إنشاء برنامج للتعويضات يمهد للعدالة الانتقالية في سوريا
إذا أردت أن تعيد شرايين العافية إلى الحياة المدنية في سوريا بعد عقد من الزمن في الثورة السورية المباركة وتحول الأرض السورية إلى صراعات دموية من الأطراف الدولية فبماذا تبدأ؟
أجيدٌ أن تقول أريد بناء الحجر والشجر أولا”؟ أم أنه من الأفضل، إعادة ترميم وجدان الإنسان السوري الذي مر بأقسى سنوات عمره بسبب أطراف الصراع التي حولت الحياة الطبيعية إلى قطع وثكنات عسكرية دون أن يجني السوريون إلا ويلات البارود والدم.
أن ترمم الإنسان السوري، أي أن تسأله من استشهد من عائلته وأحبابه وأصدقائه وكيف تم ذلك ومن كان المسبب؟ ومن الضرورة بمكان أن تسأل عن التعويض النفسي والمادي والاجتماعي الذي قد يعيد الاستحقاق للإنسان السوري برمزية الانتقال من الصراع إلى مشارف العدالة الانتقالية التي تمهد لبناء السلام في المجتمعات المحلية، للوصول تدريجياً إلى أكبر عدد منها على المستوى الوطني لأننا مازلنا نحلم بالعدالة والحرية رغم كل وصلنا إليه.
استناداً إلى ما سبق، فقد قام المركز السوري للعدالة والمساءلة بإنشاء اقتراح برنامج تعويضي لشمال شرق سوريا لذوي الضحايا الذين قتلوا في ضربات التحالف الدولية الذي تقوده الولايات المتحدة أثناء محاربة داعش، وتأسيساً على ذلك ندرك حجم الأضرار التي لحقت بالمدنيين وتسببت بخسارات مهولة على المستوى المحلي للسكان، مادية وطبية واقتصادية وتخريب البنى التحتية والمعيشية الأساسية.
بحيث يتبنى هذا البرنامج إجراء المسح الكامل للأضرار المباشرة وغير المباشرة للأشخاص والقيام بمبادئ العدالة الانتقالية، بدءاً من الاعتذار الرسمي للسكان المدنيين غير المنخرطين بالأعمال العسكرية، ومن ثم اتخاذ سلسلة من الخطوات بالتعاون مع المنظمات غير الحكومية السورية المعنية في مسار تحقيق العدالة الانتقالية من أجل جمع الوثائق والشهادات والطلبات من قبل الضحايا والأخذ بسجلات التوثيق المحلية للوصول لخطوة قادمة وهي تصور جبر الضرر واستعادة رمزية الإنسان المقتول بدون ذنب التي وقعت بشكل يعرفه العالم منذ التدخل الأمريكي المتمثل في التحالف الدولي منذ عام 2014.
يمكن في حالات معينة أن تكون التعويضات مادية، وهي لن تعيد المقتول حياً، لكنها تعيد الأمل للناس بأنه مازال هناك فرص للسلام قد تتحقق وهناك أمل بأن الجبر قد يصنع ولو كان بمبادرات دولية وتعاون المنظمات السورية التي مازالت تؤمن بأن الإنسانية باقية إلى يومنا هذا.
أو أن يتم منح السوريين فرصاً للسفر إلى الولايات المتحدة لعلاج ما تسببت به إصابات الحرب من تشوهات وأمراض وغيرها، لعدم قدرة البنية التحتية الطبية على علاج المصابين داخل المناطق التي تم فيها القصف الجوي بشكل متكرر.
إحدى المقترحات أيضاً، أن يقوم الكونغرس الأمريكي بتعديل قانون الدفاع الوطني المتعلق ببرامج التأشيرات الخاصة لأفراد دول الصراعات، مثل العراق وأفغانستان لتشمل سورية كذلك، وإعادة توطينهم مع أفراد عائلاتهم ممن عانوا وتضرروا من الوجود الأمريكي، الذي كان عائقاً في استمرار الحياة بشكل طبيعي.
ويجدر بمجموعة المقترحات ذكر التعاون مع منظمات حقوق الإنسان من أجل البحث عن المفقودين ومعرفة مصيرهم ما يخفض الاستياء والغضب المحلي من التحالف الدولي، أثناء تلك السنوات الذي أدى إلى تخبط في الناحية الأمنية ووجود ملف كبير من المعتقلين والمتخفين قسرياً في فترة نشاط داعش في منطقة شمال شرق سوريا.
