fbpx

هل في أهداف الحرب الإسرائيلية التكتيكية أو المتوسطة المدى توفير شروط إسقاط سلطة النظام الإيراني؟

0 54

في 13 يونيو 2025، أطلقت إسرائيل عملية Rising Lion (“Am Kelavi”) التي تستهدف تقويض البرنامج الصاروخي والنووي الإيراني، كما أعلن رئيس حكومة الحرب.
 التساؤل الرئيسي:

ما هي حقيقة أهداف الموجة الجديدة من الهجمات الإسرائيلية المتعددة الأذرع في العمق الإيراني، وإلى أيّة درجة نجحت في تحقيقها؟

 في منطق العقلية الاستراتيجية الإسرائيلية، نقرأ:

“تمثّل إيران والمحور الإيراني في الشرق الأوسط تحديات فورية وطويلة الأجل لإسرائيل، ويشكّل البرنامج النووي الإيراني، إلى جانب أنظمة الصواريخ طويلة المدى والطائرات بدون طيار في أيدي وكلاءها، خطراً استراتيجياً كبيراً على الأمن القومي لإسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، فإن التأثير الإقليمي لإيران من خلال وكلاءها وشركائها في لبنان والعراق واليمن والساحة الفلسطينية تشكل أيضاً تحدياً كبيراً لإسرائيل. على الرغم من أن المحور المؤيد للإيراني في المنطقة عانى من ضربات ثقيلة منذ 7 أكتوبر، وخاصة في ضوء النجاحات الميدانية لإسرائيل ضد حزب الله وحماس، وكذلك انهيار نظام الأسد في سوريا، فإن إيران لم تتخلى عن طموحاتها الإقليمية”. (INSS- The Institute for national security studies)

من جهة ثانية، حول أبرز أحداث ووقائع الهجمات الإسرائيلية، جاء في تقرير تلفزيون سوريا:
“فجر الجمعة، شنّت إسرائيل واحدة من أعنف غارتها الجوية، مستهدفة مواقع نووية، وعسكرية مرتبطة ببرامجها، داخل العمق الإيراني، وعدد من القادة وعلماء الذرة الإيرانيين. استهدف الغارات منشآت شديدة الحساسية، بينها أجزاء من مفاعل “نطنز”، ومواقع في فوردو وأصفهان، وتوالت بعدها انفجارات عنيفة في طهران، حيث أعلنت وسائل إعلام إيرانية تفعيل وسائل الدفاع الجوية واعتراضها عدد من الصواريخ”.

وتحدّث تقرير “أ.ف.ب.” عن ” سقوط 78 قتيلاً و 320 جريحاً”.

في القراءة السياسية للأحداث وحيثياته، يبدو جليّاً استهداف وإصابة الضربات الجوية الإسرائيلية قلب المنشآت النووية الإيرانية، ونجاحها في تحييد عشرات القائمين على قيادة المشروع والأجهزة العسكرية والأمنية المرتبطة ببرامجه…

أمّا إمكانية استئناف الهجمات الإسرائيلية، وبالتالي آفاق تصاعد الحرب بين الدولتين الأكثر تصارعاً على مناطق النفوذ والسيطرة الإقليمية، يعتمد بدرجة رئيسيّة على التقييم الإسرائيلي اللاحق لدرجة تحقيق الأهداف!.

ضمن هذا السياق، التساؤل الذي يطرح نفسه، ويشغل بال قطاع واسع من الرأي العام الإقليمي والإيراني:

هل في أهداف الحرب الإسرائيلية التكتيكية أو المتوسطة المدى توفير شروط إسقاط سلطة النظام الإيراني؟

أعتقد أنّ درجة قوّة النظام الإيراني العسكرية وتماسكه الداخلي يحددها كعامل رئيسي طبيعة مظلة الحماية الأمريكية، في حين تتعزز قوّة “إسرائيل” الذاتية في غياب الضغوط الأمريكية الرادعة!.

في التاريخ القريب، العامل الرئيسي الذي منع حكومة الحرب اليمينيّة الإسرائيلية خلال ما عرف بهجمات رّد “الوعد الصادق” خلال 2024 من استهداف المنشآت النووية لم يكن سوى وجود مظلّة الحماية أوّلاً، وقوّة ضغوط الردع الأمريكية، ثانيا، وقد رفض الرئيس بايدن الديمقراطي تحت ذريعة “منع انتشار النزاع إقليمياً” السماح لنتنياهو بتنفيذ تهديداته، وتوعّد، في حال أقدم نتنياهو على مهاجمتها!.

مع وصول ترامب إلى السلطة في ديسمبر 2024، بدأت تتبلور ملامح استراتيجية إقليمية أميركية جديدة، تعاكس في الاتجاه، وتتناقض في الأهداف، مع استراتيجية السيطرة الإقليمية التشاركية بين الولايات المتحدة والنظام الإيراني التي أطلقت واشنطن صيرورتها منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي، وشكّلت مظلّة الحماية والدعم اللوجستي لتقدّم أذرع المشروع الإيراني الإقليمية حتى عندما تعارضت في فلسطين المحتلّة وسوريا ولبنان مع مصالح وسياسات الأمن القومي الإسرائيلي.

في هذه المرحلة الجديد من خطط وسياسات مشروع السيطرة التشاركية الإقليمية الأمريكية، حيث تسعى واشنطن لتوفير شروط استقرار سوري وإقليمي دائم، عبر دعم مسارات توحيد الجغرافيا والسلطة والسيادة في سوريا، واستكمال خطوات وإجراءات التطبيع الإقليمي في إطار مشروع “آبراهم” المتضمّن إعادة دمج النظام الإيراني في آليات النظام الإقليمي الجديد، جنباً إلى جنب مع السعودية و “إسرائيل”، وإذا أخذنا بعين الاعتبار عواقب إسقاط سلطة النظام الإيراني على وحدة إيران، ومخاطر تفشيل الدولة وتقسيمها على الأمن القومي الإقليمي الذي تعمل واشنطن على ترسيخ أسسه، تتضح طبيعة مظلّة الحماية الأمريكية لسلطة النظام الإيراني، وحدود سقف الحرب الإسرائيلية الدائرة رحاها اليوم حول قضايا التسلّح والنفوذ الإقليمي.

في تقديري لا تخرج مظلة الدعم الأمريكي للهجمات الإسرائيلية عن سقف الأهداف المرتبط بتقويض المشروع النووي او وضع ضغوط رادعة على سلطة النظام الإيراني لدفعها على توقيع أتفاق نووي جديد بالشروط الأمريكية، وما تزال مظلة حماية سلطة النظام الإيراني في مواجهة مخاطر التغيير الداخلية أو الخارجية قائمة، وفعّالة، ولا تستثني الحكومة الإسرائيلية، بغض النظر عن طبيعة دوافعها وأسباب أمنها القومي!.

فليس من مصلحة واشنطن، ولا في أهداف أجنداتها الإقليمية إسقاط سلطة النظام الإيراني، لأسباب واضحة ترتبط بعواقب إسقاط سلطة النظام الإيراني على وحدة إيران، ومخاطر تفشيل الدولة وتقسيمها على الأمن القومي الإقليمي الذي تعمل واشنطن على ترسيخ أسسه، بما يصل بنا إلى الاستنتاج أنّ هدف الحرب الإسرائيلية الراهنة لن يتجاوز سقف إجهاض مشروع التسليح الإيراني، البالستي والنووي، ولن يسعى لإسقاط النظام الذي سيصبح لاحقا أحد مرتكزات مشروع التطبيع الإقليمي..

ندرك أنّ هدف الحرب الإسرائيلية الراهنة لن يتجاوز سقف إجهاض مشروع التسليح الإيراني، البالستي والنووي، ولن يسعى لإسقاط النظام الذي سيصبح لاحقاً أحد مرتكزات مشروع التطبيع الإقليمي.

لقد حققت الهجمات الإسرائيلية أهدافها، ودمّرت العشرات من البنى والأهداف الأكثر أهميّة التي كلّفت أعداد من المليارات، لا تعدّ، ولا تحصى، وزهقت أرواح عشرات الخبراء والقادة العسكريين، وتركت نظام الملالي أمام الخيار الأسوأ:

الرضوخ لشروط الصفقة الأمريكية الجديدة حول مستقبل أهداف وآليات عمل البرنامج النووي والبالستي، أو مواجهة المزيد من عواقب الهجمات الإسرائيلية.

في خلاصة القول، من حيث الجوهر، لم تسقط مظلّة الحماية الاستراتيجية لسلطة النظام الإيراني في طهران، رغم تضمّن ما حصل من تغيّرات استراتيجية تفكيك مرتكزات سيطرته الإقليمية في سوريا ولبنان وفلسطين.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني