بين أهداف المشروعين الإيراني والسعودي.. أين مصلحة الشعوب وقضايا التحول الديمقراطي
ليس في سبب الأزمة الرئيسي التي فجّرتها تصريحات الوزير قرداحي بين حكومة حزب الله اللبنانية، وقيادة المملكة السعودية، ما تضمنته من عداء واضح لقادة المملكة، وسياساتهم الإقليميّة فقط، ولا موقف السيّد الوزير المقاوم، كما فهمها معظمنا!!
صحيح هو أرادها أن تكون عربون ولاء لإيران وحزب الله، وبالتالي جواز سفر إلى أحد كراسي الوزارة الجديدة، لكن لم يكن من مصلحته الإفصاح عن رأيه في هذا التوقيت الحساس، بعد أن ضمن كرسيّ وزارة الإعلام، وقد يصبح الكبش على مائدة صفقة جديدة بين اللاعبين الإقليميين!
عند تشكيل حكومة ميقاتي الجديدة قبل شهرين، وما تضمّنته من إقصاء لأدوات النفوذ السعودي بشكل كامل عن المشهد السياسي اللبناني، وجد السعوديون أنفسهم في حالة تهميش، سياسي غير مسبوقة منذ اتفاق الطائف 1989، رغم استمرار تحمّلهم أعباء دعم النظام الرأسمالي الطائفي، منعاً له من السقوط، لصالح تحوّل سياسي شامل!!
بناء عليه، نفهم الجانب الاوّل لخدمات فيديو قرداحي!
لقد وجد زعماء الرياض في تسريب تصريحات الفيديو المسجّل، فرصة لممارسة ضغوط اقتصادية، سياسية ونفسيّة على حكومة ميقاتي، من أجل إسقاطها، أو على الأقل إحداث تغييرات نوعية في موازين قوى أطرافها، تؤدّي إلى ظهور معطيات جديدة، تجييرها بما يخدم تطلّعاتها.
هل تنجح، وإلى أيّة درجة، يعتمد على جدّية، وقوّة الضغوط الأمريكيّة!!
بكلّ الأحوال، ليس الطرف السعودي، سوى أحد جوانب المشهد السياسي البيروتي الحالي، فرغم إطلاق تصريحاته قبل شهر من تشكيله الحكومة، وأرادها ان تكون فقط جواز سفر لعبور محطّات تشكيل الحكومة، عبر إظهار انحيازه لإيران، فقد وجد حزب الله، في فضيحة التصريحات، وما يمكن أن تخلقه من زوبعة إعلامية وسياسية؛ وبغض النظر عن نتائجها، التي يعرف جيّدا أنّه يمسك بأهمّ خيوطها؛ فرصة ذهبية، لتحقيق ما عجزت عنة غزوة الطيونة، وما نتج عن تهمة الكمين من خيبة أمل، بسبب عجزها عن القبض على جعجع متلبّسا بالجريمة!
لحزب الله مصلحة واضحة في تضخيم الصخب الذي رافق هذه الطوشة، من أجل صمّ الآذان، وإضعاف الأصوات المنادية باستمرار التحقيق بجريمة المرفأ، وتهمّش مساره، الذي لا يريد له أن يستمر، لأسبابه الخاصة!
لحزب الله أيضاً مصلحة في شدّ العصب الطائفي الموالي، في مواجهات النفوذ السعودي وأدوات سيطرته، بعد عجزه عن حماية محازبين له في غزوة الطيونة، تحت يافطة الحفاظ على السلم الأهلي، وبعد توسّع دوائر غضب اللبنانين، ووصولها إلى جميع المناطق اللبنانية، دون استثناء، في أعقاب ما أصاب لبنان من كوارث، يستحيل تبرئة الحزب منها، لما يملكه من أوراق سيطرة ونفوذ على جميع مؤسسات الدولة، ولدوره الواضح في منع قيام حكومة إنقاذ وطنية!
للسعوديين وحزب الله والايرانيين، بالطبع، مصلحة في تعميق الانقسام العمودي، والطائفي، لإبعاد شبح التغيير السياسي، بآفاق بناء مؤسسات الدولة الديمقراطية، الذي قضّ مضاجعهم في اعقاب ثورة تشرين الأول 2019.
على الصعيد الأمريكي، كشفت جولة الصراع الحاليّة بين النظامين الإيراني والسعودي للسيطرة على لبنان، درجة الحرارة التي وصلت إليها علاقة التحالف الاستراتيجي بين النظامين الإيراني والأمريكي.
إضافة إلى ما لعبه دور أمريكي ضامن، في إنجاح تشكيل الحكومة الحالية، التي ترتهن بالكامل لإرادة حزب الله، وتقوم على تقاطعات مصالح شركائه، وتشكّل النقيض لطبيعة الحكومة الإنقاذيّة التي حاولت مبادرات الرئيس الفرنسي المتعاقبة تشكيلها، انسجاماً مع مصالح جميع اللبنانيين، التي عبّر عنها حراك تشرين الأول 2019، فقد برز خلال اجتماع خليّة الأزمة يوم أمس، السبت، 30/10/2021، في وزارة الخارجية اللبنانية، نشاط أمريكي، عبر القائم بأعمال السفارة، ساعياً للحفاظ على الحكومة الحالية، وحريصاً على استمرار وجودها، حتّى لو اضطرت واشنطن إلى ممارسة ضغوط خاصّة على أصدقائها في الرياض، لتخفيف التوتّر، والاكتفاء برأس القرداحي؛ وهو الخيار الذي يشكّل، في حال حدوثه، صفعة جديدة للسعوديين، تُزيد من تراجع نفوذهم، وتنحدر بثقة أصدقائهم في لبنان إلى الحضيض!! أيُّ إذلال هذا لخدم الحرمين الشريفين، وللمكانة الخاصّة التي تحتلّها السعودية في العالمين العربي والإسلامي؟!
على أيّة حال، هذا هي النهاية الطبيعة لقصص الارتهان للأجنبي، بغضّ النظر عن جنسيّته، وعن موقع الطرف المرتهن!!
ليس خارج السياق، إذا كان من واجب الجميع الدفاع عن حقوق ومصالح الحوثيين، باعتبارهم جزء أصيل من الشعب اليمني، كما هم شيعة لبنان والعراق، بالنسبة لشعوب البلدين، فإنّ أكثر من سؤال منطقي، يطرح نفسه:
هل تمثّل قيادة الميليشيات الطائفية التي تعمل لمصالح مشاريع إقليميّة، هويّة وآمال الشعوب التي تجيرها في حروبها اللاوطنيّة؟
هل يخدم الحوثيين الانحياز إلى هذا الطرف المعتدي على بلادهم، أو ذاك الذي يستخدمهم كوقود لحروب توسّعه، وأهداف سيطرته، ووسائل نهبه الإقليميّة؟
من نافل القول أنّ جلّ ما أراده القرداحي كان ينحصر في إثبات ولائه لإيران، لكي يرضى عنه الحزب، ويقبل دخوله الى الحكومة، بعد ترشيحه لهذا المنصب من قبل زعيم أهدن، فرنجية الأصغر، الحليف الرئيسي لحزب الله!!
لماذا يتجاهل القرداحي وغيره، من المصفقين لهذه القوّة الإقليميّة أو تلك، الاشارة إلى أخطار ما تقوم به ميليشيات طائفية، شيعيّة أو سنيّة، على عموم الشيعة أو السنة، وعلى روابط الوحدة الوطنية، في هذه الدولة أو تلك، من خلال ارتهانها لدولة أجنبية، تملك مشروعاً عدوانياً، تعلن أهدافه على رؤوس الأشهاد، وتستخدم لتحقيقها أدوات ونهج الميلشة والتطييف؛ أكثر أدوات السيطرة تدميراً بالنسج الاجتماعية لشعوب المنطقة، ومؤسسات دولها؟!
أليست إيران هي من ورّط الحوثيين بالحروب الداخلية ضدّ أبناء بلدهم في سعيها لتحويل الحراك الشعبي السلمي إلى حرب أهلية، وهي مَن أعطى السعوديون المبرر لحربهم المدمّرة، التي دفع جميع اليمنيين ثمنها، عندما دفعت الميليشيات الحوثية لاحتلال صنعاء 2014، والوصول الى تخوم المملكة السعودية، وما رافقه من تهديدات عنتريّة إيرانية تستهدف اماكنها المقدّسة؟ ألم يكن من الطبيعي أن تتورّط السعودية بالحرب، يا سيّد قرداحي؟
على أيّة حال، الحقيقة المرّة التي يجب أن نعرفها نحن ضحايا أهداف المشاريع الإقليمية، السعودية والإيرانيّة، على حدّ سواء، أنّ لا أحد يهتمّ بالحوثيين، ولا بغيرهم، وهم، كما شيعة لبنان والعراق، رهينة بيد الميليشيات الطائفية المسلّحة التي تقودها إيران لتحقيق مصالحها، على حساب مصالح الشعوب والدول، على غرار ما قام به النظام السعودي من دعم عسكري ومالي لقوى طائفية، في إطار دفع الصراع السياسي في سوريا 2012 على مسارات الميلشة والعنف الطائفي.
في الختام، يجدر بنا جميعاً إدراك حقيقة أنّ الجميع في سلطات أنظمة الاستبداد الإقليميّة، وأذرعها الميليشياويّة يبحث عن مصالحه، على حساب مصالح شعوب المنطقة، خاصة في لبنان واليمن وسوريا والعراق، حيث تسيطر الميليشيات الطائفيّة الإيرانية، بغطاء أمريكي، وحيث يحرص السعوديون على انتهاج سياسات معادية لآمال شعوب المنطقة، وداعمة لكلّ أشكال القوى المعادية للتغيير الديمقراطي؛ وهو ما يوجّب على نخب شعوب المنطقة عدم الانحياز لهذا الطرف أو ذاك، والعمل على فضح حقيقة ممارسات جميع الأطراف، بما يؤسس لقيام وتعزيز وعي سياسي ديمقراطي، وطني، يشكّل بوصلة النضال السياسي الديمقراطي لشعوب المنطقة، الموحدة في مواجهة جميع أطراف الثورة المضادة!!