fbpx

الإدارة اللامركزية مفهوم إداري للحل أم لتقسيم المقسّم

0 512

الحديث عن نظام سياسي جديد في سوريا يعتمد مفهوم “اللامركزية، يتطلب محددات لهذا المفهوم، فاللامركزية يندرج تحتها مفاهيم محددة لأنظمة سياسية، مثل مفهوم اللامركزية الإدارية، ومفهوم اللامركزية الإدارية الموسّعة، ومفهوم اللامركزية السياسية (الفدرالية أو الكونفدرالية).

وباعتبار موضوعة نظام الحكم الجديد في سوريا قيد التفاوض الدستوري، يمكننا القول، إن نظام المركزية بصيغتها التي يعتمدها نظام الحكم الاستبدادي (الإدارة المحلية)، هي نظام يتدخل المركز عبره بقراراته الإدارية، عن طريق وزارة الإدارة المحلية، وتحديداً، ما يتعلق بخطط وتمويل مشاريع محلية، لهذه المحافظة أو تلك.

إن سوريا المنتظرة بعد زوال الاستبداد، هي سوريا الجديدة التي سيحلّ فيها نظام حريّات ومؤسسات منتخبة بصورة شفّافة وديمقراطية.

يقول الدكتور عبد الله تركماني الباحث في مركز حرمون: “بعد الخراب الكبير الذي حدث في مختلف مجالات حياة السوريين، يبدو أن نظاماً لا مركزياً إدارياً، على أساس جغرافي، وليس قومياً، يمكن أن يساعد على ردم هوة التفاوت التنموي بين المحافظات السورية، فيما إذا تم الالتزام بمعايير الحوكمة الرشيدة في توظيف الموارد الاقتصادية والبشرية.

ويضيف تركماني: “لا أعتقد أن نظام اللامركزية الإدارية الموسعة يهدّد وحدة البلاد، خاصة إذا انبثق بعد عملية الانتقال السياسي، التي تقتضي توافق السوريين على مضامين هذا الانتقال على الصعيدين السياسي والإداري”.

وباعتبار أن الثورة السورية أتت على قاعدة تقول ببناء دولة مؤسسات ديمقراطية، فهذا يعني أن تكون إرادة البناء والتطوير الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ملكاً للشعب، ما يسمح بتعديل قوانين الإدارة المحلية الحالية نحو قاعدة صلاحيات إدارية أوسع، تمارسها المجالس المحلية المنتخبة في المحافظات ومناطقها.

إن الصراع في سوريا هو صراع بين مشروعين سياسيين، المشروع الأول، هو مشروع الاستبداد الذي يريد تأبيد البنى السياسية والاجتماعية القائمة في ظلّه، فنحن أمام دولة شمولية، تحتكر السلطة والاقتصاد والثقافة والعمل.

المشروع المقابل هو مشروع الثورة بصورة واقعية، هذا المشروع، يريد تفكيك بنى الدولة الشمولية، على قاعدة توسيع صلاحيات المناطق إدارياً (مشاريع خدمية واقتصادية وثقافية وعلمية محلية)، وهذا لا يشمل صلاحيات سياسية بتقرير وضع المنطقة أي منطقة من مناطق سوريا، التي يجب أن تكون ذات جغرافية سياسية وسكانية واحدة.

إن مشروع الثورة هو مشروع سياسي اقتصادي اجتماعي جديد، وهذا يتطلب مؤسسات حكم منتخبة وذات صلاحيات واضحة ومحددة، وهو مشروع تحاول قوى الثورة والمعارضة أن تضعه ضمن دستور البلاد الجديد، الذي يتم التفاوض على كتابة مواده ومبادئه الأساسية بين فريق تفاوض المعارضة وفريق النظام الاستبدادي، وفريق المجتمع المدني.

المفكر موفق زريق أجاب على سؤالنا حول اللامركزية الإدارية، حيث قال: “أعتقد أن المشكلة الأساسية لدينا هي مشكلة سياسية وليست إدارية، بمعنى حين يكون لدينا سلطة شرعية ونظام ديمقراطي حقيقي، فيه حرية أحزاب ومعارضة ومشاركة شعبية، أعتقد لو حدث ذلك بعد كل الذي حصل بسوريا، ستصبح الدولة راعية للمواطن وليس معادية له وتخدمه، بهذا المعنى إذا عملنا نظاماً لا مركزياً في ظل سلطة مستبدة، سيختلف تماماً النظام سواء كان مركزياً أو لا مركزياً في حالة الاستبداد يختلف عنه في ظل نظام ديمقراطي.

يضيف زريق: “المرحلة الأولى لا بد من جهد مكثف في ظل نظام ديمقراطي مركزي كمرحلة أولى، عمرانياً أو مؤسساتياً، في إطار الإدارة المحلية، التي توفر وتساهم في كل بلدة وقرية ومحافظة في تطوير البلاد”.

اللامركزية الإدارية ضرورة

حين نقول بنظام لا مركزي إداري بصلاحيات واضحة، فنحن نريد تجاوز نظام حكم البعث، الذي أتى بانقلاب عسكري في آذار عام 1963، وتعزّزت سلطة الاستبداد فيه بعد وصول الديكتاتور حافظ الأسد إلى سدّة الحكم بانقلابه المسمى (الحركة التصحيحية).

ولمنع إعادة إنتاج الاستبداد، ومنع حدوث مركزةٍ سياسية جديدة، تربك تطور سوريا سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، يحتاج السوريون إلى وضع دستور وطني تنتفي منه العودة إلى الاستبداد، يوزع السلطات الإدارية بين المركز (العاصمة) وبين المناطق، بحيث تتمتع المناطق بمساحة واسعة إدارياً على تطوير مشاريعها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المحلية، مع تنسيق يحكمه الدستور بينها وبين الحكومة المركزية، التي يجب أن تملك رسم سياسة خارجية وتشرف على قوى الجيش الوطني، وعلى إدارة المصرف المركزي.

إن اللامركزية الإدارية لا تسمح لسلطات المحافظات أو المناطق ببناء قوات عسكرية خاصة بها، أو انتهاج سياسة غير مقيدة تتعارض مع ما رسمه الدستور لها، وأوضحته القوانين المشتقة من هذا الدستور، فاللامركزية الإدارية تعني أن تحدد سلطات المناطق برنامج عملها خلال فترة انتخابها، هذا البرنامج يتعلق بتطوير قدراتها الإدارية من حيث اتجاهات تنمية المنطقة وفق قدراتها وثرواتها المحلية، وبما يحقق اتساقاً مع المركز السياسي للبلاد (العاصمة).

وفي إجابة عن سؤال وجهناه للسيد محمد زكي الهويدي نائب الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي، وعضو المكتب التنفيذي لهيئة التنسيق الوطنية، حول رأيه باللامركزية الإدارية، أجابنا بالقول: اللامركزية الإدارية أسلوب من أساليب توزيع الوظيفة الإدارية بين الحكومة المركزية، وبين هيئات محلية منتخبة، تقوم بها هذه الحكومة بنقل بعض من صلاحياتها في شؤون التخطيط وإدارة الموارد والخدمات من المركز إلى الوحدات.

ويضيف الهويدي: إن هذا النظام اللامركزي سيردم التفاوت التطوري بين جميع المحافظات وخاصة النامية منها، والتي عانت من التهميش في الجانب الصحي والتعليمي والخدمات.

ويعتقد الهويدي: “أن نقل أو توزيع هذه السلطات لهذه الهيئات المحلية يعزز وحدة وتماسك البلاد، ويعطي دوراً ومساحةً لأبناء هذه الوحدات للانخراط في الشأن السياسي العام، وفي الإدارة الديمقراطية بشكلٍ أوسع”.

إذاً نستطيع القول إن اللامركزية الإدارية تسمح بتنمية اقتصادية واجتماعية وعلمية وثقافية في كل محافظة من محافظات سوريا، ما يوفر فرص عمل لمواطنيها، وتوظيف جزء من ثرواتها الباطنية والاقتصادية والمالية من أجل تعميق وتطوير التنمية فيها، ما ينعكس على المواطنين، ويزيل عنهم الغبن والاستغلال.

إن اعتماد مبدأ حكم لا مركزي إداري، سيقطع الطريق أمام أي محاولات ذات نزوع انفصالي عن جسد الوطن الأم (سوريا)، وهو لا يسمح بالتمييز المناطقي، أو يسهّل مسار أي نزعة انفصالية، يمكن أن يتم رسمها باعتماد نظام حكم فدرالي.

إذاً، يمكن القول إن نظام اللامركزية الإدارية هو نظام يسمح بإعادة توزيع السلطة بين المركز والمحافظات، هذا التوزيع للسلطة يسمح بتوسيع قاعدة المشاركة السياسية والاقتصادية في البلاد، وإن تطور المناطق بكل الصعد الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، لن يخضع لمزاج سلطة العاصمة، أو لانحيازها المناطقي، وتفضيلها منطقة على أخرى.

لقد جرّب السوريون نظام الحكم المركزي في البلاد، الذي أرسى تفاوتاً في التطور بين المحافظات، ما أبقى غالبية المحافظة قيد تبعية اقتصادية واجتماعية للمركز، أو للمحافظات الأكثر تطوراً، ولهذا فإن اللامركزية الإدارية قادرة على ردم هوة التفاوت بين المحافظات الأكثر تطوراً والأقل تطوراً.

نظام حكم اقتصادي جديد

إن الانتقال من نظام حكم مركزي إلى نظام حكم لا مركزي إداري، يعني بصورة من صوره الانتقال من الاقتصاد الخاضع لسلطة الدولة، إلى اقتصاد يلبي حاجات التطور الاجتماعي، وهذا يفترض وجود دستور يرسم ملامح نظام الحكم اللامركزي الإداري.

وفي جوابه عن سؤالنا حول اللامركزية الإدارية، يقول المهندس رشيد الناصر عضو المكتب السياسي لحزب اليسار الديمقراطي:

“من المفروض عند اعتماد نظام لا مركزي أن يترافق ذلك مع بناء مؤسسات مركزية ديمقراطية في العاصمة، وفي نظام سياسي قائم على العدالة والمواطنة المتساوية.

ويرى الناصر أنه يجب التركيز على مفهوم اللامركزية، الذي هو مفهوم واسع حسب رأيه، مضيفاً: أن اللامركزية تقوم على توزيع سلطة اتخاذ القرار في عدة مستويات، وعدم حصرها في مكان واحد، وأبرزها اللامركزية الإدارية التي تقضي بتوزيع صلاحيات المركز عبر السيادة على الحكم المحلي المنتخب، مع وجود جهة رقابية تفصل بين الحكم المحلي والمركزي.

ويعتقد الناصر: أن اللامركزية يجب أن تكون إدارية وليس إثنية أو طائفية، وهاتان الأخيرتان تهددان وحدة البلاد، وقد تمهدان لتقسيم الوطن”.

لهذا نقول، إن نظام الحكم اللامركزي الإداري هو عقد اجتماعي يجب التوافق عليه بين المكونات الوطنية السورية، وأن يظهر في صيغة دستورية واضحة لا تقبل التأويل، ما يفوّت على المتربصين التسلل من ثغرات دستورية أو من ثغرات قوانين تُسنُ اشتقاقاً من مواد دستورية.

وفق هذه الرؤية، سينتقل وضع الدولة من حالة الاستبداد إلى حالةٍ تصبح فيها حارسة وحامية لحقوق الأفراد، من خلال إقرار مفهوم الدولة الحارسة وليس الدولة المتحكمة المتسلطة، فبهذه الحالة تستمد سلطات المناطق والمركز قدرتها من تفوض الناخبين لها، فالناخبون الذين أوصلوها إلى سدة حكم المركز أو المناطق هم قادرون على عدم منحها الثقة مرة أخرى.

ولعل الدولة السورية الجديدة المنشودة، التي تأتي ثمرة لدستور وطني جديد، سيتقلص دورها التدخلي إلى حدود استشراف الشكل الأمثل للاقتصاد الوطني، والذي يحتاج إلى أنماط متعددة ومتضافرة، سيما وأن البلاد تكون خارجة لتوها من أتون صراع وحرب مدمرة فرضها نظام الاستبداد على شعب سوريا.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني