هل ما زلت امرأة؟
تغيرت حياة النساء في سوريا وزادت عليهن الأعباء في ظل الظروف الراهنة، ولا توجد إحصائيات دقيقة عن عدد الأرامل، وبحسب إحصائية تم نشرها في عام 2018 من قبل منسقي الاستجابة تقول إن عددهن بلغ 36356 وقد فقدن أزواجهن إما في المعتقلات أو شهداء نتيجة القصف أو ضمن المعارك أو بسبب الاختفاء القسري، لتجد المرأة نفسها مسؤولة عن أطفالها ومضطرة لتحمل أعباء تنوء الجبال عن حملها.
لم أعد أعرف هل أنا امرأة حقاً؟
سؤال أطرحه على نفسي يومياً بعد أن انقلبت حياتي رأساً على عقب.
بهذه الكلمات تحدثت زين البالغة من العمر 24 عام المسؤولة عن رعاية طفلها بعد خسارتها لزوجها الذي فقدته منذ عدة أعوام ولم تعرف مصيره بعد اعتقاله من قبل جهة مجهولة منذ عام 2014 في الشمال السوري.
تتابع زين حديثها قائلة: كان طفلي في عامه الأول حين اختفى زوجي، وبحثت عنه طويلاً لدى كل الفصائل لكن دون جدوى لم يعترف أحد بوجوده، وبدأت معاناتي تزداد حين اضطررت لترك منزلي والعودة إلى بيت عائلتي مع طفلي الوحيد بسبب رفضهم لإقامتي وحدي في ظل الظروف الأمنية الحالية ورفض المجتمع للأمر كانت العودة لمنزل أهلي معاناة أخرى، فقد أصبحت بدون رجل وأي حركة أحاسب عليها من الأهل المجتمع الذي يعامل المرأة بقسوة، ولشعوري أنني وولدي أصبحنا عبئاً إضافياً على والدي، أشعر بالعجز والقهر لعدم قدرتي على إعالة طفلي.
أما أم جميل التي تحملت مسؤولية ستة أولاد تحدثت عن الصعوبات التي تواجهها في تربيتهم خاصة بعد التهجير، وخسارتها للعمل الذي كانت تمارسه في مدينتها (سراقب) في ريف إدلب الشرقي.
تقول أم جميل: مسؤولية ستة أطفال ليست بالأمر السهل خاصة أنهم خمس بنات وصبي صغير غير قادر على العمل ومد يد العون لي، كنت سابقاً أعمل موجهة في إحدى المدارس الخاصة وأموري مستقرة نوعاً ما، وتقتصر معاناتي على اضطراري لمغادرة المنزل لساعات طويلة بعيداً عن بناتي، لكن بعد التهجير وانتقالي إلى ريف حلب صادفت صعوبات أكثر، فأنا أحتاج لمنزل يأويني مع أولادي وعمل يساعدني على تأمين متطلباتهم ومصاريف تعليمهم.
تتابع أم جميل قائلةً: عملت في البداية ضمن مشغل خياطة ولكن بسبب سوء الأوضاع تم إغلاق المشغل، فأسست عملي الخاص في منزلي حيث بدأت بتجهيز المُؤن وبيعها لتوفير ما يلزمنا، ولكن الآن في فصل الشتاء توقف هذا العمل فقد انتهى موسمها.
تواصل أم جميل كلامها بحسرةٍ: بناتي في المدرسة وأسعى رغم كل معاناتي أن أوفر مصاريفهن حتى يتعلمن ويحصلن على شهادات تحميهن في المستقبل، كي لا يعانين مثلي فأنا لم أتابع تعليمي وهذا حرمني من إيجاد فرصة عمل مناسبة.
بينما تتحدث أم نور البالغة من العمر ثلاثة وثلاثون عاماً عن وجع يثقل كاهلها وهي المسؤولة عن ستة أطفال أكبرهم صبي في الرابعة عشر من عمره.
تستعيد ذكرياتها عن بداية معاناتها قائلة: خرج زوجي إلى عمله ليؤمّن لقمة أطفاله، لكن الطيران الروسي كان له بالمرصاد، فأصيب إصابة بالغة واستشهد على إثرها مخلِّفاً لي أربعة صبية وبنتان إحداهن مريضة بالسكري، وقد أصيبت به بعد وفاة والدها بسبب الرعب الذي عاشته حين رأت جثته، أطفالي كانوا متفوقين في مدرستهم ولكن بعد أن هُجِّرنا من بلدتنا وتدهورت حالتنا المادية وكوني لا أتقن أي مهنة، ولا أحمل شهادة جامعية، اضطررت لإخراج أولادي من المدرسة حتى يعملوا ويؤمنوا مصاريفنا بالإضافة للدواء الذي تحتاجه أختهم.
تواصل أم نور شرح تفاصيل وجعها قائلة: في بلدتي وبعد استشهاد زوجي كان أصحاب الأيادي البيضاء يعرفوننا ويساعدوننا، لكن اليوم نحن غرباء في هذا البلد نحتاج لتأمين أجرة المنزل وطبعاً بالدولار والغلاء يمنعنا من تأمين كل ما نحتاجه، وأجد نفسي أعيش شخصيتين متناقضتين فأنا الأم الحنون والأب القاسي وهذا يرهقني جداً.
في ظل ازدياد عدد النساء الفاقدات للمعيل، وقلة فرص العمل لأغلبية هؤلاء الأرامل، بسبب عدم إكمالهن لتعليمهن أو رفض مجتمعاتهن لعملهن أو عدم امتلاك المرأة لمهنة تساعدها في توفير حياة كريمة لأطفالها، تظل معاناتهن مستمرة لعدم قدرة المنظمات الإنسانية على تلبية جميع الاحتياجات لأغلبية النساء والأطفال، ويدفع العديد من الأطفال الثمن حين يضطرون لترك دراستهم من أجل العمل في مهن لا تناسب عمرهم، أو يتحول بعضهم لمتسولين بسبب الفقر الشديد.
تبقى النساء والأطفال الجرح الموجع الذي يحتاج إلى إيجاد حلول جذرية لهذه المأساة الانسانية.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”