
نظرة على 46 عاماً من حكم ولاية الفقيه في إيران
لم يكن النظام الإيراني في بدايات تأسيسه يكتفي بجعل إيران فقط كبلد لتطبيق نظرية ولاية الفقيه وإنما خطط من أجل أن يتم استنساخه وتطبيقه في باقي بلدان المنطقة وكان هذا النظام يعتقد بأن الاجواء التي سادت في بدايات تأسيسه (حيث الشعب الإيراني لا يزال لم يعرف هذا النظام على حقيقته) سوف تستمر، لكن الذي حدث بعد ذلك أصاب النظام بالصدمة ولاسيما بعد تزايد رفض وكراهية الشعب للنظام ووصوله إلى حد اندلاع انتفاضات شعبية شارك فيها ما يزيد عن مليون إيراني.
استمرار الرفض والكراهية الشعبية المتزايدة للنظام وممارساته وطريقة وأسلوب تسويقه للأفكار والمفاهيم التي يريد فرضها كأمر واقع على الشعب الإيراني كان يعني وبصورة واضحة أن الشعب يرفض نظرية ولاية الفقيه وأنها قد وصلت إلى طريق مسدود، غير أن العقلية المتحجرة لقادة هذا النظام ورفضهم التسليم بالأمر الواقع جعلهم يضاعفون من الممارسات القمعية والاعدامات لإضفاء أجواء الرعب على البلاد وثني الشعب عن مواجهة النظام.
الملاحظة المهمة هنا، هي أن النظام إضافة إلى كونه قد ضاعف من ممارساته القمعية ومن الإعدامات في داخل إيران في سبيل ترهيب الشعب الإيراني، فإنه تماهى أكثر من السابق في السعي من أجل استنساخ نظرية ولاية الفقيه المرفوضة إيرانياً وتطبيقها في بلدان المنطقة وذلك من خلال أحزاب وميليشيات عميلة له قام بتأسيسها من أجل هكذا هدف مشبوه.
عند التمعن في الوسائل الإعلامية التابعة للأحزاب والميليشيات التابعة له في بلدان المنطقة، نجدها تصور الأوضاع في إيران في ظل نظام ولاية الفقيه على أنه فريد من نوعه من حيث جعل الشعب الإيراني يعيش في تقدم ورخاء، في حين أن الحقيقة غير ذلك تماماً والأنكى من ذلك أن هٶلاء العملاء يصرون في وسائل إعلامهم على أن كل ما يقال عن سوء الأوضاع في إيران هو محض كذب وافتراء!
ومن الواضح أن استمرار النظام في السعي عن طريق عملائه في بلدان المنطقة من أجل تطبيق نظرية ولاية الفقيه، هو في الحقيقة من أجل إيجاد عمق سياسي ـ فكري له في بلدان المنطقة وحتى تهديد الشعب الإيراني بذلك ولمن لا يعرف ذلك فإنه وخلال السيول التي اجتاحت إيران قبل بضعة أعوام وكشفت عن ضعف البنية التحتية للنظام وازدادت مخاوفه من اندلاع انتفاضة شعبية ضده بسبب من ذلك فإنه قام باستقدام بعض من الميليشات العميلة له من أجل ترهيب الشعب الإيراني وثنيه عن القيام بانتفاضة ضده وهو الأمر الذي أثار استهجاناً واسعاً في صفوف الشعب الإيراني وكشف في ذلك الوقت كيف أن النظام قد فشل فشلاً ذريعاً في جعل هذه النظرية موضع تقبل الشعب.
ومن المفيد هنا التنويه على أنه لم تعد منظومة الحكم القائمة على ولاية الفقيه في إيران، بكل ما جرته من تبعات كارثية على الأصعدة كافة، مجرد نظرية سياسية فاشلة، بل وحتى قد تحولت إلى “عبرة القرون” كما بدأت تصفها الاعترافات المتسربة من داخل أروقة النظام نفسه. وفي مثال صارخ على هذا الانهيار، ممزوج بالدهشة، جاء اعتراف أحد نواب برلمان النظام بشأن أزمة الكهرباء الخانقة، حيث صرح في 17مايو/أيار 2025 لإذاعة “فرهنك” الحكومية: “اليوم، في عام 2025، نشهد أسوأ معدلات انقطاع للتيار الكهربائي منذ قرن من الزمان”.
وتضيف إذاعة “فرهنك” في تقرير لها أن هذه المنظومة، التي استندت في قيامها على كيانات فوق دستورية مثل الولي الفقيه وذراعه الضاربة المتمثلة في مجلس صيانة الدستور، تجد نفسها اليوم غارقة في تناقضات هيكلية متزايدة بين مكوناتها. والمفارقة أنه بعد مرور ستة وأربعين عاما على تأسيسها، تتعالى الآن أصوات من داخلها تنادي بـ “إعادة هيكلة” عاجلة، كما جاء على لسان النائب رضا سبهوند: “في بلادنا، التعارض بين الحكومة والقطاع الخاص والكيانات شبه الحكومية والمؤسسات (التابعة للولي الفقيه) عميق وهيكلي. نحن بحاجة إلى إعادة ترتيب دقيقة لهيكل الحكم”!
واللافت أن هذا التقرير من داخل النظام صدر في مايو/أيار 2025، أي بعد عامين من شروع خامنئي في عملية “توحيد السلطة” المزعومة، والتي أطاح خلالها حتى بالموالين من جسد النظام لضمان برلمان وحكومة على مقاسه. وها هم الآن، النخبة التي اختارها خامنئي ومجلس صيانته، يتحدثون عن “تحديات خطيرة وحتى انسداد” في البرلمان وهيكل النظام، بما يتناقض 180 درجة مع خطابات ومواقف خامنئي.
إن رصاصة الرحمة التي أطلقت على مصداقية ومكانة الولي الفقيه في هيكل نظام الملالي، هي النتيجة الحتمية لمحاولة مد اليد من العصور الوسطى إلى القرن الحادي والعشرين لفرض “الدين الإجباري”، و”الحكم الإجباري”، و”الحجاب الإجباري” وقد جاء الرد الحتمي من غالبية الشعب الإيراني في آخر مسرحيات النظام الانتخابية في ربيع وصيف 2024، عبر مقاطعة واسعة النطاق لتؤكد وبوضوح فشل ونهاية نظرية ولاية الفقيه لحكم إيران.