وجوه بلا ملامح
يشارك الفنان الصديق خالد عارفة في غاليري “Acc” في مدينة فايمر الألمانية بمجموعة أعمال جديدة ضمن فعالية فنية مشتركة مع فنانين ألمان وأجانب يعرضون أعمالهم الفنية المتنوعة في صالات متعددة الاستعمالات. المشترك بينهم هو تيمة واحدة للمعرض، يمكن اختصارها بكلمة: “تشيوء”.
إذ كيف يمكن أن يجرد القمع والاستبداد، والظلم والتمييز، والعنصرية البغيضة الإنسان من إنسانيته، ويحوله إلى مجرد “شيء” أو “رقم” أو “وجه بلا ملامح”؟!
كيف يمكن أن يتحول الإنسان في ظل الحرب والموت والاعتقال والتغييب القسري إلى مجرد ركام محطم، بلا ذاكرة، وبلا هوية، وبلا تفاصيل تشي بما كان عليه من قيمة إنسانية ومعرفية واجتماعية أو علمية الخ… وكيف يمكن أن يتحول البشر بسبب إرهاب الدولة المنظم، أو الجماعات المتطرفة إلى حشود هائمة على وجوهها في أرض يباب؟!!
وجوه مسكونة برعب الجحيم لحظة عبورها البرزخ على أمل النجاة من موت محتم ولو باتجاه عالم مجهول مخلفة وراءها بيوتها وأحلامها وارزاقها وكل ما بنته عبر سنوات الكد والشقاء.
يهمني في هذا السياق مقاربة أعمال الفنان عارفة، وترك الأعمال الأخرى لذوي الشأن.
قلبت أعماله مواجع في داخلي، لأنها أعادتني إلى سنوات العتمة والجمر، سنوات اعتقالي العشر في سجون نظام الاستبداد السوري. كذلك أعادتني إلى لحظة تهجير سكان اليرموك التي قاربها في لوحة جدارية مؤثرة.
كأننا نرى وجوهنا الممسوسة الممسوحة كأنها ظلال شاحبة تقف أمام مرآة على بوابة الجحيم، تدفع مصائرنا إلى دروب لا مستقر لها.
يوزع عارفة وجوهه، أو وجوهنا، وجوه الضحايا المنكوبة بألوانها الرمادية الشاحبة مثل قطع “نرد” على جدار أصم!!
ثمة استعادة رمزية لصور قيصر تشي بها تلك الأرقام على جباه ضحايا التعذيب الوحشي في معتقلات النظام الأسدي الذي فاق فجوره كل ما يمكن أن يتخيله عقل بشري.
هل يمكن أن نتخيل ما يكمن خلف كل وجه من وجوه الضحايا من حكايات أو أحلام تم سحقها بلا رحمة؟!
هل يمكن أن نتخيل حجم الألم الذي تعرض له، وكم تضرع إلى الله الخلاص من تلك الانتهاكات بالموت العاجل.
ترى بما كان يفكر في تلك اللحظات والساعات والأيام العصيبة بينما آلام التعذيب والجوع تنهش جسده وتفتك بروحه رويداً رويداً.
ترى هل شم رائحة أمه الدافئة؟!، هل استدعى طيف حبيبته وهل داعبت ضحكات أطفاله الرنانة ذاكرته وهو يلفظ بقايا أنفاسه، مودعاً هذا العالم اللئيم القاتل؟!.
كم وكم من الأسئلة يمكن أن تخطر في ذهن المتلقي وهو يشاهد تلك اللوحات.
هل يمر عليها مرور الكرام، أم يتوقف أو يتمهل قليلاً عند وجه من الوجوه ويسأل نفسه بعض الأسئلة؟!.
لا أدري ربما فقدنا إنسانيتنا وربما بات الموت اليومي العبثي صورة نمطية، نتوقف عندها للحظة ثم نمضي نكمل ما تبقى من يومنا في الثرثرة والأكل وإشباع الغرائز.