بالإضافة إلى إعادة ضبط وتيرة معينة من الهدوء والأمان وبرامج تنقية التربة من مخلفات الحرب من ألغام أرضية وعنقودية مدفونة في التراب التي يؤدي التهاون بها للمزيد من الضحايا المحتملين، فالجميع هنا في تلك الجغرافيا غير آمن وهو عرضة إما للموت الكامل أو لفقدان أطراف معاناة مدى الحياة وفقدان للعمل والإعالة وديمومة الحياة للبقاء.
وحين نتكلم عن تلوث التربة، فإننا نتحدث عن تدهور في القطاع الزراعي، فتلك الأراضي لم تعد صالحة للزراعة وبحاجة لإعادة تأهيل، ما يهدد الأمن الغذائي للسكان، ويقلل اعتمادهم على المصادر المحلية في الغذاء، لأن ذلك يؤثر سلباً على أعلاف المواشي التي تربى في المنطقة، ناهيك بإصابة مصادر المياه بالتلوث بمواد سامة، التي تحتاج إلى مبادرات فعالة من أجل الإعلان عن القضاء عليها وعودة الطبيعة إلى حد ما من التعافي. فتعافي البشر والطبيعة والمخلوقات الأخرى ضمن دورة حياة التعافي في التخطيط لما بعد الصراع اليوم.
وتجدر الإشارة إلى أهمية إزالة الألغام ما يؤدي إلى تعافي النشاط العمراني وتلبية احتياج المجتمع إلى النهضة في إصلاح ما أفسدته الضربات العسكرية الجوية جراء محاربة داعش، فهذا الأمر يذكر ويضاف له أن المدنيين من مجموع الناس يحتاجون الآن إلى بلورة جديدة في حياتهم.
وحيث أن الثابت في هذه التوصيات هي الإنسان، وتصور كيف يمكن أن يحيا بيئة أفضل فهي، دعوة لتصحيح الأخطاء التي طالت المدنيين وهي نداء للمنظمات الحقوقية والإنسانية للنهوض وهي إضاءة على إعادة الإعمار، الذي لا يشمل فقط الحجر والبنى التحتية فهو كذلك عدالة انتقالية حقيقة مجبولة بالرحمة.
فهي محاور تبدأ من الإنسان لتعود إليه وهو قادر على إحياء أرضه والبقاء فيها منتجاً، متجنباً التفكير بأشكال الهجرة غير الشرعية.
فشبح الهجرة غير شرعية يهدد الجميع في، وسط تنامي آثار جائحة كوفيد-19، ما يدفعنا للسؤال: ماذا علينا أن نفعل بعد توجيه النداءات، وأي لغات قد تكون أقرب إلى ضمائر ومصالح الدول حول العالم، فالحديث يطول. إن في غاية الأهمية أن تكتب المقالات والأبحاث وتوجه التوصيات التي لها وقع في الساحة الدولية والعالمية، فضلاً عن إشراك المجتمعات المحلية الموجودة في سوريا بما نفكر وبما نطمح، فالناس تحتاج الأمان والرضا والإحساس بحفنة عدالة تعيد الأمل لهم في البقاء لبناء السلام في مجتمعاتهم.
وبحسب ما صرحته السيدة (م.ع) الناشطة في قضايا حقوق المرأة لموقع ” الحل نت:
“ومن المنصف أن ننظر إلى المؤشر الصادر عن معهد “جورجتاون للمرأة والسلام والأمن (WPS) “بأن سوريا احتلت المركز قبل الأخير في مؤشر “السلام والأمن للمرأة” وبحسبه ذلك فإن سوريا بأنها واحدة من أصعب خمسة أماكن لوجود النساء، لأسباب تتعلق بالعدالة والاستضعاف القانوني والإدماج المالي وغيرها من الأسباب.
أي أنه من المجدي تطوير البيئة لتحتضن عوامل تجلب مؤشرات أمن وسلام للمرأة بشكل أفضل في المستقبل، لذلك تعتبر التوصيات الموجودة في الورقة البحثية في غاية الأهمية للنظر فيها والعمل على تطبيقها لأن المرأة السورية في دائرة عنفية، فهي تنتج تربية لأطفالها مشابهة لظروفها أي نحن في حلقة مفرغة من العنف المباشر وغير المباشر الذي لا ينتهي إلا بالمبادرات التي تدعم السلام والأمن للنساء بغض النظر عن أي اعتبارات أخر.