هيئة التفاوض السورية.. من يخرج عربتها من وحل الأجندات الإقليمية
يبدو أن كل الأطراف المنخرطة في الصراع السوري مشغولة بتحسين شروط وظروف انخراطها بهذا الصراع باستثناء فريق يُطلقُ على نفسه اسم (قوى الثورة والمعارضة)، فهذا الفريق، الذي يتكون من المنصات التالية: (الائتلاف، منصة الفصائل العسكرية، منصة المستقلين، منصة هيئة التنسيق الوطنية، منصة موسكو، ومنصة القاهرة)، لا يزال في حالة تفاوض عقيمة، لتحسين عدد المقاعد لكل منصة، أو على الأقل من أجل خطف عمل هذه الهيئة لصالح أجندات إقليمية.
فمنصة هيئة التنسيق الوطنية، لا تزال تختبئ خلف الموقف السعودي، الذي انبرت السعودية باتخاذه، بصورة منفردة خارج إرادة السوريين، حيث عقدت منذ أكثر من سنة مؤتمراً “للمستقلين” المحسوبين عليها، وانتخب المؤتمر ثمانية أعضاء جدد، تريد السعودية أن يحلوا محل الأعضاء القدامى، الذين تعتقد السعودية أنهم محسوبون على تركيا.
إن ما جرى في منصة القاهرة من صراع داخلي، اسُتبعد بنتيجته ممثلها في اللجنة الدستورية، وتمّ استبداله، يشير إلى أن عدم الثقة، لا يزال هو الحكم الفيصل في حل النزاعات الداخلية، وأن مكونات هيئة التفاوض لا تزال بعيدة عن القدرة الحقيقية على تمثيل السوريين في التفاوض مع النظام السوري، الذي يظهر بصورة متماسكة أكثر من وفد المعارضة.
إن بقاء التنازع الداخلي بين مكونات الهيئة لا يحكمه جانب يتعلق بوطنية التفاوض، بل تحكمه تدخلات إقليمية، تقول هذه المكونات إنها موجودة عبر التدخل السعودي، الذين أغلق مكاتب هيئة التفاوض السورية على أراضي المملكة.
الغريب في الأمر، أن القرار السعودي بانتخاب المستقلين، لا ينسجم مع كثرة تصريحاتهم بعدم التدخل والضغط على المعارضة السورية، فقيامهم بهذه الخطوة باعد فعلياً بين المكونات، وجعل أمر وحدتها رهن الأخذ بتدخلهم في انتخاب المستقلين، هذا الانتخاب، جاء على أرضية نزاع سعودي مع تركيا، وليس نتيجة صراع سوري – سوري.
ولتجاوز الإضرار بمصالح الشعب السوري، ينبغي أن تتحد الجهود لبلورة توازن عددي، وتفاهم على آلية التوافق في اتخاذ القرارات، ضمن بنية الهيئة المؤلفة من 37 عضواً.
إن التعطيل المستمر لعمل هيئة التفاوض، هو في المحصلة يخدم أجندة النظام بإعادة تهربه من استحقاقات تنفيذ القرار 2254، فهل فكّرت مكونات هيئة التفاوض بهذا الضرر، الناجم عن عدم اتفاقها فيما بينها، وانتظار قسم منها لتوجيهات إقليمية، من أي جهة كانت.
إن معيار الوطنية في هذه المعادلة ينبغي أن يرتكز بصورة شفافة على استقلالية مكونات الهيئة، وعلى إيجاد معادلة توازن قوى في داخلها، تمنع خطف القرار بأي اتجاه غير المصلحة الوطنية السورية، فما قيمة مكون ينتظر أوامر مشغليه الإقليميين ليحدد موقفه وقراره؟!.
إن وحدة عمل هيئة التفاوض يساهم في التركيز على تنفيذ القرار الدولي 2254، ويمنع الشطط الشخصي وغير الشخصي، الذي يُبنى على مسارات خارج هذا القرار، كما جرى في الآونة الأخيرة من ترويج لمجلس عسكري انتقالي حاكم.
وإن وحدة مكونات هيئة التفاوض السورية في مربع وطنيتها، سيمنع المتدخلين الإقليميين والدوليين من العبث بمسار الحل السياسي السوري وفق محتوى القرارات الدولية ذات الصلة بالوضع السوري.
فهل تذهب مكونات هيئة التفاوض إلى وحدتها من أجل المصلحة الوطنية العليا للسوريين، التي تتلخص بضرورة تنفيذ القرار 2254 وفق تراتبيته (إطلاق سراح كل المعتقلين وبيان وضع من قضى نحبه، هيئة حكم انتقالية، إعداد دستور للبلاد، انتخابات شفافة برعاية الأمم المتحدة)، تكون نتيجته النهائية تحقيق الانتقال السياسي من نظام الحكم الاستبدادي إلى نظام حكم مؤسسات ديمقراطية؟
فهل ستساهم مكونات هيئة التفاوض بعودة الحياة والنشاط إلى إطارها الوطني المعترف به دولياً، أم أنها ستبقى تتقاذف الحجج والتعطيل إلى أن تصبح في عداد من لا لزوم لوجودهم؟.
الشعب السوري ينتظر مواقف، لا تصريحات خلبية، ينتظر أن تتحد مكونات هيئة التفاوض، أو أن الشعب سيهتف بضرورة تغيير هذه الحالة التي هي عليها.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”