fbpx

واقع التربية والتعليم

0 198

إن الوضع الاقتصادي السيئ الذي تعاني منه البلد بشكل عام والمجتمع بمعظم شرائحه قد انعكس سلباً على المؤسسات كافة ومنها التعليمية بالدرجة الأولى بداية من المدارس وصولاً إلى الجامعات.

إن المدرس الذي بات راتبه متدنياً لدرجة أنه لا يؤمن له جزءاً ضئيلاً من معيشته وجد نفسه مضطراً للقيام بأعمال أخرى، فإذا به متعب وشارد الذهن، تفكيره مشغول في تأمين لقمة العيش، ما أدى إلى انخفاض كبير في مستوى عطائه وبالتالي في مستوى التعليم.

لذلك هو في سعي دائم للحصول على إجازات صحية كي يضمن الوقت وتتاح له الفرصة للتفرغ والالتحاق بأعماله الأخرى، ما أدى إلى كثرة الحصص الدراسية الفارغة وتقصير بالمناهج وتدني مستوى الصف درسياً.

ويُلاحظ انتشار الفوضى وعدم وجود الكادر الإداري اللازم لضبط الطلاب وتحقيق الفائدة وتطبيق النظام والمتابعة لإنجاز المهام المطلوبة وهذا أيضاً بدوره أدى إلى انتشار الفوضى بين الطلاب كما هي بين المدرسين فانتشار الهواتف النقالة بين الطلاب والتلاميذ ما يتسبب بعدم تركيز الطالب وتشتت ذهنه وانتشار الأسلحة المحمولة في الحقائب أيضاً، كالسكين وغيرها وظاهرة التدخين التي قد تكون أحياناً عبارة عن سجائر الحشيش والحبوب المهدئة وحبوب الهلوسة وغيرها.

وهذا لا يتعلق فقط بالمرحلة الثانوية بل وصل ليشمل حلقتي التعليم الأساسي، وتفشي وتكرار حوادث السرقة، بسبب حرمان الأهل من تزويد أولادهم بالمصاريف المطلوبة، مع المغريات التي لا يستطيع المراهق مثلاً مقاومتها، فالفقر والتردي بالوضع الاقتصادي ساهم بذلك وغيره حتى وصل تأثيره لأمراض عدة بسبب التلوث وعدم اتباع القواعد الصحية وأساليب السلامة العامة، وانتشار العدوى وعدد من الأمراض وغير ذلك أيضاً كالقمل والجرب بسبب عدم الاهتمام سواء من المدرسة أو من الأهل المنهكين ماديا ومعنويا ويتسم سلوك الطفل بالانفعال والعدوان.

أسلوب العنف الذي يمارسه الأهل والذي تمارسه المدرسة لا يؤدي إلا إلى توليد العنف المقابل. فيعبّر الطفل عن ذلك بالتعدي على غيره بالضرب والشتيمة وغيرهما. فتعنيف الطفل من قبل الأهل والمدرسين يشوه سلوكه تربويا ويسبب له مشاكل نفسية.. ولا ننسى مشاكل التحرش الجنسي التي يتعرض لها الطفل وبأشكال مختلفة ونتائجها المدمرة والمؤذية لشخصيته النفسية وتُشوِه توازنه الداخلي وينعكس ذلك بسلوكه مع أقرانه كردة فعل.

اسمحوا لي أن أستعرض حاله واقعية حصلت في مدارسنا، بالتأكيد هي حالة خاصة ونتمنى ألا تتحول لحالة عامة، فلها مدلولها وتبعاتها الخطيرة على واقع التربية والتعليم والواقع الاجتماعي بشكل عام.

(حدث في إحدى القرى في إحدى المدارس للتعليم الأساسي، طالب وطالبة من الصف السادس، تم ضبطها بوضع تحرش جنسي مباشر وبعد فترة زمنية بدأ أصدقاء الطالب بتهديد الطالبة والتحرش بها وعلمت إدارة المدرسة، وتم الحل العشائري بكتب عقد إلى حين البلوغ).

السؤال الهام هنا: لماذا حصل ذلك وأين الرقابة المدرسية والحضور بين التلاميذ؟ هل الحلول التي وصلوا إليها صحيحة؟ خطورة هذا الوضع على السلوك العام التربوي والاجتماعي. أما انتشار المخدرات والترويج لها بين الطلاب، حدث ولا حرج، والانحلال الأخلاقي داخل المدرسة ترافق مع انتشار الأفلام الإباحية بين الطلاب سواء داخل المدرسة أو خارجها، وأثره البالغ بتشويه الحياة الجنسية لليافع وذلك يترك آثاره السيئة على شخصيته وسلوكه المباشر ويؤسس لشذوذ بأشكال مختلفة لحياته القادمة.

ومن الجدير ذكره أيضاً عمل بعض الطلاب بعد الدوام وانتشار الشباب الطائش خارج المدرسة والتحرش اللفظي بالبنات أثناء انتهاء الدوام، والتشفيط بالدراجات النارية أمام المدارس، وحمل الأسلحة المختلفة كالسكاكين وإشهارها أثناء الدوام، هروب بعض الطلاب من المدرسة، التدخين أثناء الدوام، تأخر المعلمين أحياناً بسبب السير وغيابهم أحياناً بسبب الطقس أو لظروف أخرى، استعمال الموبايلات أثناء الدرس.

وإذا انتقلنا لظروف طبيعية تتعلق بـ التحاق الطالب بالمدرسة، وكذلك المدرس.

من الملاحظ حول ضرورة التحاق الطلاب بالمدارس القريبة من سكنهم حسب التوزع الجغرافي وقد يتعارض هذا مع ظروف شخصية لبعض منهم وجميعنا يعرف بدور الواسطة والمعارف بقبول هذا الطالب أو ذاك في هذه المدرسة أو تلك، وحرمان الطلاب المستحقين من ذلك وهذا يخلق إشكالاً في تحديد عدد الطلاب ضمن الشعب، ازدحام في المدارس التي تتلقى عناية أكثر من غيرها خاصة في رفد الكادر التدريسي بمدرسين مثبتين ضمن الملاك وذوي خبرة، غالباً داخل المدينة، بينما مدارس أطراف المدينة والأرياف تعاني من عدم اكتمال كادر مدرسيها أو من التحاق مدرسين من خارج الملاك أو ممن لايزالون طلاباً، وذلك يجعل الصفوف في عدم استقرار متواصل، في المواد الرئيسية.

أما ما يتعلق ببعض الفروع الدراسية خاصة المهنية والتقنية، لا تتوزع على كامل المحافظة لأسباب متنوعة ما يجبر الطالب على الانتقال من سكنه في الريف إلى مدرسة في المدينة وذلك يحمّله أعباء مادية قد تجبره على ترك الدوام لعدة أيام في الشهر من أجل تأمين نفقاته ومع القناعة بأهمية تطوير المناهج وتغييرها لتواكب طبيعة العصر ولكن هذا التغيير المتواصل في المناهج واعتماد مدرسين تم اختيارهم حسب مزاج أو معرفة الموجهين المختصين ممن لا تتوفر فيهم الكفاءة المناسبة لإعداد الكتب وإخراجها أوصل العملية التعليمية بالإجمال إلى حالة من القصور الشامل أما مدرس الصف لا يحصل على الإعداد الكافي قبل دخوله إلى الصف، خاصة المدرسين الجدد الذين درسوا الجامعة في سنوات الأزمة السورية التي أثرت على ساعات الدوام وعلى وصول المدرسين من محافظاتهم إلى مقر الجامعات التي يعملون فيها ألحق الأثر الخطير في إعداد الخريجين الذين أصبحوا يفتقرون إلى الأساسي من المعلومات والخبرات، حتى الحاصلين على دبلوم التأهيل التربوي لم يكن لديهم الفرصة الكافية للحصول على التدريب والتأهيل مثلاً

أقامت منظمة Unicef دورات منظمة كانت كافية لتحضير المدرسين وإعدادهم على سنوات متواصلة وكانت ملزمة للمدرسين جميعا بالالتحاق فيها لكن مصادر تمويلها نهبت قبل الوصول إلى التنفيذ فلم تستخدم الموارد لتأمين الأدوات الكافية ونهبت المكافآت المالية المخصصة للمتدربين مع الوجبات والمواد المتنوعة التي كانت مرسلة إليهم كذلك.

أما اختيار المدرسين فقد تم على أساس ما سبق من طرق تعتمد الواسطة ومدى القرب من دائرة المشرفين بعيداً عن الكفاءة والخبرات.

كل ذلك حوّل الدورات إلى عبء إضافي يعيق المدرس ويؤدي إلى التقليل من نوعية أدائه في العمل

استمرت الدورات لستة أيام سبت متوالية، في فترات متلاحقة في مراكز تابعة للتربية اضطرت المدرسين إلى الانتقال من جهة إلى أخرى في المدينة أو من القرى إلى المدينة وحملتهم أعباء المواصلات وحرمتهم من العطلة لأسابيع كثيرة.

ولا تزال المناهج في حالة من التغير المتواصل غير المبرر ولا تزال الدورات تفرض نفسها وبالطريقة نفسها والمنهج نفسه والآليات والأساليب المعتادة، ولا يفسر ذلك سوى بإعطاء الفرص لمن يستفيدون مادياً من الأجور وفرق التكاليف في الأعمال الكثيرة اللازمة لإعداد الكتاب والدورات وما يتعلق بهما.

أنتج ذلك كميات هائلة من الكتب التي استبدلت ولم تعد مطلوبة بل يجب إتلافها أو استخدامها وقوداً للتدفئة في وضع نقص المحروقات.

من المهم في العملية التعليمية حالياً اتباع شكليات كثيرة تضبط طريقة عرض الدرس ووضع العلامة، تركز على الشكل وتهمل المضمون فلا يبقى من المعلومات إلا نمطاً متسلسلاً من الكلمات يستطيع الطالب على الأغلب أن يتعامل معها كما يحرك أحجار الشطرنج دون الوصول إلى عمق الفكرة، فلا تشكل المعلومات ثقافة إنما تساعده على النجاح بلا اكتمال معرفة.

وقد أشرف على هذا الواقع مدرسون حديثو الاختصاص أتقنوا إعداد طريقة تساعد الطالب على ابتلاع المعلومة بآلية تمكنه من الحفظ الصم وإلقائها فوق ورقة الامتحان بلا رسوخ. وتعاونوا ضمن فريق شديد التماسك والتنظيم على إشاعة أفكار حول مهارتهم وتمكينهم بحيث سيطروا على المدارس الرئيسية في المحافظة وأرسلوا مندوبين منهم إلى الوزارة وإلى دائرة إعداد المناهج وأشاعوا بين الطلاب أن الطالب لن يحصل على علاماته إلا إذا أخذ دروساً لديهم ونظموا التحاق الطلاب في دروسهم الخاصة بآلية محكمة ضمن جماعات أو أفراد وتوصلوا إلى تبرير الأجور العالية ونشروا معلومات مطبوعة تقول بأن النوتات التي طبعوها أساس في اعتماد سلم التصحيح، وما دونها لا تنفع. وكان منهم من عمل في إعداد المناهج التي اعتبروها مطورة بينما لا تعدو كونها نسخاً من المناهج السابقة ملأى بالأخطاء.

كل ذلك أدى إلى تهميش المدرسين الفاعلين وتحديد عملهم وتقليص فرصة الاستفادة منهم في الصفوف حتى أن كثيراً من الطلاب يتغيبون عن دروسهم في المدرسة لأنهم يتلقون دروسا في البيت بمعرفة المدرس الخاص وتوجيه منه.

ومما لا شك فيه بأن الظروف الراهنة دفعت بعدد كبير من المعلمين والمدرسين من ذوي الخبرة إلى الاستقالة، مع أنهم لم يتوصلوا إلى تحقيق شرط الحصول على التقاعد الكافي والتعويضات التي المستحقة.

طالما العلاقة وثيقة بين الطفل والمدرسة اسمحوا لي أن أقدم الإحصائية الآتية، ودون تعليق، فهي تعبر عن ذاتها.

[أرقام حسب 25 منظمة وشخصيات نشرها المرصد السوري في 28 يوليو:

  1. سوريا وقعت على اتفاقية حقوق الطفل 1989 في عام 1993 وعلى البروتوكولين التابعين لها 2000.
  2. الأطفال يشكلون 50٪من النازحين واللاجئين كسوريين.
  3. إحصائية اليونيسيف 12 مليون طفل سوري بحاجة للمساعدات الإنسانية.
  4. حوالي 2.45 مليون طفل في سوريا، و750 ألف في الدول المجاورة لا يذهبون إلى المدرسة 40٪ منهم إناث.
  5. تم تجنيد أكثر من 5700 طفل للقتال.
  6. أكثر من 1300 مرفق تعليمي وطبي مع طواقهما تعرض للهجوم.
  7. وثق المرصد السوري في النصف الأول من 2022:
  8. استشهاد 158 طفلاً (33 إناث – 125 ذكور) موزعين:
  9. ·                    54 طفلاً بينهم 7 إناث بمخلفات الحرب.
  10. ·                    24 طفلاً بينهم7 إناث برصاص عشوائي.
  11. ·                    12 طفلاً بتردي الأوضاع الصحية.
  12. ·                    11 طفلاً بينهم 4 إناث على يد قسد والقوات الكردية.
  13. ·                    11 طفلاً بينهم 3 إناث برصاص السلطة السورية.
  14. ·                    10 أطفال بينهم طفلتين بظروف مجهولة.
  15. ·                    9 أطفال بينهم طفلة برصاص مجهولين.
  16. ·                    6 أطفال بينهم طفلة على يد الفصائل المسلحة.
  17. ·                    3 أطفال بقصف تركي.
  18. ·                    3 طفلات بقصف روسي.
  19. ·                    3 طفلات برصاص الجندرمة التركية.
  20. ·                    1 طفل بلغم ناسف.
  21. كما وثق المرصد السوري 23 حالة اختطاف لأطفال:
  22. ·                    3 أطفال في المناطق، الموالية لأنقرة.
  23. طفلان في مناطق السلطة السورية.
  24. ·                    20 طفلاً اختطاف تحت سن 18 على أيدي الشبيبة الثورية في مناطق الإدارة الذاتية.
  25. وثق المرصد استشهاد 339 طفلاً دون سن 18 تحت التعذيب في معتقلات السلطة السورية منذ 2011 أمام صمت دولي مرعب.

أطفال سوريا: طفولة تائهة ومستقبل مجهول

(المصدر المرصد السوري لحقوق الإنسان) 28 يوليو 2022

وهذه أرقام من تأثير الأزمة على التعليم في سوريا:

22000 مدرسة خرجت من الخدمة 7400 مدرسة، وهناك (2.800) مليون طفل لا يذهبون للمدرسة، و(1.3) مليون معرضون للتسرب. (حسب تقرير للأمم المتحدة)

– تصريح لهزوان الوز في 2018:

التحق بالمدرسة (4.400) طالب وطالبة للعام 2018-2019 ممن هم داخل سوريا من مجموع ما قدرته اليونيسيف (8) مليون.

تصريح الوزير عماد العزب لسبوتنيك الروسية 14نيسان 2019:

“كان لدينا قبل الحرب أكثر من 24 ألف مدرسة، والآن ونحن على أعتاب نهاية الحرب في سوريا هناك (10) آلاف مدرسة خارج الخدمة، ويمكن تقسيمها إلى ثلاث فئات، الأولى وهي المدمرة كلياً ويبلغ عددها (5) آلاف مدرسة، بينما مدارس متوسطة الضرر تقدر بـ ( 2500) مدرسة، والباقي مدارس متضررة بشكل طفيف”.

إعداد: المنظمة العربية لحقوق الإنسان في سورية – فرع السويداء – لجنة الأنشطة.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني