fbpx

ويضيق الأفق أمام النظام السوري

0 620

عشرون سنةً أمضاها بشار الأسد في حكم سورية، قضى نصفها يفكر بأفضل السبل لإصلاح ما خلَّفه له الأب من تركة ثقيلة )كما كان يشيع(، ولكنه في الحقيقة، كان يهمل مشاريع الإصلاح التي تُقَدَّم له من مستشاريه وخاصته، بركنها في الأدراج، إن لم يكن بإتلافها، لا لأنها لم تكن لتليق بما يصبو إليه أفقه..! بل لأنه كان مهتماً بتمهيد مسالك النهب السريع وعبر الاحتيال على “القوانين” وتدويرها وكان واجهته إلى ذلك تِرْبه وابن خاله رامي مخلوف الذي يمكن له أن يكون واجهة لأبيه محمد الذي اختاره حافظ الأسد لإدارة أموال أسرة الأسد/مخلوف تحقيقاً لرغبة حافظ الأسد في إيجاد برجوازية ساحلية تضاهي برجوازية الداخل، وتضمن دعم سلطة آلت إليه، ويرغب في تأبيدها، فالسلطة والمال صنوان لا يفترقان..! ولأن تحقيق هذا الأمر لم يكن بالسهولة أو البساطة، فقد فتح الأسد الأب أبواب التهريب، وتجارة الممنوعات، وأباح الرشا لمن حوله من موظفين كبار وضباط جيش وأمن.. وكما كانت وطنية حافظ الأسد خلبيّة وشعاراتية إذ كان ينقلب عليها حين يتهدد وجود نظامه (حدث ذلك لدى مباحثات الوحدة العربية، وخصوصاً مع العراق وحدث كذلك في لبنان حين مجزرة تل الزعتر ضد الفلسطينيين وترحيل منظمة التحرير.. وقبل ذلك رفضه مؤازرة رفاقه والفصائل الفلسطينية فيما سمي بأيلول الأسود) كذلك كان بشار في إصلاحه إذ رأى متطلبات الشعب السوري أكبر من قدراته وطموحاته المحددة في سلطة ينفرد بها ويحافظ عليها كما أرادها الأب.. (تجربة المنتديات، ومنح رخص لإصدار صحف مضمونة الولاء، أغلق بعضها بعد شهور..) ولم يكن ليخطر بباله أن الشعب السوري إن ضاقت به السبل أكثر مما هو حاصل يمكن أن يتمرد أو يثور ولعله كان يجهل أن حال السوريين قد آل إلى أدنى مستوى لهم: قمعاً وفقراً وتمييزاً وعطالة.. وهو الشعب الحي الذي يرى بلده مصنّفاً عالمياً في آخر شعوب الأرض تخلفاً وأولها فساداً.. ودونما دخول في أية تفاصيل، يمكن الإشارة إلى هبَّة الشباب عام2011 التي جاءت تعبيراً عما يختزنه الشعب السوري من طاقات تؤكد عراقته وتاريخه، وعمق مأساته، فحار الحاكم/المافيوي فيما يفعله وقد ضاق الخناق عليه وهو أمام الاستبداد الذي ورثه لم ير من وسيلة غير القتل سبيلاً لبقائه.. إذ لا دولة ولا قانون.. وهكذا كان.. ويبدو أنَّ “السيد الرئيس” قد وضع في حسابه الاستعانة ببوتين إن لم يقم الإيرانيون بما يرضيه.. ولديه ما يمنحه له، فالبلد واسع وخيراته وافرة..! (بحسب فرضيات عضو مجلس الشعب خالد العبود). لكن الذي لم يخطر ببال العبود ولا بذهن سيَّده أنَّ إرضاء الدب الروسي ليس ألعوبة..! صحيح أنه حاز على قواعد واستثمارات، وعقد صفقات أسلحة بمليارات الدولارات كان قد جربها بأجساد السوريين وأرواحهم، لكنه يطلب المزيد فثمة شركاء لابد من إرضائهم..!
اليوم وبعد تسع سنوات من القتل والتدمير، وعلى الرغم من بيع البلد حصصاً سواء على نحو رضائي أم رغماً عن أنف “الأسد”، يضيق الأفق كثيراً أمامه، بل أمام نظامه الفاسد.. إذ تتكاثر عليه الضغوط إلى درجة أنه لم يعد يعرف من أية جهة تأتيه.. لكن عظمها يأتي جهة من منحه زمناً أطول للبقاء على كرسي الحكم، وفي المزرعة التي ورثها عن مستبد أعلى بنيانها بدم الشعب ومن جماجمه.. اليوم يبالغ الروس في ضغوطهم، ومثلهم يفعل الإيرانيون..! ويستولي الأمريكان على ثلث سورية ومعظم ثرواتها، ويعاني الشعب في الداخل موجة غلاء لم يشهدها منذ الحرب العالمية الأولى في أجواء من انعدام الأمن وسطوة المافيات واللصوص، ومليشيات السلاح، وتصدع البيت الداخلي الذي ينكشَّف عن حقيقة فساد هذه الدولة ما يجعله يعيد حساباته كلها فأين هو الآن من تلك الشعارات التي رافقته خمسين عاماً ولم يُرَ على الأرض غير عكسها تماماً..! بل أين هو من النصر على الإرهاب كما يزعم، إنه يعيش إرهاباً حقيقياً ينذر بانفجار رهيب.. قد يكون الأقسى والأقوى فيما حدث خلال الأعوام الخمسين، إذ هو في قمة السلطة وفي دائرتها الأضيق. فلا الزعبي، اليوم، ولا غازي كنعان، لا عصام زهر الدين، ولا رستم غزالة، ولا غيرهم بقادرين على حل مشكلة “السيد الرئيس” بانتحارهم بعدة رصاصات في الرأس، اليوم تبدو خيوط اللعبة أكثر تشابكاً إذ ترتبط بمن يديرونها مباشرة..!
ولا أعرف إذا ما كان غياب صوت المعارضة السورية اليوم لصالح الشعب السوري أم غير ذلك، ولعل السوريين لم يعودوا ليميزوا كثيراً لا لأنهم نسوا ما قاموا من أجله في العام عام 2011، بل لأن تجربة المعارضة بشقيها المدني والعسكري مريرة.. إذ لم تستطع أن تؤسس لبناء إطار وطني شامل يمثّل السوريين بحق، بل لم يستطع أفراد قيادتها أن يوحدوا كلمتهم، وأن يتفاهم بعضهم مع بعض على سبيل واحد بغية تحقيق هدف الحرية التي سعى إليها الشباب عبر احتجاجهم بل ظلوا على تنافر فيما بينهم دونما قرار وطني جامع يدعمه السوري قبل الآخر إذ يرى فيه الانتقال إلى دولة مدنية ديمقراطية، ومواطنة خالية من أي تمييز كان.. بل ظلت المعارضة كلها، إلا من رحم ربي، مرتهنة لقرار حزب أو تيار أو داعم إقليمي أو دولي.. ومن هنا يمكن القول:
لعله من المفيد، في هذه المرحلة بالذات، التسليم بقرار الدول الكبرى والإقليمية حول حل يتوافقون عليه رغم أن التسليم أمر حاصل.. ولعله، من حسن طالع الشعب السوري، أن القضية كلها صارت في أيدي تلك الدول، رغم مصالح هذه الدولة أو تلك غير الخافية على أحد.. إذ إن القرار في النهاية لن تخرج عن قواسم مشتركة، تؤمن حدوداً دنيا من مصالح الأطراف كلها.. والواضح أن معظم الدول المتدخلة ضامنة مصالحها برضاء السوريين نظاماً ومعارضةً بدعوى الصداقة والعلاقات بين الدول فالروس والإيرانيون يمثلون مصالحهم برضا النظام، والأتراك كذلك يمثلون مصالحهم بموافقة أغلبية المعارضة الممثلة في هيئاتها الرسمية، بينما تأخذ أمريكا حصتها دونما موافقة أحد..!
وأخيراً لنفترض أن المعارضة هي صاحبة القرار فهل كانت ستتفق فيما بينها أم إنها ستغرق البلاد في حال من الفوضى إن لم أقل في دماء أكثر مما هي عليه ولا أقول ذلك من منطلق عدمي لا يعرف حدود الوطنية.. بل هذا هو الواقع ولعلَّ الحل القادم يفسح في المجال لجيل جديد يخرج من بوتقة المأساة متطهراً من أوحال النظام والمعارضة ومن أدرانهما ويبني الدولة الحلم المرتجاة..!

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني