من خلال لوحة حملت عنوان تعارفوا أظهرت أبرز القيم الإنسانية التي ينادي بها مونديال قطر، دار حوار حضاري بين الشرق والغرب يدعو إلى التسامح واحترام الآخر، كان بطلاه النجم العالمي مورغان فريمان والشاب القطري صغير الجسد كبير القلب كما يصف نفسه غانم المفتاح سفير النوايا الحسنة في قطر.
ثلاثون دقيقة كانت كافية للجنة المنظمة لتبهر العالم من خلال حفل الافتتاح الذي أقيم في استاد البيت المصمم على شكل خيمة بدوية حيث غلب على الحفل الطابع العربي من خلال العروض الثقافية والتراثية والدلالات الرمزية على الترحيب وكرم الضيافة.
الحفل الأسطوري، هكذا أطلقت عليه الصحافة الأجنبية التي أبدت إعجابها بل انبهارها بالمستوى التقني المتطور الذي قدمته قطر باستخدام أحدث تكنولوجيا بالخدع البصرية والتصوير والإضاءة.
بدأ المونديال بنجاح وتميز رغم الجدل الذي أثير على خلفية فرض قطر بعض الشروط لحضور المونديال، التي تتوافق مع الطابع الديني والبيئة الاجتماعية، وقد انقسمت ردود الفعل بين مؤيد ومعارض لتلك القرارات باعتبارها تقيد الحريات العامة فيما اعتبرها آخرون من حق الدولة المنظمة ومنسجمة مع الهوية الثقافية للمنطقة.
أما عن أبرز المنتخبات المشاركة، التي تهم الجمهور العربي فقد فاز المنتخب الإيراني الذي خسر مباراته باستعادة جماهيريته العربية رغم الموقف العربي المناهض لسياسة إيران الداخلية والخارجية وتدخلاتها بالدول العربية وذلك بعد أن امتنع أعضاء المنتخب عن ترديد النشيد الإيراني في خطوة تعبر عن تضامنه مع الشارع الثائر المناهض لسلطة الملالي، موقف أعاد للذاكرة المنتخب السوري الذي أُطلق عليه تهكماً فريق البراميل في دلالة على ابتعاد أعضاءه عن حاضنته الشعبية وانحيازه للنظام بحربه الهمجية على الشعب السوري وهنا تقول الأخلاق كلمتها، فشتان بين فريق ينحاز لشعبه بثورته الحرة وبين فريق تقوده سلاسل العبودية.
أما المنتخب السعودي فقد تمكن من فعل ما عجزت عنه الجامعة العربية بقممها ومؤتمراتها حين وحد العرب كافة، بتوجهاتهم المختلفة لحظة خروجهم للاحتفال بفوزه على منتخب الأرجنتين ولم يقتصر الاحتفال على الشعوب وإنما وصل إلى القادة حين التف أمير قطر بالعلم السعودي إضافةً إلى تشكيل فريق مشجعين مهمته تشجيع المنتخبات العربية المشاركة ورفع أعلام دولها ببادرة معبرة عن روح التضامن العربي رغم الخلاف والاختلاف.
حتى القضية الفلسطينية كانت حاضرة حين قام المغني الكولومبي الشهير مالوما بالانسحاب من لقاء صحفي وتوبيخه لمراسل إسرائيلي واصفاً إياه بالوقح، وبموقف آخر لنفس الصحفي الذي حاول إجراء مقابلة مع شاب قطري إلا أن الشاب رفض الحوار معه بعد معرفته أنه يعمل لدى مؤسسة إسرائيلية.
الوجود السوري في مونديال قطر
لا وجود لمنتخب يمثل سوريا في مناسبات دولية ولا حتى إقليمية أو عربية وربما يعود ذلك إلى الحقل الرياضي السوري الغارق بالواسطة والمحسوبية، ما جعلها تغيب عن مثل هذه المناسبات رغم ذلك ارتفع العلم السوري علم الثورة السورية وأخذ مكانه في سماء قطر، لكن الوجود السوري تجاوز الرياضة إلى الإنسانية، فعشية انطلاق كأس العالم أعلنت مخيمات شمال غرب سوريا انطلاق كأس العالم بمشاركة أكثر من 300 طفل في مبادرة أطلقتها منظمة محلية لتسليط الضوء على معاناة تلك الفئة الأكثر تضرراً من مفرزات الحروب، حيث تم تنظيم كأس العالم للمخيمات بمشاركة 32 فريق من الأطفال بين سن الـ 10 و14 تحاكي المنتخبات المشاركة.
وبلوحة أخرى أعلن أطفال المخيمات عن انطلاق المونديال من خلال أغنية أرحبوا ترنم بها الأطفال بأصوات تنشد الأمل بالخلاص مختلقين حالة فرح من مهد الحزن مترافقة مع ركلة لكرة قماشية رثة على أرض مخيمهم الخشنة القاسية علّها تخترق شباك واقعهم المخزي محدثةً طاقة أمل لمستقبل أفضل ليرسلوا إلى العالم أجمع رسالة مفادها أننا هنا باقون رغم الألم لننشد الأمل.
لاقت لفتة أطفال المخيمات صدى واسعاً وتفاعلاً كبيراً أوصل صوتهم الى العالم عبر قنوات ومواقع عربية وأجنبية حتى أن قناة beinsports قامت بمشاركة الأغنية على قناتها وحساباتها الرسمية، ومن لم يسمع غناء أطفال المخيمات لابد أنه سمع وردة الصحراء، السيمفونية التي أبدع بتأليفها السوري مالك جندلي المولود في ألمانيا والمقيم في أمريكا، الذي بقي ملتصقاً ببلده حاملاً قضاياه، مدافعاً عن الإنسان، معلناً بكل مناسبة عن مساندته الشعب السوري بثورته، ثورة الكرامة، فضلاً عن دعمه الدائم للثورة وجمع التبرعات خلال حفلاته لصالح ضحايا حرب النظام السوري على الشعب.
مالك جندلي الذي استحق لقب المهاجر العظيم واختير ليكون الموسيقار الفخري الجديد لمتاحف قطر.
هؤلاء هم السوريون الذين لمعوا في مونديال قطر خسرتهم سوريا وغيرهم الكثير ممن أبدع وأنتج في بيئة احتضنته وقدمت له فقط صفتي الإنسانية والمواطنة ليفجرها عطاءً ونجاح لا يعرف الحدود.