fbpx

نِفاقٌ غربي وليس ازدواجية معايير!

0 585

لقد أكّدت الحرب التي يشنّها الكيان الصهيوني على غزّة وارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانيّة وجريمة إبادة جماعيّة بحق سكّانها والجرائم التي يرتكبها كلّ من نظام أسد والنظامين الروسي والإيراني في سوريّة بأن الحكومات الغربيّة التي تتشدّق بالديموقراطيّة وحماية حقوق الإنسان بأنّها حكومات منافقة لا تتمتّع بأي مصداقيّة فيما تدّعيه ولا تخجل من إظهار هذا النفاق بكل وقاحة عندما تتعارض مصالحها مع قيم الديموقراطيّة، وحقّ الشعوب الأخرى، أو احكام القانون الدوليّ، والقانون الدولي الإنساني حيث تهرع الى نصرة الأنظمة الاستبداديّة والكيان الصهيوني الغاصب للأراضي العربيّة و، ضرب كل هذه القيم والمبادئ والقوانين عرض الحائط، وآخر ما تفتّق عنه هذا العقل المزدوّج المعايير كان قرار وزير العدل الفرنسي الموجه للنوّاب العامّين في فرنسا بضرورة ملاحقة كل من يعارض العدوان الإسرائيلي على غزة أو الدفاع عن الحق الفلسطيني بجرائم معاداة الساميّة والتحريض على الإرهاب وتبريره، كما تجلّى بقيام المؤسسات والوكالات الاعلاميّة بتحذير موظفيها أو مراسليها من ابداء أي موقف يعارض العدوان الإسرائيلي أو يكشف حقيقة ما يتعرّض له الفلسطينيين في غزّة من جرائم إبادة وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانيّة الامر الذي تسبب بطرد الموظفين والمراسلين والعاملين في هذه المؤسسات أو دفعهم لتقديم استقالاتهم، وملاحقة حتى الناشطين في مجال الديموقراطيّة وحقوق الإنسان في أكبر فضيحة أخلاقيّة ترتكبها هذه الحكومات ومؤسساتها الرسميّة وغير الرسميّة وتحيّزها الكامل الى جانب لعدو الإسرائيلي والدفاع عنه وتبرير جرائم الإبادة التي ترتكبها عصاباته في غزّة الامر الذي يرتقي الى مستوى الشراكة في هذه الجرائم.

قرار وزير العدل الفرنسي والمستند إلى الذريعة الواهيّة التي تقول: ’’إنّه من المرجح بشكل خاص أن يؤدي حدوث هذه الحقائق إلى زيادة في الجرائم المعادية للسامية، سواء كانت الاعتداءات على السلامة الجسدية لأفراد من الطائفة اليهودية، أو الإضرار بأماكن العبادة، أو حتى التعليقات التي من المحتمل أن تكون بمثابة تبرير للإرهاب أو مباشرة التحريض على الأعمال الإرهابية المنصوص عليها في المادة ’’5-2-421‘‘ من قانون العقوبات‌‘‘.

وهذا يعني امكانيّة معاقبة أي شخص بجرم تبرير الإرهاب أو التحريض عليه لمجرّد وضع تعليق على صورة لأي مجزرة أو مقتل فرد أو افراد فلسطينيين أو استهداف المشافي والمساكن ودور العبادة والمدارس والدفاع المدني وطواقم الإسعاف أو الإعلاميين على يد عصابات الكيان الإسرائيلي أو الإشارة الى مسئوليّتها عن هذه الجرائم، وتتراوح العقوبة ما بين خمسة أعوام وغرامة ’’75‘‘ ألف يورو، وسبعة أعوام وغرامة قدرها ’’100‘‘ ألف يورو اذا ارتكبت على الانترنت.

كما طلب من النائب العام تشديد العقوبات إذا كان ’’المتّهم‘‘ ينتمي أو لعرق وطن أو سلالة أو ديانة الضحيّة، واعتبر أن الظرف المشدد ناجم عن سبق الجريمة أو صاحبها أو تلاها أحاديث أو كتابات أو صور أو اشياء أو افعال تمس بالكرامة. وفي هذه الحالة ينطبق الظرف المشدّد على الفلسطيني وعلى العربي غير الفلسطيني ’’مسلم أو غير مسلم‘‘ وينطبق على المسلم سواء كان فلسطينيّا أو عربيّا أو غيرهما، وينطبق على الفرنسي أو غيره ممن يحمل الجنسيّة الأجنبيّة وكان أصله فلسطيني أو عربيّ الذي يقوم بالتعليق على جرائم الإبادة الاسرائيليّة بحق سكّان غزّة أو ابداء التعاطف والمساندة للضحايا أو للأهالي فيها.

لقد نصّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنّ حرية الرأي والتعبير من الحقوق الأساسيّة للإنسان بالمادة ’’19‘‘ منه التي جاء فيها: لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية.

وحيث أنّ حريّة الرأي والتعبير ترتبط ارتباطاً وثيقاً بحرية الإعلام والوصول إلى المعلومات وتمكين الناس من الحصول على معلومات دقيقة ونزيهة وحيادية، على اختلاف وتعدد الآراء، واختلاف وتعدّد وتنوّع وسائل التواصل بما يُحقّق لهم حقّ المشاركة في الحياة المدنيّة والسياسيّة باعتبارها احدى مظاهر وأهداف الديموقراطيّة.

وحيث أنّه من مقتضيات الحق بحريّة التعبير والرأي الإقرار بحرية الصحافة باعتبار أن وسائل الإعلام المستقلة والحرة والتعددية تُعدّ من الركائز الأساسية للحكم الرشيد في الدول الديمقراطية، لأنّها تعمل على ضمان الشفافية والمساءلة وسيادة القانون باعتبار ان الاعلام هيئة رقابيّة، وتعزيز المشاركة في الخطاب العام والسياسي من قبل المجتمع الذي تُمكّنه وسائل الاعلام المستقلّة من الانخراط مع السلطة وصنّاع القرار، وتسهم في مكافحة الفساد والجريمة والفقر.، وكون هذه أهمّ القضايا التي تهمّ المجتمع مما يجعلها مصدر قوة القطاع الإعلامي المستقل التي يمنحها له المجتمع الذي يخدمه والذي بفضله يُصبح المجتمع شريكا كاملا في العملية الديمقراطية، مما يفرض على الإعلاميين الالتزام بأعلى المعايير الأخلاقية والمهنية التي تُشكّل منظومة المبادئ والأعراف والقواعد الاساسيّة الهيكل الأساسي لحرية التعبير التي يجب أن تسود.

واستناداً الى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدّة رقم ’’3236‘‘ الصادر في22/11/1974 الذي نصّ على أنّ حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وحقه في الاستقلال والسيادة الوطنيتين، وحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم، الذي يؤكِّد قرارها رقم ’’194’’ الصادر في 11/12/1948 الذي اعتبرها هي حقوق غير قابلة للتصرّف، أي أنّها حقوق لا تسقط لا بالتقادم ولا بالتنازل عنها ولا بسلبها بالقوة أو المفاوضات.

واستناداً إلى حكم المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الذي نصّ على أنّه: في الأحوال التي لا تنجح قوات الاحتلال فيها بترسيخ أو ممارسة سلطتها على أرض معينة بسبب أعمال عدائية ترتكب ضدّها من قبل مقاتلين من الأرض المحتلة. وفي هذه الحالات، لا يعتبر القانون الإنساني هذه الأراضي أراضي محتلة وإنما يعتبرها بدلاً من ذلك أراضي تتعرَّض للغزو. وبعبارة أخرى، فإنها تعتبر ساحات معركة، والقواعد التي تنطبق عليها هي القواعد العامة للنزاع المسلح أي ’’القانون الدوليّ الإنساني‘‘ و’’القانون الدوليّ الإنساني العرفيّ‘‘.

وبناءً على ما سبق فإن حق الفلسطينيّين بمقاومة الاحتلال يُعتبر حقٌّ مشروع باعتبارها من مقتضيات استخدام الحقّ بتقرير المصير والاستقلال والسيادة الوطنيتين.

وحيث أنّ إطلاق إسرائيل وحلفائها صفات الشر على المقاومين أو المدنيين الفلسطينيين ووصفهم بالمجرمين والإرهابيّين أو بـ’’الدعشنة‘‘ إنّما تهدف من ورائها إلى تجريد المقاتلين من التمتّع بوضع المقاتل وحرمان من يقع منهم في قبضة العدو من حقهم في المعاملة كأسرى حرب أو حرمان المدنيين الذين تعتقلهم إسرائيل من صفة ’’المدنيين‘‘ للتخلّص من التزام وواجب حمايتهم أثناء الحرب وهذا يُعتبر انتهاكاً صريحاً لأحكام البروتوكول الإضافي الأول الذي وسّع مفهومي ”المقاتلين“ و”أعضاء القوات المسلحة“ التي تحددها المادة الرابعة من اتفاقية جنيف الثالثة ووحّد نظام الحماية وفرض مسؤوليات مساوية على جميع أولئك الذين يحملون الأسلحة ومنح المقاتل بموجب التعريف الوارد في اتفاقية جنيف الثالثة حق التمتّع بوضع أسير الحرب ومنع محاكمته عن المشاركة في الأعمال العدائية وينطبق هذا الحكم على أفراد القوات المسلحة للطرف المشارك في النزاع، وكذلك أفراد الميليشيات أو مجموعات المتطوعين التي تشكل جزءاً من القوات المسلحة، أو أفراد الميليشيات الأخرى والوحدات المتطوعة الأخرى، بمن فيهم أعضاء حركات المقاومة المنظمة حتى لو كان هذا الإقليم محتلّاً أو سكان الأراضي غير المحتلة الذين يحملون السلاح من تلقاء أنفسهم عند اقتراب العدوّ لمقاومة القوات الغازية دون أن يتوفر لهم الوقت لتشكيل وحدات مسلحة نظامية، شريطة أن يحملوا السلاح جهراً وأن يراعوا قوانين الحرب وعاداتها.

وكما أنّ القانون الدوليّ الإنساني أثناء أي نزاع مسلح لا يعترف بمصطلح ”الإرهابيون“ بشكل قانوني، فاتفاقيات جنيف وبروتوكوليها الإضافيين لا تعترف إلا بتفرقة واحدة في الصفة وهي التفرقة بين المدنيين والمقاتلين وأيضاً بين الذين يشاركون في الأعمال العدائية والذين لا يشاركون أو كفوا عن المشاركة فيها.

وعليه لا يجوز لأي دولة أو حكومة أن تقوم باتهام أي فلسطيني أو عربي أو مسلم بالإرهاب أو تبرير الإرهاب أو التحريض عليه في سياق الدفاع عن الفلسطينيين وعن حقوقهم المشروعة، ودعمهم في ممارسة حقّهم بمقاومة الاحتلال وتقرير مصيرهم باعتبارهم يمارسون حقّاً مشروعاً بموجب احكام القانون الدوليّ والقانون الدوليّ لحقوق الإنسان والقرارات الدوليّة ذات الصلة بالقضيّة الفلسطينية.

وحيث أنّ ما تقوم إسرائيل من جرائم وممارسات وبموجب القانون الدوليّ الإنساني ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائيّة الدوليّة يُشكّل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانيّة ومنها:

الإبادة الجماعية: من خلال استهداف المدنيين بشكل عشوائي في غزّة ولإخضاعها عمداً لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي كلياً أو جزئياً عن طريق فرض الحصار ومنع الغذاء والماء والدواء وقتل السكّان بشكل عشوائي واستهداف المرافق الحيويّة والأساسية للحياة تعتبر من قبيل جرائم الإبادة الجماعيّة المنصوص عنها بالمادة ’’7‘‘ من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائيّة الدوليّة.

والتهجير القسريّ: من خلال إجبار سكّان غزة ودعوتهم للتوجّه باتجاه الآراض المصريّة واستخدام القصف الجويّ والصاروخي واستخدام الأسلحة المحرّمة دوليّاً يعتبر جريمة تهجير قسري وهي من جرائم الحرب المنصوص عنها بالمادة ’’49‘‘ من اتفاقيّة جنيف 4 الرابعة والقاعدة ’’130‘‘ من دراسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر للقانون الدولي الإنساني العرفي والفقرة ’’د‘‘ من المادة ’’7‘‘ من ميثاق روما الأساسي للمحكمة الجنائيّة الدوليّة.

وحيث أنّه كما ذكرنا أنِفاَ بأن حريّة الصحافة والاعلام هي من مستلزمات ممارسة الحق بحريّة التعبير والرأي وأن عمل المؤسسات الاعلاميّة والصحفيّة يقوم على الشفافية والمساءلة وسيادة القانون باعتبار ان الاعلام هيئة رقابيّة، وتعزيز المشاركة في الخطاب العام والسياسي من قبل المجتمع الذي تُمكّنه وسائل الاعلام المستقلّة من الانخراط مع السلطة وصنّاع القرار، من خلال كشف الفساد والجريمة ورصد وتوثيق الانتهاكات الجسيمة للقانون الدوليّ الإنساني والقانون الدوليّ لحقوق الإنسان والقانون الدوليّ الإنساني العُرفي.

وباعتبار أن الإعلام والصحافة من أهم أدوات تحقيق الديموقراطيّة وحقوق الإنسان وحمايتها والدفاع عنها، الأمر الذي يوجب على الحكومات والدول الأعضاء في الأمم المتحدة الالتزام بالمبادئ والقواعد الاساسيّة التي تقوم عليها منظومة الأمم المتحدة ومنها رعاية حقوق الإنسان وحمايتها، ومنها الحقّ بتعزيز حرية التعبير، والحدّ من انتهاك الحكومات والدول لهذه المبادئ والقواعد، وإعلان عدم شرعيّة أي قوانين أو تشريعات تتناقض مع هذه المبادئ أو التي تُشكّل تضييقاً على دعاة وحماة حقوق الإنسان واعتبار أنّ الملاحقات القضائية المتعلقة بمواقع التواصل الاجتماعي ضد أصحاب الراي والمدافعين عن الحقوق والقضايا المشروعة تمثل خطراً حقيقياً عليهم يؤدّي إلى مزيد من التهميش والاقصاء للناس وبث الخوف من ممارسة حرية التعبير.

ولم تكتفِ بذلك، إذ تقوم بالتضليل والتدليس وقلب الحقائق وتبرير جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانيّة وجريمة الإبادة التي يتعرّض لها سكّان غزة من قبل عصابات الكيان الصهيوني المحتلّ وفتح أبواب وسائل الإعلام والصحافة على مصراعيها للمضللين والمدلّسين والمفترين.

وحيث أن ما تقوم به الحكومات الغربيّة يُعتبر انتهاكاً صارخاً للحق في حرية الرأي والتعبير، وتمييزاً وتهديداً بالعنف أو استعماله ومضايقة واضطهاد وترهيب تُمارسه ضد الفلسطينيين والعرب والمسلمين القاطنين فيها الذين يسعَون الى فضح جرائم الكيان الصهيوني المحتل والدفاع عن ضحاياه من الفلسطينيين انطلاقاً من حقِّهم في حرية الرأي والتعبير، الأمر الذي يستوجب تدخّل المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير واتخاذ الإجراءات حيال هذه الممارسات غير المشروعة التي تسمح بها ولايته التي تستند الى القرار رقم’’43/4‘‘ لسنة 2020 الصادر عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني