوضات أستانا بلا أفقٍ.. والبحث جارٍ عن ممرٍ إلى جنيف

0 357

الجولة السابعة عشرة من مفاوضات أستانا في العاصمة الكازاخية “نور سلطان”، لم تخرج بنتائج ذات قيمة ملموسة بالنسبة للحل السياسي للصراع السوري، فهذه الجولة كسابقاتها لم “تخرج الزير من البير”، والزير هنا قضية الشعب السوري بالانتهاء من نظام استبدادي، دمّر الحجر والثمر والبشر، ولا يزال يظنّ واهماً، أنه قادر على الانتصار على ثورة الشعب السوري.

الضامنون الثلاثة (روسيا وإيران وتركيا) أتوا إلى “نور سلطان” للبحث في مقاربات يمكن أن تفضي إلى فتح المسار نحو الحل السياسي للصراع في سوريا.

لكن لا يجب أن يغيب عن الأذهان، أن مقدمات هذه المقاربات تنبع من الحاجات الضرورية للضامنين الثلاثة، وهي حاجات متناقضة في جوهرها العميق وفق ثبات الوضع السوري بصورته المتشظية الحالية، ولعل ذلك ينسف كل ممكنٍ على التفاهم على حل جدي للوضع السوري انطلاقاً من قاعدة القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن بتاريخ الثامن عشر من ديسمبر/كانون أول عام 2015.

البيان الختامي للجولة 17 من مفاوضات أستانا تحدث عن العمل المشترك لمكافحة الإرهاب، وعن سيادة سوريا وسلامتها الإقليمية ووحدة أراضيها، ماراً بضرورة الحفاظ على التهدئة وخفض التصعيد في إدلب، وكذلك عن أهمية مفاوضات اللجنة الدستورية في جنيف، والحاجة إلى تسهيل العودة الآمنة والكريمة والطوعية للاجئين والنازحين داخلياً إلى أماكن إقامتهم الأصلية.

لم يقل الضامنون الثلاثة كيف تتم المحافظة على وحدة وسيادة سوريا، ولا يزال النظام الأسدي الذي مزق البلاد قائماً، مع محاولة إعادة انتاجه روسياً وإيرانياً. وكيف تتحقق وحدة سوريا في ظل انعدام تفاهمات دولية بين المنخرطين بالصراع السوري، وهم الروس والإيرانيون والأمريكيون والأتراك.

إن مربع التفاهم الوحيد هو القرار 2254، والذي لا يزال الروس والإيرانيون يعملون على تفريغه من محتواه، المتمثل بانتقال سياسي صريح وواضح من صيغة نظام استبدادي إلى صيغة نظام يتفق عليه السوريون وفق وثيقة دستورية تصوغها لجنتهم الدستورية بموجب قرارات الشرعية الدولية.

الروس الذين هم في حالة توتر واشتباك سياسي مع الغرب حول الملف الأوكراني وملفات أخرى، ليسوا في وارد تقديم مقاربات حقيقية مع الغرب حول الملف السوري، فهم على ما يبدو لا يفصلون الملفات الصراعية بينهم وبين الغرب، بل يحاولون ربط هذه الملفات بخيط تفاوض رئيسي، يضمن لهم مصالحهم، التي يعتقدون أن الغرب يعمل على منعهم منها.

الإيرانيون هم أيضاً يربطون هيمنتهم في سوريا وفي المنطقة مع مفاوضاتهم مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، حول برنامجهم النووي، ولذلك هم يمارسون ازدواجية سياسية بخصوص الملف السوري، حيث أنهم يعملون بدأب يومي على تثبيت نفوذهم في مناطق متعددة من سوريا وتحديداً الشرق السوري، من أجل تنفيذ هلالهم الشيعي الممتد من إيران مروراً بالعراق وسوريا، وانتهاء بلبنان وشواطئها على المتوسط، وفي الآن ذاته يصرّحون بأنهم مع تنفيذ حلٍ سياسي يضمن استقلال سوريا الذي ينتهكونه بشدة.

الأتراك المتضررون من هجمات وتهديدات حزب ال PKK المنتشر في سوريا عبر عباءة ما يسمى قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، هم الآخرون لا لم يلمسوا تنفيذ اتفاقات بينهم وبين الروس حول انتشار “قوات سوريا الديمقراطية” قرب الحدود التركية، مما يُبقي المناطق التركية المتاخمة للحدود السورية في شمال شرقي البلاد مناطق تهديدٍ للأمن القومي التركي.

وفق هذه الرؤية، يحق لنا التساؤل عن مربعات مقاربات بين الدول الضامنة الثلاث (روسيا وإيران وتركيا)، حيث لم يحدث بعد أي نوع جدي من المقاربات بينهم، وإنما شيء من تسكين الأوضاع على الأرض، ورغم ذلك عمل النظام وبدعمٍ روسي إيراني على محاولة ابتلاع إدلب وشمال غرب سوريا، بحجة محاربة الإرهاب، وهذا يعني تقليص النفوذ التركي في أي ورقة تفاوضات دولية قادمة بشأن حل الصراع السوري سياسياً وفق القرار 2254.

لذلك يمكننا القول بأن مربعاً وحيداً يمكن أن يحدث فيه تفاهمات ومقاربات لحل سياسي بين الدول الثلاث الضامنة، هذا المربع هو تنفيذ القرار الدولي المشار إليه.

ولكن هل سيكون ذلك في المدى القريب؟ هذا ما يجب أن تُجيب عليه أجندات الدول المنخرطة بالصراع السوري، وتحديداً الأجندة الروسية والأجندة الإيرانية، فهاتان الأجندتان لم تصلا بعد إلى وضع تصوّر نهائي بشأن “أن بقاء الأسد ونظامه الاستبدادي” يمنع جدياً وجود حل سياسي وتفاهمات مع الغرب.

إن الإصرار على عقد جولات مفرغة من نتائج إيجابية، هو شكل من أشكال ضخّ نسغ الحياة في نظام الأسد المتهالك، والمعرقل لأي تغيير جدي في سوريا. فهذا النظام الذي لم يكن بمقدوره إجراء مراجعة جدية لسياسته مع الشعب السوري، وهذا اتضح من وضع مقولته الشهيرة (الأسد أو نحرق البلد) قيد استراتيجيته التي لا تزال قيد التنفيذ عبر ممارسات يساعده عليها الروس من مثل ما يسمى (المصالحات في درعا والسويداء ودير الزور)، لن يكون بمقدوره الاستجابة لمتطلبات التغيير السياسي في البلاد.

الروس يدركون هذه الحقيقة ويتجنبون حتى الآن إجراء مقاربة حولها مع الغرب، ومع تركيا، ومع المعارضة السورية، هذا التجنّب له علاقة بوهم روسي تتبناه حكومة بوتين، والذي يفترض إمكانية إعادة تأهيل نظام ارتكب جرائم حرب كبرى، وانتهاكات بحق الإنسانية.

الوهم الروسي جعل نائب وزير الخارجية الروسية لافرينتيف يقول أن المسؤول عن تعطيل جلسات اللجنة الدستورية هم المعارضة، في وقت وضع “جير بدرسون” النقاط على الحروف أمام مجلس الأمن حين أعلن صراحة أن النظام الأسدي هو من يعطّل التقدم في مفاوضات اللجنة الدستورية.

إن وهم أستانا وما يمكن أن تسفر عنه مفاوضاتها، يشبه وهماً لدى بعض المتابعين للوضع السوري بأن النظام الأسدي قابل للتغيّر والتبدل والانخراط بالنظام السياسي الجديد في البلاد بعد أن فعل ما فعله بالسوريين من قتلٍ وتدميرٍ وتهجيرٍ وتغييرٍ ديمغرافي، هذا الوهم يجب أن يزال ويوضع مكانه حقيقة وأهمية تفكيك نظام الاستبداد عبر تنفيذ جدي للقرار الدولي 2254.

إن الممر الوحيد لحلٍ سياسي في سوريا هو عبر إجبار النظام على التقدم بالعملية الدستورية في جنيف، وبضمانات دولية حقيقية، وليس لمجرد الحديث عن ذلك، بغية كسب مزيدٍ من الوقت، لاستمرار النظام الأسدي في الحكم.

هذا ما يجب أن يُعلن عنه الروس صراحة، ويُعلن عنه ضامنو أستانا الثلاثة، وهو أن الحل الوحيد للصراع السوري، يكمن في تنفيذ قرارات الشرعية الدولية الخاصة بالقضية السورية، فهل يذهب الروس والإيرانيون إلى هذا المربع؟ أم أنهما يمتهنان ممارسة المناورة والتسويف، وفعل ما يخالف هذه الأقوال، التي يعلنونها في كل جلسة من جلسات أستانا.     

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني