fbpx

هل يستيقظ السوريون على ميثاق وطني جديد

0 473

التساؤل الرئيسي الممكن حول حدوث انسدادٍ في الصراع السوري، يتعلق بغياب رؤية جماعية سورية، منذ انطلاقة الثورة عام 2011، هذا الغياب يمكن قراءته على المستويات التالية: غياب البرنامج المرحلي والاستراتيجي للثورة السورية، (هذا البرنامج الذي يمثل جوهرها في بناء دولة مواطنة ديمقراطية تعددية، تحفظ لكل المكونات حقوقها الثقافية والسياسية على قاعدة الدولة السورية الواحدة). كذلك غياب الإطار التنظيمي بهيئاته العملية التي تحقق أهداف هذه الثورة.

الغياب المذكور له أسباب تتعلق ببنية القوى السياسية ودرجة تطور البنى الاجتماعية، التي منع النظام الاستبدادي في البلاد نموها وتطورها، نتيجة انغلاقه على بنيته الأمنية، التي أفسدت كلّ أنماط الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

هذا الغياب هو من سمح للقوى ذات الأجندات غير الثورية بتسلق الثورة وحرفها عن مسارها، وقد قيّض لها ذلك بالاعتماد على المال السياسي، والدعم الإعلامي المختلف، من قبل قوى إقليمية، لا تريد للثورة السورية، أن تشكل قاعدةً لانتشار الفكر الديمقراطي والثوري، الذي يقع في موقع النقيض من هذه القوى.

غياب الرؤية السياسية والتوافق على عقد اجتماعي وطني ديمقراطي، سمح للقوى الإقليمية والدولية بالقبض على قوة دفع الثورة، وتفريغها من اندفاعتها، وربطها بأجندات لا علاقة للسوريين بها، وهو أمرٌ أورث كلّ هذه الكوارث التي يعيشها الشعب السوري.

ولعل خطوة الحوار الكردي/الكردي برعاية الولايات المتحدة شكّلت استفزازاً للسوريين دفع لإعادة النظر بمستوى وطبيعة الصراعات في سوريا، سواء بين القوى الداخلية، أو القوى الخارجية المنخرطة بالصراع السوري، هذا الحافز استدعى قراءات مختلفة، إذ لا يمكن حلّ قضية مكون واحدٍ على حساب مجموع المكونات الوطنية.

وبدلاً من أن يكون الحوار بين القوى السورية على قاعدة الوطنية الواحدة، بدا الأمر كخطوة باتجاهات، لا تحفظ سلامة البلاد إقليمياً أو وحدتها الداخلية، وهو ما دفع نخباً من منطقتي الجزيرة والفرات بمحافظاتها الثلاث (دير الزور – الرقة – الحسكة)، إلى البحث في ميثاق شرف وطني، يخصّ كل منطقة وفق بنيتها السكانية، هذه الخطوة تبناها إطار عمل سياسي سوري جديد أطلق على نفسه اسم (التحالف العربي الديمقراطي).

لقد أطلق التحالف المذكور ما أسماه مشروع مبادرة ميثاق وطني، شملت كل محافظة من المحافظات الثلاث (دير الزور والرقة والحسكة) وقد التقت صيغة الوثيقة على نقاط يمكن قراءاتها بأنها ذات بعد وطني سوري، بعيد عن الانحياز للإثنية والطائفية والدينية.

لقد اعتمد مشروع الميثاق لكل من هذه المحافظات على نقاط عديدة جاء في سياقها: إن أبناء أي محافظة من هذه المحافظات الثلاث بمدنها وبلداتها وأريافها وسكانها جزءٌ لا يتجزأ من سوريا الواحدة، وعلاقتهم بالوطن هي علاقة الفرع بالأصل.  كذلك يرفض سكان كل محافظة أشكال العنصرية والتطرف والإرهاب كافة، ويعملون على تثبيت الوطنية السورية لكل المكونات الوطنية على قاعدة الحقوق السياسية والثقافية الواحدة في دولة مدنية ديمقراطية تعددية، وإن الدستور الوطني هو فعل تشاركي بين جميع المكونات الوطنية السورية، الذي يحفظ وحدة تراب البلاد ويمنع تقسيمها بأية صورة كانت.

هذه الخطوات، التي تقوم بها فعاليات تنضوي تحت راية التحالف العربي الديمقراطي هي خطوات تأتي على قاعدة عمل وطني سوري واسع في هذه المناطق، وهي خطوات تؤسس لفتح الباب أمام ميثاق شرف وطني لسوريا، تتبناه بعد نقاشات وحوارات وطنية المكونات السياسية السورية، من خلال مؤتمر وطني سوري جامع وشامل.

إذاً، شرعية العقد الاجتماعي السوري، لا تأتي عن طريق غرف حوارات محدودة، أو من قبل أطر سياسية مفروضة دولياً على الشعب السوري، بل تأتي وفق قاعدة التوافقات الوطنية الحرة على صيغة الدولة الجديدة، وهو عمل يبدأ من القاعدة إلى القمة وليس العكس.

بقي أن نقول: هل سينجح السوريون في المحافظات الأخرى من التجمع حول ميثاق وطني أولي، يمهد الطريق لاجتماعهم بصورة أوسع على مستوى الجغرافية السياسية السورية؟ سؤال يحتاج إجابة، وإجابة تحتاج جهود عمل دؤوبة، فهل يصل السوريون إلى ضفاف ميثاق شرف وطني لدولة جديدة؟ هذا أمرٌ ينتظره كل السوريين على اختلاف مواقعهم ومشاربهم السياسية.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني