fbpx

ورقة نقدية في المجموعة القصصية (مخاضات) للكاتب المغربي عبد الكريم القيشوري

0 604

تعريف القصة القصيرة جداً

القصة
القصيرة جداً هي فن قائم بذاته يدخل في إطار السرد القصصي، وهي كصفعة سريعة أو
رصاصة فارغة أو خدمة سريعة لقارئ قد يصاب بالصدمة أو المفاجأة الناتجة عن الترابط
في الفكرة من البداية إلى النهاية، هذه النهاية التي تتميز بالإدهاش والمفارقة.

وتتميز
القصة القصيرة جداً بالإيجاز والنهاية المفتوحة والاختزال والتكثيف وأيضاً الرمزية،
وتعتمد على العمق في نقل الفكرة مع الاقتصار على أسطر قليلة ومحددة.

و(مخاضات)
هي نموذج لمجموعة قصصية قصيرة جداً للكاتب المغربي عبد الكريم القيشوري وهو من
مواليد الرباط العاصمة سنة 1959، خريج كلية الآداب والعلوم الإنسانية، أستاذ للغة
العربية وأيضاً إعلامي وناشط جمعوي، له مجموعة إصدارات أدبية وإبداعية.

وفي
هذه الورقة إضاءة لنزر من فيض لنصوصه حيث سنكتفي بثلاث قصص قصيرة جداً ننطلق أولا
من عنوان المجموعة وهو مخاضات، فالمخاض هو ألم الولادة الذي تحسه وتعانيه الأم وقت
الوضع، عندما يبلغ الجنين أجله داخل الرحم الذي يبدأ بالانقباض لدفع الجنين إلى
الحياة الخارجية.

والمخاض
هو مفردة مذكرة جاءت في عنوان المجموعة القصصية مخاضات جمعا مؤنثا سالما لارتباط
الولادة بالأنثى ولاعتبار الكتابة هي مجموعة مخاضات وآلام تسبق فرز نص أو نصوص
خارجة من رحم مجموعة من المعطيات الفكرية والنفسية والاجتماعية الخاصة بالكاتب
لتكون وليده الذي يحمل جيناته لينصهر في وسط يكون فيه القارئ منتجا آخر للنص يضفي
عليه من روحه ولمسته ليصير النص الوليد عبارة عن مجموعة مواليد بتعدد القراءات
وتشعبها.

وضمن
المجموعة القصصية (مخاضات) نجد نصاً معنونا بـ (مخاض) إذ يمزج فيه الكاتب بين
المخاض الطبيعي المرتبط بانتظار مولود حقيقي ومخاض غير متوقع يفاجئ القارئ بتكرار
عبارة (أكملت القصيدة) حيث فعل ما قبل الكتابة مخاض وخروج النص ولادة لها نفس وقع
الولادة الطبيعية عند منتجها، ليسفر عن فرح ممزوج بلذة الامتداد إما عبر النسل أو
عبر البصمة الأدبية.

فالكاتب
عبد الكريم القيشوري من خلال مجموعته القصصية (مخاضات) التي اكتفينا بهذا النزر
منها، هو مبدع من نوع آخر قد لا يشبه الباقين في تحميل نصه الكثير من المفردات
والكلمات بل يكتفي بما يسمح للفكرة بأن تصل إلى المتلقي بسلاسة ويسر مع عمق، فأسلوبه
يجمع بين البساطة وحسن التسديد إذ لا تخطئ كلمته مرماها.

مخاض

وأنا
في انتظاره بالمقهى، جاء يعدو ومحياه ترتسم عليه علامات الحيرة، مردداً: ستلد ستلد،
سألته: من؟ قال زوجتي اتصلت هاتفيا هي على وشك الوضع. ركبنا السيارة، وانطلقنا على
عجل صوب البيت… صعدنا الأدراج نطاً.. هو مرتبك في البحث عن المفتاح، وأنا ضاغط
على زر جرس الباب.

فجأة
فتح، فإذا بزوجته تجذبه من يده وتراقصه، مرددة: انتهى المخاض، أكملت القصيدة، أكملت
القصيدة.

وفي
نفس السياق تبين لنا القصة القصيرة جداً (عصيان) معاناة خالق الإبداع في ولادة
عسيرة لطرح أفكاره إذ أن القلم والذي هو أداة مساعدة له قد يعلن العصيان أحيانا
لتنفلت الأفكار رغما عنه في انسياب يشبه دبيب النمل.

عصيان

أبى
القلم أن يفيض على خد صفحة بيضاء إذعاناً لصاحبه. فاحتجت الأفكار على الوضع، وانسابت
كدبيب نمل.

والقصة
القصيرة جداً والمختصرة في عبارة (ققج) تأتي كتوضيح لمعنى ققج حيث أن كتابة قصة قصيرة
جداً لا يعني إسالة القليل من الحبر بل الأمر أعمق من ذلك لأن ققج هي فكرة مكتملة
تجمع بين التكثيف والإبهار وغياب هذين العنصرين لن يجعلها تكتمل أبداً.

ققج

جاءها
الفيض.. وأرادت أن تكتب قصة قصيرة جداً. اختارت من بين الأقلام القليل حبره، لم
تكتمل القصة…

وفي
القصة القصيرة جداً (احتضان واحتضار) ينقلنا الكاتب إلى الموت في عز نشوة الحياة، والحزن
في عز الفرحة بل أعمق من ذلك كأنها قصة حياة ننشغل فيها بالملذات ليخطفنا الموت في
لحظة غفلة وقد يكون غدراً في عز الاطمئنان، وما الحياة إلا لحظة قد تسجل بعدسة
كاميرا يمحوها طود الموج.

احتضان واحتضار

وهي
تلهو بخصلات شعرها، التي تهفهفها نسمات ريح بحرية فوق صخرة، تداعب أقدامها، موجات
تنصلت من سلطة مد وجزر… تستمتع بأخذ تذكار لها من هاتف زميلتها، لتوثق للحظات
جميلة تقضيها رفقة صديقاتها.. ذات تموضع لها، أدبرت خلاله للبحر لأخذ صورة مع موج
قادم كطود… لم تكن تتوقع، أنه احتضان لاحتضار أخير.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني