fbpx

هل تؤدّي سياسات واشنطن لوقف الحرب العدوانية الإسرائيلية إلى بقاء سلطة حماس وإعادة تأهيلها؟

0 85

عندما يخرج زعيم سلطة أمر واقع ميليشياوية، وبما يملكه من قدرات عسكرية متواضعة جداً بالمقارنة مع الترسانة العسكرية والنووية الإسرو-أمريكية، وما أظهره من عجز مطلق عن حماية نخبة الصفوة في قياداته، وما أكده من محدودية تأثير قدراته العسكرية على مجرى الصراع وفقاً لخطط وسياسات قيادة العدو، ليهدد الجميع، ويتوعد بالعقاب، فليس لهذا الأمر في منطق موازين قوى الصراع سوى تفسير واحد:

حصوله على عامل الأمان تحت شبكة مظلة الحماية الأمريكية، القوة العظمى الوحيدة القادرة على ذلك! وهو نفس العامل الذي يفسر سلوك قيادة حماس، التي استمدت سابقا عوامل الحماية والتمكين من الولايات المتحدة، بشكل غير مباشر سابقا، عبر قطر والنظام الإيراني، وبشكل مباشر اليوم، عبر سياسات واشنطن وشركائها في الوسط الإسرائيلي!.[1]

ولا غرابة في تقاطع السياسات، طالما أن الهدف المشترك للجميع، على الصعيد الإقليمي، هو تقويض صيرورات التغيير الديمقراطي وتفشيل مقومات الدولة الوطنية، وعلى صعيد القضية الفلسطينية، منع قيام حل الدولتين الذي أرست اتفاقيات أوسلو قواعده، ووضعت أسس سلطته الفلسطينية، وبات في ظل موازين قوى الصراع القائمة، الطريق الموضوعي الممكن والوحيد لتجسيد حقوق الشعب الفلسطيني السياسية!!.

لقد بات تقاطع مصالح وسياسات الولايات المتحدة مع قيادة حماس وقوى الوسط الإسرائيلية لتقويض شروط حل الدولتين أكثر وضوحا في هذه المرحلة الدقيقة من الصراع على فلسطين وقلب منطقة الشرق الأوسط. ولا يضعف من مصداقية وموضوعية هذه القراءة تخندق الوعي السياسي النخبوي اليساري إلى جانب تحالف الاستبداد المقاوم الذي تقوده واشنطن بأذرع الإسلام السياسي، السلطوية والميليشياوية، بل يؤكد للمرة الألف على لا موضوعية، وطبيعة مأزق نخبه وتياراته السياسية، في عدم امتلاكها أدوات التحليل الموضوعي، وانفصالها عن حقائق الصراع، وما يخلقه من وقائع.

لنتابع بعض التفاصيل:

هل تعمل أمريكا على إبقاء حماس بالسلطة؟.. نعم، كيف؟

إذا كان واضحاً أن في آليات التفاوض حول صفقة الرهائن (ومراحل الهدن التي تأتي في سياقها، وتشكل تسوية سياسية، تنهي الحرب الراهنة) ما يؤدي إلى بقاء سلطة حماس وإنقاذ قيادتها السياسية، فإن التساؤلات التي تطرح نفسها:

هل يأتي هذا بفضل موازين القوى القائمة، لصالح حماس، وتمكنها من فرض وجودها على حلف الأعداء، أم بفضل تقاطع المصالح والسياسات، ليس فقط بين الولايات المتحدة وقيادة حماس، بل وبينهما وبين تيارات واحزاب سياسية إسرائيلية، تنحاز إلى واشنطن في سعيها لتنفيذ خطط الهدن الأمريكية، ورؤيتها لأفضل وسائل تقويض حق الشعب الفلسطيني التاريخي والسياسي بتأسيس دولة فلسطينية، على جزء من التراب الوطني، أو على كامله؟ وكيف؟ أين هي مواقع تقاطع المصالح؟ وأين تفترق؟.

موضوعياً، وفي جهود واشنطن السياسية والدبلوماسية لوضع حد لهذه الحرب، النتيجة الأبرز هي بقاء سلطة حماس في نهاية المطاف، كما تبين إجراءات وخطوات ومراحل خطة الهدنة الأمريكية التي طرحها الرئيس بايدن في نهاية أيار، وأكد موافقة نتنياهو عليها، وقد أضاف إليها رد حماس بعض التفاصيل حول فتح المعابر، وكانت مطالبة حماس بضمانات دولية للتنفيذ هي التأكيد على موافقة الحركة على أهدافها الرئيسية، التي لابد أن تشكل لها فرصة نجاة!.

التساؤلات الرئيسية:

كيف نفهم تقاطع المصالح بين سياسات الولايات المتحدة وحماس؟ أين تلتقي مع نتنياهو ووزراء الوسط وأين تتناقض مع سياسات قوى اليمين المهيمنة على الحكومة؟ وما هي طبيعة المخارج الممكنة، في هذا الصراع السياسي حول طبيعة التسوية، ومآلاتها، التي يشكل فيها نتنياهو بيضة القبان في النزاع بين اليمين وسياسات الولايات المتحدة؟

أولاً: من الضروري فهم طبيعة سياسات الولايات، بين الحقيقة والتضليل!

في مسعى يومي جاد لإدراك حقيقة مصالح وسياسات الولايات المتحدة تجاه عواقب هجوم طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي والحرب الإسرائيلية الانتقامية المدمرة، (وذلك على ضوء ما تبين من حقائقها تجاه الصراع على سوريا والإقليم، في مواجهة وعي سياسي نخبوي، سلطوي ومعارض، منفصل، يجد في أفكار الدعايات والأيديولوجيا بوصلة وقواعد قراءة المشهد السياسي، وفهم طبيعة أحداثه)، أحاول في هذا المقال كشف طبيعة التضليل الذي تنتهجه وتمارسه واشنطن تجاه حرب التدمير الشاملة التي تشنها حكومة اليمين الصهيوني بقيادة ليكود نتنياهو على التراب والشعب الفلسطيني، وذلك في أبشع وأوسع استغلال لما قدمه هجوم طوفان الأقصى الحمساوي من مبررات.

تُبنى نظرية التضليل الأمريكية على أرضية التناقض في سياسات واشنطن بين الأهداف المُعلنة من جهة، وبين آليات التنفيذ الواقعية، من جهة ثانية، التي تعمل على تحقيق الأهداف الحقيقية، المغيبة في الدعاية.[2] كيف؟

تاريخياً، على صعيد الأهداف المُعلنة في السياسات، تروج الإدارات عبر شبكة وسائلها الضخمة المتنوعة لصناعة الدعاية لأهداف مشروعة من وجهة نظر مصالح الشعوب والقانون الدولي، بينما تستخدم في التنفيذ آليات تؤدي في الممارسة إلى تحقيق أهداف متناقضة مع المُعلن، لكنها تتوافق مع حقيقة مصالح وسياسات السيطرة الإقليمية الأمريكية المُغيبة في الدعاية! صعوبة كشف آلية التضليل، أو اكتشافها بعد فوات الأوان، يُعرض الغالبية على مستوى الرأي العام الشعبي والنخبوي والحكومي إلى درجة عالية الاحتراف من التضليل، وقد لا يدرك طبيعتها أصحاب القضايا العادلة، حتى بعد فوات الأوان، كما يتضح في انفصال تعبيرات الوعي السياسي النخبوي المعارض عن حقائق الصراع!.

في مواجهة عواقب هجوم طوفان الأقصى، سعت وسائل صناعة الدعاية الأمريكية التي رسمت خطوطها العامة تصريحات كبار المسؤولين في إدارة بايدن، بدءاً من الرئيس نفسه، وليس انتهاء بمندوبة واشنطن إلى مجلس الأمن، لتغطية التناقض السياسي والعملي بين الأهداف المُعلنة من جهة، وبين آليات تحقيقها، من جهة ثانية؛ وهي أكثر أشكال التضليل مهارة، وقدرة على خداع الرأي العام على جميع المستويات.

من حيث الهدف المُعلن، المشروع، تُعلن جهاراً نهاراً، وعلى مسمع الجميع، أنها تسعى على تنفيذ خارطة طريق اليوم التالي، المرتبطة بحل الدولتين، وتبدأ بخطوة الاعتراف بضرورات إنهاء سلطة حماس على القطاع، وتتضمن إجراءات إعادة سيطرة السلطة الفلسطينية من خلال حكومة وحدة وطنية، وما تتضمنه من رفض سياسات الحرب الإسرائيلية، خاصة التهجير وإعادة الاحتلال، وتعمل على تحشيد أوسع دعم إقليمي وعالمي.

من حيث آليات التنفيذ، تشكل جميع الخطوات والإجراءات والجهود التي تقودها واشنطن عملياً خارطة طريق تقويض مرتكزات تسوية حل الدولتين التي يأتي في أهمها توحيد الجغرافيا السياسية الفلسطينية (سلطة وطنية، وجغرافيا موحدة)، وذلك من خلال خارطة طريق مضادة، يتمحور هدفها الرئيسي خول وطني حماية مرتكزات سلطة حماس الأساسية، السياسية والعسكرية، وإعادة تأهيلها، لما تشكله موضوعياً وسياسياً من عائق، يمنع توحيد الجغرافيا والسلطة الوطنية الفلسطينية، ودون أن تقدم خطوات دعم فعالة للسلطة الشرعية الفلسطينية، التي تترنح تحت ضربات المستوطنين، وتواجه سياسات تقويض مستمرة منذ 1995، وقد بلغت أوجها في سياقات الحرب على غزة.

تُعلن خارطة طريق حل الدولتين وتمارس آليات تقويض شروطه الفلسطينية الجوهرية، عبر دفع الصراع على خارطة طريق مناقضة، تحمي أخطر أدوات تقويض شروط حل الدولتين، سلطة حماس على غزة، وما نتج عنها من تقسيم الجغرافيا والديموغرافيا الوطنية الفلسطينية، وشكل من عقبة كأداء أمام تقدم خطوات وإجراءات حل الدولتين!.

في التفاصيل:

ثانياً: على صعيد الأهداف المُعلنة في تصريحات كبار موظفي الإدارة!

لم يخل حديث للرئيس أو وزير خارجيته من التذكير برؤية إدارة بايدن لليوم التالي، وتأكيدها على حرص جهوده الإدارة على توفير شروط حل الدولتين، عبر خارطة طريق توحيد الضفة وغزة تحت السلطة الفلسطينية، بدعم عربي وعالمي، بما يُعيد واقع السيطرة الجيوسياسية الفلسطينية إلى الوضع الذي كانت عليه قبل حزيران 2007، عندما حصل تقسيم الجغرافيا السياسية الفلسطينية بين سلطتين متنافستين على تمثيل الشعب والقضية الفلسطينية؛ وبما يعزز الشروط الموضوعية والذاتية الفلسطينية لحل الدولتين.

من حيث المُعلن، يجادل المنطق الأمريكي بالقول: لأنه لا يمكن لحماس الاستمرار في السيطرة على غزة، وهو أمر يتعذر معه الدفاع عن أمن إسرائيل ورفاهية الشعب الفلسطيني والأمن الإقليمي، فإنه يجب العمل وفقاً لخطط متكاملة في سياق الحرب وما بعدها من أجل إعادة توحيد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية تحت كيان حاكم واحد في إطار مشروع إعادة الإعمار والأمن والحكومة، وفي سياق أفق سياسي واضح للشعب الفلسطيني يفضي إلى إقامة دولة خاصة به تقودها سلطة فلسطينية متجددة وتتمتع بدعم كبير من المجتمع الدولي ودول المنطقة، خاصة مصر والأردن.

ضمن هذا السياق، مراراً وتكراراً، ومنذ اللحظات الأولى لتدخل واشنطن في النزاع، تؤكد تصريحات الرئيس بايدن ووزير خارجيته على حل الدولتين، ولم تأت السيدة نائبة الرئيس بجديد عندما تحدثت في مؤتمر دبي للمناخ، يوم السبت 2 ديسمبر، عن الرؤية الأكثر وضوحاً لدى الولايات المتحدة لمستقبل غزة:

لا تغييرات في أراضي غزة وحدودها؛ لا للتهجير القسري للفلسطينيين؛ لا إعادة احتلال إسرائيلي للقطاع؛ لا لحصار الفلسطينيين في غزة؛ وعدم استخدام غزة كمنصة للإرهاب؛ تعزيز السلطة الفلسطينية حتى تتمكن في الوقت المناسب من توسيع حكمها إلى غزة وتولي المسؤولية الأمنية.

في آخر المواقف الأمريكية الصريحة تجاه سياسات الحرب الإسرائيلية العدوانية على غزة، عبر لويد أوستن وزير الدفاع الأمريكي عن حجم الضغوط الداخلية والعالمية التي تتعرض لها إدارة بايدن مع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ودخولها مرحلة غزو مناطق الجنوب، وعن موقف علني معارض لاستمرارها بسبب تجاوزها سقف الأهداف السياسية التي وضعتها واشنطن، قائلاً: عندما تدفع سكاناً مدنيين إلى أحضان العدو، أنت تحول نصراً تكتيكياً إلى هزيمة استراتيجية. وأضاف: لقد أوضحت هذا أكثر من مرة لزعماء إسرائيل. لديهم مسؤولية أخلاقية بحماية حياة السكان المدنيين في غزة، وهذه ضرورة استراتيجية.

ثالثاً: على جبهة العمل الميداني، الساعية لتحقيق أهداف متناقضة:

1- على الصعيد الإقليمي:

إذا تجاوزنا الجهود الكبيرة التي بذاتها الإدارة منذ اليوم الأول من أجل منع انتشار النزاع إقليمياً وبالتالي منع ارتداداته المدمرة المباشرة على حركة المقاومة الإسلامية وشركائها في الجهاد الإسلامي في حال دخول إيران أو حزب الله في حرب شاملة مع إسرائيل، فقد حددت واشنطن، في أخطر مراحل جهود حكومة اليمين لنشر النزاع إقليمياً، سقف أهداف الرد الإيراني المباشر داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة على هجوم القنصلية الدمشقية في مطلع نيسان، بما لا يعطي اليمين ذريعة الرد الذي يبيته ويسعى إليه طوال سنوات ضد مواقع ارتكاز الصناعات العسكرية التابعة للحرس الثوري، خاصة البالستية والنووية؛ فجاء الرد الإسرائيلي الانتقامي بما يلبي شروط واشنطن، وقد نجحت إدارة بايدن في احتواء جهود حكومة الحرب لجر النظام الإيراني إلى حرب إقليمية شاملة، لن تنتهي لصالح بقاء سلطة حماس.

في نفس الإطار، تركزت جهود واشنطن الخارجية، في علاقاتها مع شركائها الإقليمين، ومع خصمها الإيراني على تحقيق نفس الهدف، وقد قام الوزير بلينكن بجولات مكوكية بين عواصم المنطقة، كما اعترف وزير الخارجية الإيراني بتلقي بلاده رسائل واضحة من واشنطن.

2- على الصعيد الفلسطيني:

في موازاة الجهد الأمريكي لمواجهة سياسات حكومة اليمين لإشعال حرب إقليمية شاملة، خاصة عبر الجبهة الشمالية مع حزب الله، عملت الولايات المتحدة أيضاً على حصر سقف الحرب الإسرائيل في غزة تحت مستوى هدف حكومة الحرب المُعلن بتحقيق هزيمة حماس الشاملة، سياسياً وعسكرياً، وحصره عند هدف تقويض قواعد ارتكازها العسكرية في القطاع، دون رفح، ومعارضة جهود وسياسات إعادة احتلاله بشكل مباشر، وإحداث تهجير واسع النطاق، وبالتالي تحديد سقف أهداف الحرب بما يتوافق مع حقيقة تطلعات الإدارة إلى اليوم التالي التي تتضمن بقاء دور سياسي رئيسي لحماس في إعادة تأهيل القطاع المدمر.

وقد برز في سياسات واشنطن تقديم الدعم والاسناد السياسي والحربي واللوجستي لحكومة نتنياهو في هدفها المُعلن لتقويض البنية العسكرية لحماس عبر حرب محدودة الأهداف والسقف الزمني، ودون السماح لحرب مفتوحة أن تؤدي في السياق والنتيجة إلى إسقاط حماس سياسياً وعسكرياً، والحفاظ على درجة ما من لعبة الاشتباك التي كانت قائمة عند فجر السابع من أكتوبر، وهو المسار الأفضل غير المُعلن لتقويض شروط حل الدولتين، وقد عملت واشنطن على أهدافها تحت يافطات الحفاظ على شروط حل الدولتين، وجهود تقديم المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين ومنع التهجير.. وقطار الهدن السياسية.

3- على الصعيد الدولي:

برز عدم معارضة واشنطن للجهود الدولية الضاغطة على حكومة نتنياهو لوقف الحرب على القطاع، ومنع غزو رفح، وتأييد قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، مقابل رفض الإدارة لجهود الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبعض الحكومات الأوربية، التي انطلت عليها طبيعة المفارقة بين الدعاية والوقائع في سياسات واشنطن، للاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة، وفقاً لحل الدولتين الأمريكي!.

ثالثاً: كيف نفهم تقاطع المصالح الامريكية مع قيادة حماس؟

لماذا تفعل واشنطن ما يجعل سياساتها حبل النجاة الوحيد لسلطة حماس؟

لأن هدف واشنطن الحقيقي هو منع توفير شروط حل الدولتين، بخلاف المُعلن، ولأن حماس، بما هي سلطة أمر واقع على قطاع غزة، تشكل عامل تقسيم سياسي وجغرافي وديموغرافي وأيديولوجي، وتخندقات إقليمية، تقوض موضوعياً وذاتياً شروط صيرورة مسار تسوية حل الدولتين، أو أي حل سياسي وطني للصراع التاريخي على فلسطين!.

لماذا تتعارض سياسات واشنطن مع اليمين الصهيوني المتطرف؟

لأن قيادات أحزاب اليمين تتعامل مع حماس وفقاً لسياسات قصر نظر أيدولوجية، ومن منطلق الانتقام، وبما يرضي القاعدة الانتخابية العنصرية الدينية، بخلاف رؤية وسياسات واشنطن الاستراتيجية، التي ترى في قيام دولة فلسطينية موحدة الخطر الحقيقي على أمن الكيان!.

لماذا تتأرجح العلاقات الأمريكية مع نتنياهو؟

هذا المجرم، المطلوب للعدالة المحلية والدولية، والذي بات في موقع الاتهام من قبل قطاعات واسعة من الإسرائيليين، ليس له مخرجا، على المستوى الشخصي والسياسي، سوى البقاء على رأس الحكومة التي يشكل اليمين ضمان استمرارها، واللعب على رقعة التسويات السياسية الأمريكية!


[1]– الأسباب المُعلنة لاستقالة رئيس الأركان والوزير بلا حقيبة، الأسبوع الماضي، وقد شكل سلوكهما تهديداً جدياً لاستمرار حكومة الحرب اليمينية الصهيونية، ودعماً مباشراً لخطط واشنطن الساعية لإنهاء الحرب، مع الحفاظ على قواعد الاشتباك التي كانت قائمة قبل السابع من أكتوبر الماضي. وهنا تتكشف طبيعة النزاع السياسي بين إدارة بايدن واليمين الإسرائيلي العنصري:

أسلوب تقويض شروط تسوية أوسلو، وما نتج عنه على صعيد بناء مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية:

الولايات المتحدة تفهم القضية بمنظور سياسي، استراتيجي، وترى في سلطة حماس على غزة، العامل الرئيسي في منع قيام حل الدولتين، لما يشكله من إسفين في جسد الجغرافيا والديموغرافيا الوطنية الفلسطينية، وعداء لمؤسسات السلطة نفسها، وبالتالي عامل تمزيق داخلي لوحدة الجغرافيا السياسية والديمغرافيا الفلسطينية!.

بخلاف هذه الرؤية السياسية، يرى اليمين الصراع مع حماس ومع السلطة من منظور ديني متطرف، وصهيوني سياسي، ويسعى لتقويض سلطتيهما، وإعادة احتلال القطاع والضفة.

[2]– نهج متأصل في خطط وسياسات السيطرة الأمريكية، لا يجد أصحاب الأقلام والمنصات، حتى على صعيد كبار المفكرين الأمريكان، من تفسير له سوى الحديث عن فشل السياسات الأمريكية، وقد أضاف إليه الثقافة السياسية النخبوية المعارضة تخبط السياسية، وعدم وضوح الرؤية!؟.

وفقا، لهذا المعيار، تعيش السياسات الأمريكية حالة فشل وعجز مستمرة من أفغانستان ثمانينات القرن الماضي، إلى سوريا وفلسطين، اليوم، بينما في الواقع، تتعزز أدوات السيطرة الإقليمية والعالمية للولايات المتحدة!.

هي معادلة السياسات الأمريكية التي وجد فيها الوعي السياسي النخبوي المعارض فشلاً وتخبطاً، وتردداً، وعدم الوضوح في الرؤية، واعتبرها آخرون في نخب الصف الأول انسحاباً تكتيكياً لمواجهة أخطار في مناطق أكثر أهمية في سياسات الولايات المتحدة من منطقتنا، وسوريا، التي روج بعضهم لعدم أهميتها في سياسات واشنطن!.

ما يثير السخرية أن هذا الفشل في تحقيق المُعلن، يعزف على أوتار أنغام اليسار المنفصل، الذي يرى في حتمية سقوط الإمبريالية بشكل عام، وقرب سقوط الزعامة الأمريكية، لصالح أقطاب صاعدة!.

يتجاهل هؤلاء حقائق الصراعات التي تقودها واشنطن، أو تكون الطرف الرئيسي فيها، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، والتي تبين أن فشل المُعلن في دعايات الإدارة هو في الوقائع الموضوعية انتصاراً الأهداف الحقيقية، التي تتناقض مع المُعلن، وهنا قمة الذكاء والمهارة السياسية!.

الأمثلة، لا تحصى:

غزت العراق تحت شعار تعزيز الديمقراطية، ومكافحة الإرهاب، ومارست سياسات نهج متكامل، أدت إلى تحقيق الأهداف الواقعية التي تسعى إليها تحت الدعاية، والتي عززت في الوقائع الموضوعية الجديدة أدوات السيطرة الإقليمية الأمريكية:

تقسيم الدولة، وتفشيلها، وبناء نظام تحاصص طائفي، وتحويل العراق إلى بنك إرهاب جهادي، يضرب حيثما تقضي سياسات الولايات المتحدة، محلياً وإقليمياً وعالمياً.

في مواجهة تحديات الربيع السوري، أعلنت نهاية الصلاحية، ودعمها الكامل لتطلعات السوريين المشروعة في حصول انتقال سياسي وتحول ديمقراطي، على صعيد الممارسة السياسية والعسكرية والدبلوماسية، سعت لتحقيق الأهداف الرئيسية المغيبة في أكاذيب الدعاية:

خلال المرحلة الأولى من الخَيار العسكري الطائفي، نسقت جهود إجهاض مسارات حل وانتقال سياسي، معززة موضوعياً وذاتياً عوامل نجاح الخَيار العسكري الميليشياوي، وحددت سقف الأهداف السياسية والعسكرية للقوى التي صارعت سلطة النظام، بما يُفشل مقومات الدولة السورية دون أن يسقط سلطة النظام، ويوفر شروط دور الولايات المتحدة المباشر في المرحلة الثانية، 2015-2019.

بعد تدخلها العسكري المباشر والواسع النطاق، وتنسيق تدخل روسي بين 2014-2015، قادت الولايات المتحدة المرحلة العسكرية، وسعت لإعادة تقاسم حصص ومناطق نفوذ السيطرة الجيوسياسية، بما يضمن لها حصة الأسد، وشركائها – سلطتي النظامين السوري والإيراني وميليشيات قسد والجولاني الحصص التالية، وواجهت، بدرجات متفاوتة مساع تركية للحصول على حصة خاصة!.

في المرحلة الأخيرة بعد 2019، مرحلة التسوية السياسية، تقود واشنطن جهود وإجراءات تسويتها الخاصة، المتناقضة في الإجراءات والمقاصد مع مسار جنيف، الذي دعمته إعلامياً، وتعمل على إعادة تأهيل متزامن لسلطتي قسد والنظام، واضعة تركيا أمام خيارات صعبة، وجميع السوريين، أمام وقائع قطع مسار انتقال سياسي وتقسيم سوريا؛ وقد نجحت جهودها في تحقيق هدفها الحقيقي الرئيسي، الذي يعزز شروط سيطرتها الإقليمية:

اقتطاع الجزء الأهم من سوريا، وتحويله إلى قاعدة ارتكاز أمريكية دائمة، لا تقارن أهميتها في سياسات السيطرة الإقليمية، مع قواعدها في العراق!.

لنتخيل العواقب على سياسات واشنطن وشركائها الاقليمين أن تُعلن إدارة بايدن، على لسان وزير خارجيتها أو رئيسها، أو حتى في تصريحات مندوبها إلى مجلس الأمن:

إن الهدف الرئيسي لسياساتها هو انقاذ سلطة حماس من آلة البطش الإسرائيلية في المرحلة الأولى، وإعادة تأهيلها، في مراحل تالية، لأنها الضامن الواقعي لمنع قيام حل الدولتين، تماماً كما فعلت تجاه سلطة النظام السوري، الضامنة لعدم حصول انتقال سياسي وتحول ديمقراطي، يُعيد توحيد سوريا، وإن سلوكها المدافع عن سلطة حماس والنظام (وحزب الله) يأتي في سياق نهج تفشيل الدول الذي حققته أدوات سيطرة تشاركية اقليمية مع سلطة النظام الإيراني، وبالتالي الحرص على أن تبقى تلك الأذرع لاعباً رئيسياً على لوحة المشهد السياسي الإقليمي التي تعمل عليه واشنطن في إطار مشروع التطبيع الإقليمي، والتسويات السياسة الرديفة، في سوريا واليمن!.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني